كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
رغم تمنيات حلفائه، لم يعقد رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، إلى الآن مؤتمراً صحافياً يعرض فيه برنامجه الرئاسي. هي خطوة لا بدّ منها ليقف الرجل بشكل رسمي على الحلبة الرئاسية. والأكيد سيفعلها، لكنه حتى اللحظة يتحفّظ على التوقيت. يدرسه بعناية. ربطاً بتطوّر جوهري، وهو التأكد أنّه صار على مقربة أمتار من قصر بعبدا.
لا يعبّر تردّده في إطلاق برنامجه، عن تشكيك في موقف الثنائي الشيعي منه، بعدما جاهر رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله بدعمهما له، واندفاعهما باتجاه تأمين 65 صوتاً تمكّنه من تحصيل لقب الفخامة، لا بل يقود رئيس البرلمان بـ»قوته الناعمة»، وسطوة حنكته وخبرته معركة ترئيس القطب الزغرتاوي»على راس السطح»… لكن الأخير ملدوغ أكثر من مرة، حيث بلغت ملعقة الرئاسة حلقه وسحبت منه بقرار من حلفائه، لا خصومه. ولذلك هو يفضّل ألا يقدم على أي خطوة رسمية وعلنية اذا لم تكن معركته مضمونة. ولذا تراه متريثاً، خشية من «سيناريو شيطاني» يعيده إلى الصفوف الخلفية إذا ما فشلت مساعي حلفائه، وأنزِل «الحلّ الوسطي» بمظلة التفاهم السعودي – الإيراني.
فعلياً، يحاول الثنائي الشيعي إسقاط تجربة ميشال عون في خوض معركته الرئاسية على سليمان فرنجية، من خلال شطب «الخطة ب» من جدول نقاشاته وحواراته مع الآخرين، وهؤلاء لا يزالون محصورين بالمسؤولين الفرنسيين الذين يسعون بشتى الطرق إلى تدوير الزوايا. يقلّص الثنائي، وتحديداً «حزب الله» خياراته الرئاسية برئيس «تيار المردة»، ليبقي دائرة مفاوضاته مقفلة على هذا الاسم، وحوله يمكن التفاوض، بمعنى حول رئاسة الحكومة وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش وما إلى ذلك من مواقع نفوذ موضوعة على طاولة النفوذ.
بالتوازي، يبدي الثنائي ارتياحه لواقع أنّ خصومه عاجزون عن التفوق عليه في حيثيتهم الرئاسية، أي أنّه، حتى لو لم يتمكن فرنجية حتى اللحظة من تأمين 65 صوتاً، لكن في المقابل تعترض طريق الكتل المعارضة عقبات كثيرة تحول دون نجاحها في تجميع «سكور» لأي مرشح تؤيده، قد يتجاوز «سكور» رئيس «تيار المردة». حتى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يحاذر التصويت لمرشح مرفوض من جانب «الثنائي». فيما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي قرر الانفصال عن الثنائي في خياراته الرئاسية لم ينجح في إحراجه بأي مرشح قد يشكل تقاطعاً بينه وبين الثنائي. ولا يزال باسيل في منطقة وسطى، بين الخروج عن خيارات «حزب الله» وبين عدم تقبّل المعارضة له. الطرح المقابل لطرح فرنجية، ضعيف، والبديل غير متوفر.
ولذا يعتمد «الثنائي» استراتيجية إقفال باب الترشيحات الرئاسية على فرنجية، ليفتح باب الحوار حول البنود الأخرى. ولكن ما سرى على ميشال عون قد يصعب إسقاطه على سليمان فرنجية، بفعل تمادي الانهيار الاجتماعي وتعمّقه. وللخراب محاذيره. وهذه نقطة ضعف تسجّل عليه، وتراهن عليها المعارضة التي تعتقد أنّ الوقت ليس عاملاً مساعداً لـ»حزب الله».
بناء عليه، يقول المواكبون إنّ ترشيح فرنجية يواجه عقبة واحدة لا ثانية لها، وهي تأييد السعودية. في حال تمّ تأمين شراكتها، تصير مسألة تأمين النصاب القانوني تفصيلاً، وأكثرية الـ65 صوتاً مهمة بسيطة. ولأنّ استحقاق العام 2023 لا يشبه في حيثياته استحقاق العام 2016، بسبب الأزمة المالية – الاقنصادية المتفاقمة، يريد الثنائي الشيعي شراكة السعودية في تأمين مظلة للعهد الجديد. لا بل هو حاول جاهداً استدراج اهتمام السعودية من خلال تمسكه بسعد الحريري أولاً ومن ثمّ إعادة نجيب ميقاتي إلى السراي الحكومي ثانياً رغماً عن إرادة رئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون، وهو رفض تكرار تجربة حسان دياب المقطوع الأوصال الإقليمية.
إذاً، لا مصلحة لفرنجية ولحلفائه في إبقاء الرياض خارج منظومة التفاهم الرئاسي، لأنّ ذلك يعني تمديداً للانهيار وحكماً بالإعدام مبكراً على العهد الجديد. لكن السعودية لا تزال تتعاطى بمنطق غير المكترث أبداً بالملف اللبناني رغم الجهود التي يبذلها الفرنسيون فيما الإدارة الأميركية تنأى بنفسها حتى اللحظة عن لعبة الأسماء.
وحدهم الفرنسيون منخرطون في متاهة الترشيحات والمعادلات الحسابية القائمة على الثنائيات التي تراوحت بين جوزاف عون – نواف سلام، جوزاف عون – نجيب ميقاتي، سليمان فرنجية – نواف سلام وسليمان فرنجية – نجيب ميقاتي، والتي اصطدمت إلى الآن بعقبتين: الأولى تمسك الثنائي بفرنجية، والثانية تحفّظ السعودية على تلك المعادلات… لينتقل البحث وفق بعض المواكبين إلى الضمانات التي قد تريح السعوديين ليكونوا شركاء في واحدة من هذه المعادلات.
بالخلاصة يقول هؤلاء إنّه بعد أكثر من أربعة أشهر على الشغور الرئاسي، يمكن القول إنّ المشهدية الرئاسية باتت على الشكل الآتي:
– الثنائي الشيعي يقفل الباب على ترشيح سليمان فرنجية، وينتظر العروض التفاوضية ليبني مظلة سياسية تحمي عهد حليفه. وهو بحاجة ماسة إلى هذه المظلة.
– السعودية والولايات المتحدة الأميركية لم تقدّما إلى الآن أي عرض أو دفتر شروط للقبول بترئيس فرنجية.
وعليه يصير السؤال: كيف سيُسدّد «حزب الله» ثمن ترئيس انتخاب فرنجية؟ وما هي الفاتورة؟