كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
أيامٌ قليلة فاصلة عن موعد حلول شهر رمضان المبارك، شهر الصوم عند المسلمين؛ ويحلّ على العكّاريين هذه السنة بمزيدٍ من الغلاء وارتفاع الأسعار في محال الخضار والسوبرماركت، وسط تراجع القدرة الشرائية لدى العائلات هذه الأيام وبشكلٍ غير مسبوق. بين رمضان الماضي ورمضان الحالي يُلاحَظ ارتفاع سعر صرف الدولار أكثر من 3 أضعاف، بينما يئنّ الكثير من العائلات التي تستعدّ للصوم تحت وطأة الغلاء والفقر وقد أرخى بظلاله على مختلف الأوضاع.
شهر رمضان يتميّز بسُفره اليومية التي يعتمد الصائمون فيها على اللحوم والخضار والمواد الغذائية الأخرى بشتّى أنواعها، لكنّ الغلاء الفاحش جعل إمكانية صمودهم أصعب بكثير في ظلّ دولار متفلّت، وأسعار لا ترحم، وانقطاع العديد من المواطنين عن العمل، لا سيّما أولئك الذين كانوا يعملون في بيروت واضطرّوا إلى ترك أعمالهم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.
بالتوازي، وصل سعر ربطة الخبز إلى 50 ألف ليرة، وبالتالي فإنّ عائلة مؤلفة من 4 أو 6 أفراد كمعظم عائلات عكّار وطرابلس والضنية والمنية، تحتاج إلى 200 ألف ليرة في اليوم فقط لتأمين الخبز، فضلاً عن أنّ صحن الفتوش الطبق اليومي للصائمين باتت كلفته تفوق 300 ألف ليرة وهكذا دواليك، لتجد أن العائلة الواحدة تحتاج إلى أكثر من 4 ملايين ليرة في اليوم الواحد لتأمين سفرة رمضانية ضمن المعقول، من دون احتساب الحلويات والفواكه وغيرها من أطايب هذا الشهر.
يبدو أنّ العديد من العائلات الشمالية ستفقد من على سفرها الكثير من الأطباق التي لطالما كانت تزيّنها وخصوصاً صحن الفتّوش، والكبّة النية، وأنواع الحلويات التي كان لا غنى عنها في كلّ أيام رمضان. تقول شادية الحلبي – ربّة منزل من عكّار وأمّ لـ6 أولاد «من المؤسف أنّ دولتنا جعلتنا متسوّلين على أبواب الشهر الكريم. لم تمرّ علينا أيام أصعب من هذه الأيام، وبالتأكيد شهر رمضان سيكون صعباً وستكون المعاناة كبيرة ولكن نحن كمؤمنين نقول إنّ الله سيعيننا على اجتياز هذا الشهر الفضيل بالصبر ولن ينسانا، وهو قادر على أن يأخذ حقّنا نحن اللبنانيين من هذه السلطة المجرمة التي حرمتنا لذّة رمضان التي كنّا ننتظرها من العام إلى العام».
اللافت أنه وقبل أيام على شهر الصوم، راحت محال بيع الخضار في الشمال ترفع أسعارها المرتفعة أصلاً في حركة اعتاد التجّار ممارستها كلّ سنة.
أمّا أسعار المواد الغذائية واللحوم في السوبرماركات فحدِّث ولا حرج. أبو رامي من عكّار يؤكّد الحاجة كلّ يوم إلى مبلغ 4 ملايين حتى يتمكّن ربّ الأسرة من تأمين احتياجات عائلته ضمن الحدود العادية، «فإذا كان ربّ الأسرة عاطلاً عن العمل مثلي، ماذا سيفعل ومن أين سيأتي بالملايين؟ أنا أعمل في كهرباء السيارات وبسبب الغلاء يأتي يوم لا تدخل فيه سيارة واحدة الى محلي».
وأمام ضغط الأوضاع المعيشية، كلّ أشكال رقابة وزارة الإقتصاد تبدو غائبة وأصحاب المحال والتجار يتصرّفون وكأنّهم يعيشون على جزيرة معزولة عن الدولة أو كأنّهم هم الدولة، حتى رقابة الضمير غائبة هي الأخرى، ولا وازع يردع هؤلاء ويحمي المواطن ولقمة الفقير من الجشع.