جاء في “الراي”:
كما في كل قضية سياسية أو أمنية حساسة ينقسم الرأي العام اللبناني السياسي والشعبي حيالها، تحوّل ملف النازحين السوريين في غضون أيام حدَثاً أول في غياب الحدَث السياسي ولا سيما أن الضجيجَ المستجد حوله تَزامَنَ مع ذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005.
ورغم أن اجتماعاً وزارياً أمنياً وسياسياً إنعقد برئاسة رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي خلص إلى تكليف الأمن العام اللبناني التنسيق في قضية النازحين مع القوى الأمنية، إلا أن ثمة إنطباعاً تكوَّن لدى جهات أمنية بأن هذا الملف في طريقه إلى أن يطوى، في ضوء تَصاعُد الضغوط الدولية ومن المجموعات التي تُعنى بحقوق الإنسان التي تحرّكت داعيةً لبنان إلى وقف إعادة النازحين في الشكل الذي يتم فيه.
وقد سجل في المدة الأخيرة إرتفاع عدد النازحين في شكل مضطرد في عدد من المناطق نتيجة عمليات التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية. ومع تَعَذُّر الحصول على أرقام دقيقة لعدد النازحين السوريين في لبنان، برزت معطيات في بعض المناطق عن موجات إستقدام سوريين حديثة العهد، تفاقمت بعد حدوث الزلزال في سورية وتفشي الفقر في بعض مناطقها. ما عنى ان عمليات النزوح الجديدة منبعها إقتصادي، وخصوصاً أنها ترافقت مع عملياتِ مَسْحٍ في بعض المناطق البقاعية والشمالية تحدثت عن إرتفاع عدد المحال التجارية والحِرفية للسوريين في الأشهر الأخيرة. وهذا الأمر فجّر حساسياتٍ مع المجتمعات اللبنانية المضيفة، لا سيما ان عوامل الفقر تتداخل في البيئات اللبنانية والسورية في المناطق الشعبية.
والشقّ الأمني المتعلق بالنازحين يأخذ حيزاً مهماً، فإنفجارُ قضية النازحين بدأت في الأيام الماضية مع عمليات ترحيل قام بها الجيش اللبناني فارتفعت أصوات مستنكرة، لكن الجيش، بحسب المعلومات، لم يفتح الملف لمعالجته وهو ملف شائك دولي وإقليمي، كما انه لم يرّحل نازحين أتوا إلى لبنان ومسجَّلين عبر جمعيات الأمم المتحدة، بل يقوم بعمليات ترحيل إثر أعمال دهْم ينفّذها في مناطق عدة بحثاً عن مطلوبين ومَن دخلوا خلسة إلى لبنان أو مخلّين بالأمن ومطلوبين بجرائم وجنح.
وتؤكد مصادر أمنية أن هناك نحو ألفي سوري دخلوا خلسة الى لبنان منذ بداية العام الجاري، وتتحدّث عن نشاط شبكات التهريب بين لبنان وسورية عبر المعابر غير الشرعية كتجارةٍ رائجة يعتمدها المهربون شمالاً وبقاعاً ويتقاضون خلالها مئة دولار عن كل سوري يدخل خلسة.
وتشير المعلومات إلى ان الجيش الذي شُنّت حملة سياسية ضده بسبب أعمال ترحيل السوريين، مستمرّ في هذه العمليات التي تستهدف فقط الداخلين خلسة والمخلّين بالأمن، تنفيذاً لقرارات حكومية سابقة. فالجيش لا يدهم على سبيل المثال مخيمات النازحين الموضوعة بحماية المفوضية العليا لشؤون النازحين، إلا لتوقيف مطلوبين وليس لترحيل أي من المقيمين فيها «شرعياً»، في حين انه مستمر بدهم تجمعات سوريين دخلوا لبنان بطريقة غير شرعية. أما عملية ترحيلهم والتي لم تتجاوز بضع مئات قياساً إلى آلاف النازحين، فإنها تعرّضت للإنتقاد كونها لم تُنسّق مع المديرية العامة للأمن العام التي كانت أُوكلت إليها مهمة ترحيل نازحين راغبين بالعودة إلى بلادهم. ويفترض ان يبدأ التنسيق مع الأجهزة السورية المختصة عبر القنوات الأمنية المعتمدة من أجل تأمين نقل السوريين إلى بلادهم.
وإذ جاء قرار الحكومة ليفعّل التنسيق بين القوى الأمنية، إلا أنه يحتاج أكثر إلى تضافر الجهود القضائية، لأن القوى الأمنية غالباً ما تصطدم بإطلاق موقوفين أو مهرّبين نتيجة إكتظاظ السجون أو تَقاعُس بعض الأجهزة القضائية المختصة.