كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
أنجز فريق من الباحثين في مركز الاستشعار عن بعد، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، برمجية تهدف إلى تحديد الأسباب الكامنة خلف حوادث السير، أو «الصدامات المرورية» كما يفضّل الفريق تسميتها، لا إحصاءها فقط. وتوصلّت هذه البرمجية إلى رسم خريطة توضح تركّز هذه الحوادث مكانياً وزمنياً، لتقييم أحوال الطرقات، وهذا مفقود على المستوى الرّسمي، الذي يقوم بالعدّ فقط.
تشكّل الحوادث المرورية السّبب الأول للوفاة، بعد الأوبئة والأمراض، لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 16 سنة، وتحلّ في المرتبة الثانية عشرة عالمياً، إلا أنّها تتقدّم في لبنان لتحتلّ المركز الثامن للأسباب الرئيسية للوفاة بعد الأمراض المستعصية. وفق أرقام غرفة التحكّم المروري، يموت لبنانيان كلّ 24 ساعة نتيجة الحوادث على الطرقات، وخلال شهر نيسان فقط، قُتل 30 شخصاً، وجرح أكثر من 200 شخص نتيجة 157 تصادماً.
وفقاً لأرقام البنك الدولي، 81% هي نسبة حوادث السّير التي تؤدّي إلى إصابات أو وفيات في لبنان، والتي تصيب الفئة العمرية الناشطة اقتصادياً، ويُراوح عمرها من 15 إلى 64 عاماً، ما يزيد الخسارة التراكمية على الاقتصاد سنوياً. كما ويبلغ عدد الذكور المصابين جرّاء حوادث المرور 5 أضعاف عدد الإناث.
وفق إحصاءات قوى الأمن الداخلي، يموت حوالي 500 شخص بشكل مباشر في لبنان جرّاء الحوادث المرورية، التي يناهز عددها سنوياً الـ5000 حادث، أي بمعدل حادث كلّ ساعتين تقريباً، بالإضافة إلى عشرات آلاف الجرحى الذين قد يموتون لاحقاً، ما يجعل أرقام منظمة الصحة الدولية أكثر قتامة، إذ تشير آخر إحصاءاتها إلى وفاة حوالي 1100 لبناني سنوياً جرّاء حوادث المرور وتبعاتها، رقم يشكّل نسبة 3.3% من عدد الوفيات السّنوية، ويضع لبنان في المركز الـ89 عالمياً لحوادث المرور، كما تشير إحصاءات منظمة الصحة أيضاً إلى نسبة التزام متدنية بضوابط السّلامة في السّيارات، إذ لا تزيد نسبة استخدام ركّاب السّيارات اللبنانيين لحزام الأمان عن الـ14% فقط.
رصد للتنبؤ
الكارثة اليومية التي يعيشها اللبنانيون على الطرقات دفعت فريقاً من الباحثين في مركز الاستشعار عن بعد، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، إلى وضع برمجية تهدف إلى «تحديد الأسباب الكامنة خلف الصدامات المرورية لا إحصاءها فقط». ويقول منسّق الفريق البحثي، صاحب الفكرة الدكتور علي جواد غندور إن «البرمجية المعروفة باسم المنصة اللبنانية للصدامات المرورية، أو LOCR، تعمل منذ عام 2015، وهي قيد التطوير الدائم من قبل الفريق المتابع لها في المجلس».
ويؤكّد ضرورة استخدام عبارة «الصّدامات المرورية، لا حوادث السّير، لأنّ الأخيرة توحي بأنّ الأمور هي قضاء وقدر، ولا يمكن التدخل لإيقافها بينما هناك نمط يتكرّر يومياً، بحسب نوعية التصادمات، ولا دخل له بالصّدف أبداً، ما يعطي إمكانية للتنبؤ بالتصادمات قبل وقوعها». ويضيف «هناك إمكانية دائماً لإدخال التعديلات على الطرقات والقوانين للتخفيف من الصّدامات، ولو كان الأمر متعلقاً فقط بالصدف لأصبح من الصعوبة في مكان علاجه».
الإنترنت كمصدر
على مستوى جمع المعلومات، تعتمد المنصة LOCR على مبدأ «المصادر الجماهيرية» أوCrowd sourcing لـ«التنقيب عن المعطيات في منصات التواصل الاجتماعي، لا سيّما فايسبوك وتويتر». تفتش عن كلّ منشور يتكلّم عن حادث مروري على الطرقات، وتقوم من بعدها بفرزه على قاعدة معلوماتية، فتصنّف المعلومات الواردة إلى تفاصيل مثل عدد الجرحى أو القتلى، الآليات المشاركة في التصادم (سيارات، دراجات، شاحنات)، كما تحدّد مكان وقوعها جغرافياً.
وقبل استعراض الخرائط يؤكّد غندور «أنّ عمل البرمجية ليس إحصائياً، بل أبعد من ذلك، إذ يمكنها التنبؤ بوقوع التصادمات وفقاً للمعطيات والمتغيّرات»، ويضيف «هي تمكّنت من تحويل التصادم إلى كائن حي، يتطور ويتغيّر بعوامل مرتبطة بعدد السّكان والمساحات وشبكة الطرقات، وتمثل أول عمل لبناني يوزع احتمالية حدوث التصادمات المرورية على الطرقات وفقاً للأيام والأشهر والفصول، وحتى ساعات النهار والليل، كما تمكنت من ربط مجموعة متغيّرات مع بعضها، مثل الزيادة في عدد السّكان، ومساحة الطرقات، يرتبطان بارتفاع احتمالية وقوع التصادمات». ويذكر غندور «تواصل عدد من البلديات مع الفريق البحثي، لتحسين السّلامة المرورية في النطاق البلدي بناءً على معطيات الواردة من البرمجية، التي يمكنها أن تساعد قوى الأمن على إعادة توزيع رادارات السّرعة بطريقة تزيد من فعاليتها، وتقلّل من توقعات السائقين حولها».
نمط التصادمات
في المعطيات المستقاة منها، تشبه التصادمات المرورية في لبنان النمط العالمي، فيتركّز العدد الأكبر منها خلال فصل الشتاء بسبب «سوء الأحوال الجوية»، ويصل عدد التصادمات إلى ذروته في الأعطال الأسبوعية لا سيّما في شهرَي آذار ونيسان. وخلال فصل الصيف، يرتفع عدد التصادمات أيضاً، لا سيّما أيام الجمعة والسّبت من كلّ أسبوع، وذلك بسبب «حركة الناس على الطرقات بين المناطق»، والتي تزيد بدورها من فرص التصادمات لتصل ذروتها أيام الآحاد في فترة بعد الظهر، أي خلال عودتهم من القرى باتجاه المدن. أمّا خلال أيام العمل الأسبوعية، فتتركّز النسبة الأعلى للتصادمات المرورية بين السّاعة العاشرة صباحاً، وبين السّاعة الخامسة من بعد الظهر (أوقات العمل)، وذروة احتمال وقوع التصادم تقع عند الثانية من بعد ظهر كلّ يوم عمل.
أمّا التصادمات الأكثر تسبّباً بالموت، فتلك التي تحصل بعد السّاعة الثالثة فجراً، كما تشير الأرقام إلى أنّ الطرقات السّريعة، لا سيّما السّاحلية الأكثر حصاداً للأرواح أيام الجمعة والأحد من كلّ أسبوع، بالإضافة إلى ارتباط دائم للدراجات مع الإصابات المميتة.
أشكالها
من جهة الأرقام، تشكّل التصادمات بين السّيارات النسبة الأعلى، وتصل إلى 36.2%، يليها تصادم السّيارات مع الدراجات بنسبة 35%، ومن بعدها السّيارات مع المارّة بنسبة 10.7%، هذه الأخيرة المسبّب الأكبر لوقوع الضحايا، كما تصادم الشاحنات مع الدراجات. أكثرية حالات صدم المارّة تجري في قضاء صيدا بنسبة 28%، تليها بيروت 21%، صور 18% وزحلة 14%. وتشير الدراسة إلى أنّ نسبة التصادمات بين السّيارات وبين الدراجات تصل إلى 17%، إذ «يفتقد ركاب وسيلة النقل الأخيرة أدنى إجراءات السّلامة» بحسب الدراسة، ويقع 29% منها في العاصمة بيروت، و27% في صور، وصولاً إلى 13% في جبل لبنان.
كما تربط الدراسة بين زيادة عدد التصادمات المتعلقة بالدراجات، وبين الواقع الاقتصادي المتدهور في البلاد، ما يدفع الشباب أكثر نحو اقتناء هذه الوسيلة للتنقل، بالإضافة إلى أنّ تركزها في بيروت، منطقة المصيطبة تحديداً، وهي «أفقر مناطق العاصمة» وفقاً للدراسة، وتشبّه الدراسة واقع هذه المنطقة بصور التي حلّت في المرتبة الثانية من حيث عدد التصادمات المتعلقة بالدراجات، حيث يوجد «مخيمين كبيرين للاجئين الفلسطينيين».
توزّعها جغرافياً
في المعطيات الجغرافية والزمانية، معظم التصادمات تقع في دائرة العاصمة بيروت وجبل لبنان خلال فصل الشّتاء، فيما تنتقل دائرة الخطر إلى الأطراف في الجنوب والشمال والبقاع خلال فصل الصيف، وتربط الدراسة هنا بين هذا النمط، وبين انتقال الناس نحو القرى للاصطياف ما يخفّف الضغط عن طرقات ويزيدها على أخرى. كما تمكنت الدراسة أخيراً من رسم خريطة شاملة لكلّ الطرقات اللبنانية وتحديد نسبة المخاطر عليها، التي تركزت بشكل كبير على طول الخط السّاحلي، مع تركيز كبير في العاصمة بيروت وطرقاتها الداخلية، من دون أن يعني ذلك أنّ الطرقات في المناطق آمنة، حيث ظهرت النقاط الحمراء الكبيرة، التي تشير إلى زيادة نسبة المخاطر على الطريق بين السّاحل الجنوبي وبين النبطية، وكذلك في قضاء زحلة وقضاء بعلبك.