كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في معرض تعليقه على التطورات المتسارعة لعودة العلاقات العربية والخليجية مع سوريا، يقول مصدر ديبلوماسي إن بلاده لم تعد تستوعب الخطوات المتسارعة للإنفتاح على سوريا وبشكل يصعب رصده بسهولة. ويضيف إنّ تزاحم الدول العربية على إعادة الوصل مع سوريا ليس سهلاً فهم أسبابه وأبعاده لكنه يشكل تحولاً في المنطقة العربية وفي العلاقات الخليجية، يبنى عليه.
ليس تطوراً عابراً أن تضيء دولة الإمارات العربية المتحدة برج خليفة في دبي بألوان العلم السوري احتفالاً بعيد الجلاء الـ77 للجمهورية العربية السورية، وأن تضيء سلطات الأردن جسر عبدون في العاصمة عمان للمناسبة ذاتها، وأن تكثف السعودية رحلات الطائرات المحملة بالمساعدات باتجاه العاصمة السورية.
مستبقة موعد إنعقاد القمة العربية على أراضيها في شهر أيار المقبل، تضاعف السعودية جهودها باتجاه سوريا لإعادة العلاقات الثنائية معها وإعادتها الى المحور العربي والخليجي بعد قطيعة زادت على 12 عاماً. بعدما استقبلت وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قبل أيام، إفتتحت السعودية أولى زياراتها الرسمية تجاه سوريا، فوصل وزير خارجيتها فيصل بن فرحان إلى دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة هدفها تسليم الأسد دعوة لزيارة المملكة ووضعه في إطار المباحثات التي جرت في إجتماع دول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد مؤخراً في السعودية ومواقف الدول العربية والخليجية بخصوص عودتها إلى جامعة الدول العربية. عارضت المغرب وقطر هذه العودة بينما كان مستغرباً الموقف المصري السلبي. ترغب السعودية في حمل أوراق إضافية تساعدها في مرافعتها عن عودة سوريا خلال الإجتماع الثاني لوزراء الخارجية المرتقب عقده في الأردن قريباً.
تسعى السعودية جاهدة لإنجاح القمة العربية التي ستستضيفها. تستفيد من لحظة الضعف الأميركي لتعيد ترتيب موقعها وتظهر كلاعب أساسي تربطه علاقات متينة مع الجوار وتقابل خطوتها بحفاوة سورية بالغة ومرونة في المواقف بعدما بلغت الأوضاع مستوى من التردي الإقتصادي والمعيشي لم تعد تنفع معه المكابرة خاصة وأنّ سوريا ووفق ما ورد في مواقف وزير خارجيتها الأخيرة لا تحمّل السعودية مسؤولية التآمر عليها بقدر ما تتهم تركيا وقطر. لكن وللمفارقة وفي لحظة الإستنفار السعودي تجاه سوريا لإعادة العلاقات على أسس متينة، يستمر غياب السعودية عن لبنان الذي تتفق آراء أكثر من ديبلوماسي على اعتبار أنّ وضعه لا يحتل أولوية في سياق التفاهمات التي تحيط به.
من الخطوات التي تعيد من خلالها رسم حضورها العربي والإقليمي بات واضحاً أنّ المملكة ما عادت تتعاطى مع الأفرقاء المحليين بعدما فقدت ثقتها بمن لا يلتزمون القرار سواء بالنسبة للثنائي الشيعي أو المسيحيين. ليس معلوماً متى ستبلغ حلفاءها في لبنان عن حجم التطورات الطارئة، ولكن المملكة وبالوقائع إنتقلت للتفاهم مع الطرف السوري وقللت حضورها في الملف اللبناني حدّ الغياب.
حتى الأمس القريب كانت المعادلة أن سوريا وإيران حصرتا القرار اللبناني في يد أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله. معادلة كهذه لن يرضى السعودي في التسليم بها، وحين يراجع وزير خارجية السعودية نظيره السوري في الشأن اللبناني لن يقول له سأراجع السيد حسن بل سيكون الأمر موضع بحث وتفاهم بين الدولتين بالنظر إلى غياب السلطة المركزية في لبنان، بدليل غياب رئيس الجمهورية وتداخل الأزمة الداخلية وتعقيدها. وليس بعيداً أن تعيد التفاهم مع سوريا حول الشأن اللبناني لرغبتها في التعاطي مع طرف مسؤول يمكن أن يتشارك معها في تحمل مسؤولية أي قرار في هذا البلد. وهذا معناه أنّ على لبنان أن ينتظر ريثما ينتهي ترتيب العلاقات السعودية – السورية وتعود سوريا إلى سابق علاقاتها مع دول الخليج ليحل ملفه ضيفاً ضمن المعادلة. فهل ستنهي التفاهمات التي تشهدها المنطقة وكالة «حزب الله» الحصرية للقرار في لبنان؟ منذ 14 آذار ومهرجان «شكراً سوريا» نال «حزب الله» وكالة إدارة الشأن السياسي في لبنان لكن هذا التفويض تقابله اليوم رغبة سعودية بالتعاطي مع الدول وليس مع أطراف، فهل سيتم تجميد التفويض مقابل عودة «السين سين» مجدداً؟ أم أنّ سوريا وإيران ستصران على إبقاء التفويض، وعندها ما سيكون موقف السعودية؟ هل سترضى بفتح حوار مع «الحوثي» اللبناني لإعادة إنتاج السلطة في لبنان؟
في المعلومات أنّ هناك جهات تسعى بالفعل لفتح حوار سعودي مع «حزب الله». بذل العراق جهداً في هذا المسار ودخلت دول أخرى على الخط. لم يطرأ ما من شأنه أن يُعدّ تحولاً حتى الساعة لكن الفكرة قيد البحث خاصة وأنّ «حزب الله» دخل في مهادنة المملكة وهو بات يعتبر أنّ مثل هذا الحوار ممكن وغير مستحيل. مثل هذا الحوار يحتاج إلى وقت أيضاً لحاجة الطرفين إليه. يسلم «حزب الله» بحقيقة دور السعودية في وضع حد للإنهيار في لبنان خاصة وأنّ دولاً كثيرة دخلت على خط المساعدة لكنها لم تعوض بحضورها عن غياب السعودية خاصة وأنّ قطر حاولت لكنها لم تستطع أن تحقق ما اعتادت المملكة تحقيقه.