قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد: “هذه التحيّة من التقليد المسيحيّ هي كلمة الإيمان وصخرته، الإيمان بأنّ المسيح الذي مات لفداء خطايا البشر أجمعين، قام من الموت ليبثّ في كلّ مؤمن ومؤمنة به الحياة الإلهيّة لتقدّسه”.
وأضاف، “أمّا الصخرة فهي أنّنا أصبحنا “أبناء القيامة”: نموت معه عن خطايانا، ونقوم بقوّته إلى حالة النعمة. نختبر هكذا “قيامة القلب”، ونصبح “أبناء الرجاء” الذي ينفي كلّ يأس وضياع، ولنقلها مع بولس الرسول: “لو أن يسوع صُلب ومات ولم يقم، لكان إيماننا باطلًا، ولكنّا بعدُ أمواتًأ في خطايانا، وشهود زور” ولكان بالتالي احتفالنا كاذبًا. لكنّ المسيح قام! حقًّا قام!”.
وتابع، “فيسعدنا أن نحتفل معكم بعيد قيامة ربّنا يسوع المسيح، وبعيد قيامة قلوبنا لحياة جديدة، بالفكر الصالح، بمحبّة القلب، بالمسلك البنّاء، بالنظرة الجديدة، بالمنطق المختلف، بالإنسان الجديد. ويطيب لي، باسم الأسرة البطريركيّة، أن أقدّم لكم أطيب التهاني والتمنيات بالعيد، أنتم الحاضرين معنا، ولكلّ الذين يشاركوننا عبر وسائل الإتصال في النطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار، راجين أن تنعموا جميعكم بثمار قيامة ربّنا يسوع من الموت، وأوّلها “قيامة القلب” في كلّ واحد وواحدة منّا. وإذ نحتفل “برتبة السلام” النابع من المسيح القائم من الموت، نتمنّى لكم جميعًا عطيّة السلام الداخليّ ونشره في عائلاتنا ومجتمعنا وأوطاننا”.
وأكمل، “أجل الحضارة المسيحيّة هي حضارة السلام مع الله والذات، ومع جميع الناس. وسيلتنا المحبّة واحترام الآخر المختلف ومغفرة الإساءة. السلام الذي تسلّمناه من المسيح “أمير السلام” مؤسّس على الحقيقة ومبنيّ بالعدالة ومنتعش بالمحبّة ومحقَّق بالحريّة”.
وزاد، “تلقّى النسوة بشرى القيامة من الملاك الجالس في القبر الفارغ: “إنّكنّ تطلبن يسوع الناصريّ المصلوب؟ إنّه قد قام وليس ههنا وطلب منهنّ نقل البشرى إلى تلاميذه”.
وقال: “لقد نعمت النسوة بتحويلهنّ من مشاهدات للمكان حيث دُفن جسد يسوع فيما التلاميذ تبدّدوا فحملن فجر الأحد طيوبًا لتحنيط جسده، إلى شاهدات للقيامة، بفضل إنفتاحهنّ على سرّ المسيح بالحبّ والإيمان. وهكذا حوّلهنّ هذا السرّ من مشاهدات إلى شاهدات ومبشرات بقيامة يسوع، إنّ القيامة في الأساس ودائمًأ حدث إيمانيّ. قال عنه بولس الرسول كما سمعنا في رسالته: “إن كان المسيح لم يقم، فكرازتنا باطلة، وإيمانكم أيضًا باطل، وأنتم بعد في خطاياكم”.
وأضاف، “تدعونا قيامة المسيح إلى “قيامة قلوبنا” بحياة جديدة، نتشبّه فيها بيسوع-الإنسان. ومن مقتضيات قيامة القلب”:
أ- تطبيق النصوص الليتورجيّة على حياتنا وأعمالنا ومسلكنا، وعدم جعلها مجرّد نصوص لا علاقة لها بحياتنا الشخصيّة،
ب- لباس ثوب النعمة الإلهيّة الفائضة من موت المسيح وقيامته، وعدم حصر العيد بالألبسة الخارجيّة، والطعام المختلف.
ج- جعل حدث قيامة المسيح واقعًا متواصلًا بمفاعيله في التاريخ، لا مجرّد ذكرى حدث مضى وانتهى، لا علاقة له بنا و “بقيامة قلوبنا”.
وأشار إلى أنّ “ليست قيامة المسيح للمسيحيّين حصرًا، بل لجميع الناس. وكونها أساس الإيمان المسيحيّ لا يعني أنّها محصورة بالمسيحيّين، فهي لكلّ البشر. يسوع هو مخلّص العالم، وفادي الإنسان. أمّا المسيحيّون فهم شهود القيامة ومعلنوها، وفي الوقت عينه ملتزمون بثمارها، وسيُدانون على التفريط بها”.
وأكّد أنّ “كلّ مسؤول في الكنيسة والدولة والمجتمع والعائلة لا يعيش “قيامة القلب” يغرق في عتيق أنانيّته، ومصالحه الصغيرة، وينغلق قلبه عن الحبّ والعطاء والغفران، ويظلّ أسير كبريائه ونزواته؛ ويحتفر هوّة عميقة بينه وبين من هم في إطار مسؤوليّته، ويفقد بالتالي ثقة من هم في دائرة مسؤوليّته. معلوم أنّ الثقة هي مصدر قوّته”.
وأضاف، “مثل هذا الرئيس يحتاجه اللبنانيّون لجمهوريّتهم، لكي يستطيع أن يقود مسيرة النهوض من الإنهيار على كلّ صعيد. والثقة في شخصه لا تأتي بين ليلة وضحاها، ولا يكتسبها بالوعود والشروط المملاة عليه، ولا بالنجاح في الإمتحانات التي يجريها معه أصحاب النفوذ داخليًّا وخارجيًّا”.
وأكمل، “أمّا الشخص المتمتّع بالثقة الداخليّة والخارجيّة فهو الذي أكسبته إيّاها أعماله ومواقفه وإنجازاته بعيدًا عن الإستحقاق الرئاسيّ. فابحثوا أيّها النواب وكتلكم عن مثل هذا الشخص وانتخبوه سريعًا، واخرجوا من الحيرة وانتظار كلمة السرّ، وكفّوا عن هدم الدولة مؤسّساتيًّا واقتصاديًّا وماليًّا، وعن إفقار الشعب وإذلاله، وعن ترك أرض الوطن سائبة لكلّ طارئ إليها وعابثٍ بأمنها وسيادتها. واخلعوا عنكم “صفة القاصرين والفاشلين”.
وقال: “عيد القيامة يدعونا جميعًا للقيامة إلى حياة جديدة مسؤولة. بل العيد يدعو كلّ واحد وواحدة منّا وفق حالته ومسؤوليّته. ونرجوه قيامةً: للفقراء إلى حالة العيش الكريم، وللمرضى إلى حالة الشفاء الكامل، ولليائسين إلى حالة الرجاء، وللمظلومين إلى فرح العدالة، وللمتخاصمين إلى حالة المصالحة، ولآفاق أجيالنا الطالعة المقفلة إلى فرج الإنفتاح وتحقيق ذواتهم على أرض الوطن”.
وختم الراعي بالقول: “أيها الإخوة والأخوات الأحبّاء، عندما نختبر هذا العبور بنعمة القيامة، نستطيع أن نعلن بالفم الملآن والقلب المؤمن: المسيح قام! حقًّا قام!”.