أحدث انهيار مصرف “سيلكون فالي” في اميركا ضجة في القطاع المصرفي العالمي على اعتبار أن العديد من الشركات الناشئة تعتمد على هذا البنك، وهو يُعد أكبر مؤسسة مصرفية تنهار بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ويُحذر خبراء من “الذعر المصرفي” الذي قد يسود الولايات المتحدة، كواحد من أبرز تداعيات أزمة انهيار بنك “سيلكون فالي”، وهو ما قد يؤدي إلى تكرار سيناريو 2008، كما يعتبر محللون انه من دون التوصل لحل لهذا الأمر فمن المحتمل أن تتعرض بنوك أخرى لضغوط، محذرين من ان عمليات السحب المتزايدة للمودعين تقود في النهاية إلى إفلاس العديد من البنوك والشركات.
فهل من تداعيات لافلاس بنك “سيليكون فالي” على لبنان الذي يعاني أصلا من أزمات مالية واقتصادية وقطاعه المصرفي مُنهار؟
يوضح خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي لـ “لبنان 24” ان بنك “سيليكون فالي” هو متخصص بتمويل الشركات الناشئة بالتكنولوجيا وأمواله تذهب لصناديق الاستثمار وإطار العمل فيه يتضمن مخاطر كبيرة”، مشيراً إلى انه “تمدد في عدة دول كبريطانيا والدنمارك والهند والسويد وإسرائيل”.
ويشرح فحيلي: “عام 2019 بدأ يذيع صيت “سيليكون فالي” الذي كان مقره في سان فرنسيسكو بأميركا ولم يكن لديه أي فرع آخر وبدأ يشتهر وزادت ودائعه بشكل ملفت وبوتيرة سريعة. فبين الـ 2019 و2022 زادت ودائعه بـ 3 أو 4 أضعاف ما أدى إلى حصول إرباك بتوظيفها ولم يعد يستطيع ان يقرضها لأنه يحتاج إلى وقت ودراسة وتصبح المصاريف التشغيلية كبيرة فارتأى ان يوظف الأموال بسندات سيادية بالخزينة الأميركية طيلة فترة 10 سنوات من خلال تسنيد لقروض سكنية وبفوائد ضعيفة.وعندما بدأت الحرب على أوكرانيا وبدأت الضغوط التضخمية في أميركا ورفع الفدرالي الأميركي الفوائد بوتيرة سريعة بدأت القيمة السوقية لاستثمارات وتوظيفات مصرف “سيليكون فالي” تتهاوى وبالتالي كانت خسائر هذا المصرف كبيرة و بدأ يصبح رأسماله سلبيا، أي ان المطلوبات أصبحت أكثر من الموجودات”.
وتابع: “المودعون لدى المصرف والذين هم من الشركات الناشئة، ولأنهم يخافون على السيولة، بدأوا عندما علموا بالموضوع بسحب أموالهم .فخلال يوم واحد تم سحب 70 مليار دولار ونقلوا إلى مصرف آخر ما سارع بانهياره”.
هل من تشابه مع القطاع المصرفي اللبناني؟
يُشير فحيلي إلى ان “القطاع المصرفي اللبناني سعى خلف ودائع أكثر بكثير من قدرته على تصريفها لهذا السبب وظفها بديون سيادية وحصلت المشكلة ، وبنك “سيليكون فالي” حصل على ودائع أكثر من طاقته على التصرف بها ووظفها بديون سيادية ولكن التغييرات بالنسبة للفائدة هي من سببت له الأزمة وليس لأن الخزينة الأميركية هدرت أموال المودعين كما حصل في لبنان.”
ومن أوجه التشابه أيضا، يقول فحيلي ان “إدارة المخاطر في القطاع المصرفي اللبناني ضعيفة جدا وهذا الأمر ينطبق على إدارة المخاطر في “سيليكون فالي” التي كانت أيضا ضعيفة لأنه لم يحصل أي تقييم جدي للمخاطر وكان الجميع يتوقع ان ترتفع الفائدة وبالتالي ان تؤثر على توظيفات المصرف بالديون السيادية على المدى الطويل”.
وبحسب فحيلي، هناك أيضا مشكلة الغياب التام للحوكمة الرشيدة، ففي القطاع المصرفي في لبنان يجتمع مصرفيون وسياسيون وأجهزة الرقابة سويا في الخندق نفسه، كما ان الإدارة التنفيذية لـ”سيليكون فالي” كانت مؤلفة من نافذين غالبيتهم يتحدرون من شركات تصنيف ائتمان عالمية ومن الفدرالي الأميركي وأثروا على طبيعة التوظيفات لأنهم أتوا من القطاع العام ومن قطاع تسنيد القروض السكنية وبالتالي كانت توظيفاته في هذه المجالات.
ورأى فحيلي انه “في حال انتشار عدوى انهيار المصارف فهي ستُصيب المصارف المتخصصة بالشركات الناشئة بالتكنولوجيا وليس على صعيد القطاع المصرفي بشكل عام او المصارف التجارية”، لافتا إلى “وضع الأجهزة الرقابية في الفدرالي الأميركي اليد على مصرف “سيغنيتشير” لأنه يعاني من مشاكل ومن رأسمال سلبي أدى أيضا إلى إفلاسه”.
ماذا عن إضراب المصارف؟
وعن معاودة المصارف في لبنان إضرابها اليوم الثلاثاء، أشار فحيلي إلى ان “حاكم مصرف لبنان اجتمع منذ أسابيع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وصرّح انه سيتدخل للجم الارتفاع الحاد لسعر صرف الدولار ولكن إضراب المصارف يمنعه من التدخل، وقد عمل الرئيس ميقاتي على انهاء هذ الإضراب وهذا ما حصل وبدأ الدولار بالانخفاض لكن الضبابية استمرت لأن المصارف كانت تهدد بمعاودة الاضراب”.
وبحسب فحيلي، ليست المصارف هي من ترفع سعر الدولار ولكن اعلانها الاضراب او تنفيذه يُعطي مساحة إضافية للمُضاربين بأن يتحكموا بالسوق وان يصبح الدولار وكل المكونات الاقتصادية تحت رحمتهم “.
وتابع:”انا على ثقة بغض النظر عن سعر صرف الدولار بالسوق الموازية ان مصرف لبنان هو من يشتري الجزء الأكبر من الدولارات التي تُباع في السوق الموازية لأنه يحمل القسط الأكبر من الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية”.
ودعا فحيلي المصارف إلى “التنبه لما تقوم به لأن منسوب “اللاثقة” بالقطاع المالي في كل أنحاء العالم قويا جدا وهذه السلبيات تجاه القطاع المالي تتراكم منذ سنة 2007 أي منذ تاريخ انطلاق الأزمة المالية العالمية وعند حصول أي حدث مصرفي يخلق بلبلة قوية فكيف بالحري الوضع في المتأزم لبنان؟”.
ولفت إلى ان “إضراب المصارف واكبه ما صدر عن جمعية مصارف لبنان بفقدان السيولة نهائيا إضافة إلى انكشاف القطاع المصرفي اللبناني أمام المصارف المُراسلة وانسداد الأفق السياسي لجهة إمكانية انتخاب رئيس أو تفعيل عمل الحكومة واتخاذ قرارات تنفيذية كل هذه الأمور مجتمعة تضعف أي حركة غير مدروسة جيدا”.
واعتبر انه “في الحالات الطبيعية إذا أضربت المصارف تؤثر سلبيا على الاقتصاد بنسبة 1% اما الآن فستؤثر بنسبة 30 أو 40 وقد تصل إلى 100 % بسبب الأوضاع المتأزمة”.
هل يتكرر سيناريو 2008 بعد أزمة إنهيار “سيلكون فالي”؟
ماذا ينتظر الدولار في أميركا بعد انهيار “سيليكون فالي”؟
جوسلين نصر: لبنان 24