كتبت ندى أيوب في “الأخبار”:
بين السراي الحكومي ووزارتي الداخلية والمالية وقوى الأمن الداخلي، طُرِحَت فكرة إعادة العمل المشلول منذ أشهر في مصلحة النافعة، بانتداب عسكريين للحلول مكان موظفي المصلحة الموقوفين على خلفية تورّطهم بقضايا فساد. لا شيء محسوماً بعد، ولا يزال الأمر يدور في إطار النيات، خصوصاً أن استبدال كادر بشري بآخر – غير متخصص – ليس كافياً لإعادة إدارة عامة إلى سكّة العمل.
وكانت المصلحة التي ينخرها الفساد أقفلت بالكامل بعدما تجاوز عدد الموقوفين من موظفيها المئة، منذ قرر القضاء أواخر تشرين الأول الماضي فتح ملفها ما كَشف مغارة فسادٍ، من قبضِ رُشى وتزوير دفاتر سواقة ومستنداتٍ رسمية إلى تسجيل سياراتٍ ودراجاتٍ نارية بغياب أصحابِها. وقد أخلى القضاء سبيل 13 من الموظفين، مع إبعادهم عن وظائفهم ومنعهم من السفر، فيما بقيت الأكثريّة الساحقة موقوفة ما عطّل الأعمال، وأوقف إيرادات الدولة من دفع المستحقات وتسجيل السيارات… الخ. وزاد الأمور سوءاً المصير المشابه لموظفي السجلات العقارية، ما دفع رئيس الحكومة إلى عقد اجتماع، الاثنين الماضي، حضره وزيرا الداخلية والبلديات بسام المولوي والمالية يوسف خليل وعدد من ضباط قوى الأمن الداخلي. للبحث في إعادة «النافعة» إلى سكّة العمل، خصوصاً بعد أن «علت صرخة وزارة المالية».
ورسا النقاش وفق مصادر وزارة الداخلية على «فصل 15 ضابطاً و15 رتيباً من قبل قوى الأمن الداخلي إلى وزارة الداخلية، ليصار بعدها إلى تكليفهم بتسيير العمل في النافعة، على أن يرسل مولوي ضباطاً من الوزارة لمراقبة سير العمل». وعن المدّة الزمنية لمهمتهم، تشير إلى أنها «مفتوحة». علماً أن مصادر معنية تفيد بأن الطرح الأول لحل أزمة النافعة كان يتمحور حول انتداب 100 عسكري من الجيش. لكن الأكيد، وفق متابعين أن نقاش السراي حول إعادة فتح النافعة «انطلق من فكرة تجريبية، وفي حال لم ينجح سيتم البحث في خياراتٍ أخرى».
تضرب السلطة موعداً مع المواطنين لعودة العمل في النافعة، والذي تؤكّد مصادر الداخلية لـ«الأخبار» أنه «سيبدأ مطلع الأسبوع المقبل». لكن استئنافه رهن حلحلة الأمور المالية العالقة المرتبطة بمشكلة في الدائرة المحاسبية للمصلحة، إذ إن لا مراقب لعقد النفقات بعد توقيف المراقب السابق (ع. ا.) ولا محاسب في هيئة إدارة السير مع تواري (ح. ن.) عن الأنظار بعد استدعائه إلى التحقيق من قبل شعبة المعلومات، فيما لا قدرة لضباط ورتباء قوى الأمن على القيام بمهامٍ كهذه. فكان المخرج «تكليف وزارة المالية بتقديم المساعدة اللازمة للإدارة الجديدة»، علماً أن موظفي «المالية» في حالة إضراب ويقتصر عملهم على يومٍ واحد في الأسبوع لإنجاز رواتب القطاع العام. وهنا تستغرب مصادر متابعة أن «يلتزم هؤلاء بمسؤوليات إضافية، في حين أن عملهم الأساسي في وزارة المالية متراكم ولا ينجزونه».
لوجيستياً أيضاً، تبرز مشكلة نقص اللوازم الضرورية لتسيير العمل من وصولاتٍ مالية إلى سكوك بيع ولوحات وقرطاسية ودفاتر سيارات ودفاتر سوق. وتجيب مصادر الداخلية بأن «الوزارة ستعمل على تأمينها». مع الإشارة إلى أن لا موازنة لهيئة إدارة السير منذ سنوات، ومن المستبعد حصولها على سلف من الحكومة.
قبل المالية، علت صرخت المواطنين المتوقفة أعمالهم. كأصحاب متاجر بيع السيارات المتوقفة أعمالهم نتيجة العجز عن إتمام عمليات البيع طالما أن معاملات التسجيل متوقفة، أو المحتاجين إلى بيع عقارٍ أو مركبة لتأمين سيولة مالية. وإذا كانت التحقيقات الجدية لمكافحةٍ متأخرة لفسادٍ عمره عشرات السنوات ضرورية، إلا أن إقفال المرافق العامة «لم يكن خياراً موفقاً ولا منطقياً» برأي معنيين في الشأن، يشيرون إلى أن الحديث بداية دار حول «تحرّك قضائي يترافق وإبقاء العمل جارياً ولو بالحد الأدنى».
على ما يبدو أرادت السلطة عرض عضلاتها الإصلاحية أمام المجتمع الدولي وصندوق نقده، فاصطدمت بحائط شلل المرافق العامة. تلك المرافق عينها التي تركتها تنهار من الفساد والمحاصصة الطائفية والزبائنية علّها تتخلّص من عبئها عبر خصخصة الخدمات والقطاعات. وهي لغاية الآن ما زالت عاجزة مثلاً عن إعادة فتح السجلات العقارية، فالحديث عنها كان «عرضياً» في اجتماع السراي. وفي المعلومات أن مدير الشؤون العقارية جورج المعراوي وجّه سؤالاً إلى ميقاتي في هذا الشأن، فردّ بأن «الاجتماع مخصّص للنافعة ونبحث ملف العقارية لاحقاً في اجتماع آخر».