كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
بذريعة الظروف الاستثنائية، وفي مخالفة صريحة للقوانين، لم تتردد إدارات المدارس الخاصة في ابتزاز الأهالي بفرض زيادات مسبقة على الأقساط، وتحديد جزء منها بالدولار الـ«فريش»، وبدفع مُساهمات إلزامية وطوعية لا تدخل ضمن موازناتها.
لم يتوهّم أهالي التلامذة في المدارس الخاصة يوماً بأن القسط المدرسي لهذا العام سيبقى كما كان عليه في العام الدراسي السابق، نظراً إلى أن هذه المدارس لم تكن تفوّت عاماً من دون زيادة، حتى في «أيام الخير»، فكيف في ظل ارتفاع مصاريفها التشغيلية في ظل الأزمة الحالية. لكنهم توهّموا بأن إدارات المدارس ستتفهم الظروف الاستثنائية القاسية التي يعيشها الأهل، وهو ما لم يحدث. ففي غياب أي حسيب أو رقيب، أقدمت بعض هذه الإدارات على فرض زيادات غير مشروعة، وبالـ«فريش» دولار. وفيما يفترض أن يضاف هذا المورد الذي يدخل في حسابات المدرسة إلى بند الإيرادات في الموازنة المدرسية، ما يمكن أن يسهم في خفض الأقساط، تخترع هذه المدارس عناوين مختلفة لتبرير تقاضيه من خارجها. فالزيادة «المفبركة» تأخذ تارة شكل «مساهمة غير إلزامية لمساعدة المدرسة»، كما هي الحال في مدارس الليسيه التابعة للبعثة العلمانية الفرنسية. فقد طلبت إدارة الليسيه فردان، مثلاً، أن يتبرع ولي الأمر طوعاً لصندوق المدرسة بمبلغ 300 دولار عن كل ولد، و250 دولاراً اعتباراً من الولد الثالث، قبل 30 أيلول الجاري. وفي رسالة وجهها إلى الأهل، قال المشرف على المدرسة جان مارك أوبان إنه واثق بأنه يستطيع أن «يراهن عليهم في هذه الظروف الاستثنائية للتعاون من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من جودة التعليم وإنقاذ مستقبل التلامذة». وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع مدير المدرسة اللبناني، زاهد حيدر، للوقوف على مبررات هذه المساهمة وكيف ستحتسب، من دون أن تلقى جواباً لذلك. فيما لجنة الأهل تترقّب إعداد الموازنة للعام الدراسي الحالي لمعرفة نسبة الزيادة وما إذا كانت ستدرج في بند الإيرادات، كما يفترض القانون.
في مدارس كثيرة أخرى اتخذت هذه المساعدة صفة «إلزامية». تروي والدة أحد التلاميذ أن مدرسة «إيست وود كولدج»، في المنصورية، «دوبلت» القسط الأساسي الذي تتقاضاه عادة وفق سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة مقابل الدولار)، ليرتفع قسط ابنها من 15 مليون ليرة إلى 30 مليوناً (من 10 آلاف دولار إلى 17 ألفاً و500 دولار). أكثر من ذلك، اقتطعت المدرسة مبلغ 150 دولاراً من القسط وطلبت تسديده بالـ «فريش» دولار تحت عنوان “supplements” أو «ملحقات»، وسعّرت رسم الباص المدرسي بـ150 دولاراً «فريش» شهرياً قابلة للتعديل مع تغير أسعار المحروقات. وبحسبة بسيطة يتبين أن المدرسة تفرض ما يقارب صفيحة بنزين على كل تلميذ يومياً!
وتحت عنوان رفع رواتب المعلمين، أجبرت مدرسة LWIS-AIS ، في أدما، الأهل، بـ«موافقة» لجنة الأهل، على دفع 400 دولار عن كل طالب. وفرضت مدرسة الشويفات الدولية (سابيس) مبلغ 300 دولار في فرعها في الشويفات و500 دولار في فرعها في الكورة. وفرضت مدرسة «لويس فيغمان» 600 دولار «فريش» على كل تلميذ أيضاً.
وبعدما أبلغت مدرسة «كوليج بروتستانت»، في تموز الماضي، أولياء الأمور بأنها ستزيد القسط بـ 25 في المئة وأجبرتهم على دفع عربون تسجيل بقيمة ثلاثة ملايين ليرة عن كل تلميذ، رفعت قيمة المساعدة التي كانت طلبتها بالدولار الـ«فريش» من 300 دولار إلى 450 دولاراً تقسط على ثلاثة فصول. مصادر الأهالي في المدرسة وضعت هذه التجاوزات برسم وزير التربية الجديد عباس الحلبي ومصلحة التعليم الخاص في الوزارة لوضع حد لجشع الإدارة، خصوصاً أن غالبية من بقي في هذه المدارس الكبيرة هم من أبناء الموظفين الحائزين على منح تعليمية، فيما هاجر أبناء الأغنياء والبعثات الدبلوماسية إلى الخارج.
أضف إلى ذلك أن بعض المدارس، إضافة إلى «المساهمة المالية» بالـ «فريش» دولار، ألزمت الأهالي بشراء الزي المدرسي والكتب والقرطاسية من المدرسة، ودفع بدل النقل المدرسي الذي حدّد بقيمة خيالية تفوق قيمة القسط! فهل هذه المُطالبات قانونيّة؟
عضو المنسقية القانونية في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور، ملاك حمية، أوضحت أنّ القسط المدرسي لن يكون كما كان عليه في العام السابق لأن هناك ارتفاعاً في أسعار المواد التشغيلية للمدرسة، «ولكن من دون أي تعديل يُذكر في مُعظم البنود المُتعلقة برواتب وأجور أفراد الهيئة التعليميّة التي تُشكّل نسبة 65 في المئة من باب النفقات»، مشيرة إلى «ما سمعناه بأن أصحاب المدارس الخاصة يُطالبون بتعديل القانون المتعلق بتنظيم الموازنات المدرسية الرقم 515/96 لجهة توزيع النسب الواردة فيه».
وأوضحت أنّ القسط المدرسي يُحدّد بموجب الموازنة المدرسيّة، بقسمة إجمالي باب نفقات المدرسة الواردة في الموازنة على مجمل عدد التلامذة. «ومما لا شكّ فيه، أنّ هناك خللاً كبيراً في القانون 515/96، لجهة تاريخ تنظيم وإقرار الموازنة المدرسيّة وتقديمها لوزارة التربية، الذي حدّده المُشرّع في مهلة لا تتعدّى كانون الثاني من كل سنة دراسيّة، أي بعد أربعة أشهر من دخول التلامذة إلى المدارس، وبعد انتهاء فصل دراسي كامل، من دون أن يتمكن الأهالي من معرفة قيمة القسط الجديد والزيادات اللاحقة به. فيما من حق الأهالي معرفة قيمة القسط المدرسي قبل تسجيل أولادهم، وليس في منتصف العام الدراسي تقريباً».
وبموجب القانون المعمول به حالياً رقم 515/96، «لا قانونيّة لأي زيادة قبل تنظيم الموازنة المدرسيّة وإقرارها وموافقة لجنـة الأهل عليها، والمدرسة الخاصة مُلزمة باستيفاء الدفعة الأولى من القسط بنسبة 30 في المئة من القسط السنوي للسنة الدراسية السابقة محسوماً منه رسم التسجيل. كما أن لا قيمة قانونيّة لأي زيادة تفرضها على الأقساط قبل تنظيم وإقرار مُوازنتها من الهيئة المالية المُؤلفة من أربعة أشخاص، بينهم اثنان من لجنة الأهل، ومن ثم توقيع لجنة الأهل عليها قبل تقديمها لوزارة التربية».
كذلك شدّدت حمية على «عدم قانونيّة أي مُطالبة إلزامية بدفع جزء من القسط بالعملة الأجنبية الطازجة، أو طلب دفع أي مبلغ كمُساهمة من خارج المُوازنة، ولا تدخل ضمن القسط». بالنسبة إلى المسألة الأولى، «لا يجوز قانوناً إلزام الأهالي بدفع أي جزء من القسط بعُملة أجنبية ما ، لأن ذلك يُخالف أحكام قانون الموجبات والعقود وقانون النقد والتسليف (أنظر الإطار الأول). كذلك يحدد القسط استناداً للموازنة المدرسيّة التي أعدّت وزارة التربية نموذجها بالليرة اللبنانية، وأرفقتها بالقانون 515/96 لتكون جزءاً لا يتجزأ منه». وذكّرت حمية بتعميم وزير التربية السابق طارق المجذوب (الرقم 23/م/2020) الذي حظّر على المدارس الخاصة تحديد القسط المدرسي بغير الليرة اللبنانيّة.
أما في المسألة الثانية، فـ «لا يجوز قانوناً الطلب من الأهالي دفع أي مبلغ بالدولار الأميركي الطازج أو أي مبلغ آخر بأي عُملة، خارج القسط ومن خارج المُوازنة، ولو تحت عنوان مساهمة، لأنّ ذلك يُناقض مبدأ الشفافيّة والأسباب الموجبة لوضع القانون 515/96 وهي: تطبيق وتأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة، والإبقاء على الرقابة الماليّة على قيودها كافة». ولأن أي مبلغ تحصل عليه المدرسة تحت أي سبب كان ومن أي جهة كانت يجب أن يدخل حكماً في باب إيراداتها كونها مُؤسسات غير ربحيّة، عملاً باستشارة هيئة التشريع والاستشارات (الرقم 75 بتاريخ 27/1/2015)، التي أكدت على وجوب تسجيل أيّة إيرادات تحصل عليها المدرسة خارج الأقساط، من تبرعات أو هبات أو غيرها، في سجلاتها ودفاترها، لتُحسم من باب النفقات قبل قسمته على عدد التلامذة، ما يُسهم في انخفاض قيمة القسط المدرسي».
في مجال آخر، أكدت حمية أن المدارس الخاصة لا تستطيع تعديل رواتب وأجور أفراد الهيئة التعليمية لأن ذلك يتطلّب إصدار قانون بتصحيح رواتب أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الرسميّة، وفق ما تنص عليه أحكام قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة تاريخ 15/6/1956 وعملاً بمبدأ وحدة التشريع بين القطاعيْن الرسمي والخاص.
رغم كل مخالفات إدارات المدارس يبقى الهم الأول للأهل تأمين حق التعليم لأولادهم، ولو على حساب لقمة عيشهم. لكـن كيف سيكون ذلك، في عام دراسيّ أعلن وزير التربية أنه سيكون حضورياً، وهل يستطيـع الأهل تحمّـل الزيادات على الأقساط، فيما الدولة غائبة تماماً عن ممارسة دورها الرقابي على المدارس الخاصة من خلال تعمّد المسؤولين فيها الامتناع عن إصدار المراسيم التطبيقية للقانون الذي يرعى تنظيم الموازنة المدرسية وأصول تحديد الأقساط المدرسيّة فيها وعدم استكمال تشكيل المجالس التحكيمية التربوية؟
بالليرة لا بالدولار
تنص المادة 301 من قانون الموجبات والعقود على أنّه «عندما يكون الدين مبلغاً من النقود، يجب إيفاؤه من عملة البلاد»، وتعطي المواد 1 و7 و192 من قانون النقد والتسليف «للأوراق النقدية اللبنانية قوة إيرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية»، وتعاقب «كل من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالمادة 319 من قانون العقوبات».