جاء في “نداء الوطن”:
ما بعد العاشر من آذار لم يعد كما قبله، تحليلاً وتأويلاً لمجريات التطورات الإقليمية وانعكاساتها على ساحات المنطقة… فما أن لاحت “بيارق” الاتفاقية السعودية – الإيرانية من الصين حتى هيمنت على المشهد ترقباً لمآلاتها وتردداتها العابرة لحدود البلدين، وبطبيعة الحال سارع المحللون في لبنان إلى إعادة ضبط عقارب “الشغور” على توقيت بكين تحت وطأة اللحظة المباغتة للاتفاق، لكن مع تفاوت واضح في مقاربة اللحظة بين فريق متعقّل ومتمهّل وآخر متوتّر ومتسرّع في استقراء وقائع التقارب السعودي – الإيراني وتداعياته اللبنانية.
إذ وبخلاف تأكيدات أصحاب الشأن أنفسهم عن أن الاتفاق “لا يعني حلّ الخلافات العالقة” حسبما شدد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمس، أطلقت ماكينة الممانعة العنان للمخيّلة الرئاسية ضمن سياق ممنهج من الضخ الإعلامي الهادف إلى إقناع اللبنانيين بأنّ اتفاقية بكين شرّعت أبواب قصر بعبدا أمام مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية ليدخله على “السجادة الإيرانية” بالاتفاق مع السعودية، غير أنّ المعطيات الديبلوماسية المتقاطعة سرعان ما بدّدت هذه الأوهام، مؤكدةً أنّ فرنجية على عكس ما يتم ترويجه سيكون أول “ضحايا” الاتفاق الإيراني مع السعودية.
وأوضح مصدر ديبلوماسي معني بالملف اللبناني لـ”نداء الوطن” أنّ هناك قاعدة لا يمكن تجاهلها في سياسات الدول وهي أنّ “مصالحها الاستراتيجية تتجاوز تمنيات القوى التي تدور في فلكها”، كاشفاً أنّ “أولويات طهران في الاتفاق مع الرياض تعلو على أولويات أجندتها اللبنانية، فهي كانت تسعى منذ مدة إلى استعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين لفك الحصار عنها، لكنّ السعودية لم تكن تتجاوب مع الرغبة الإيرانية المُلحّة حتى حانت لحظة الاتفاق على استئناف هذه العلاقات في الصين، بعد جولات من المحادثات المكوكية في سلطنة عُمان والعراق”.
أما الأولويات السعودية فهي “تتمحور بشكل أساس حول ترتيب الأوضاع في اليمن”، وفق تعبير الديبلوماسي نفسه، مشيراً في ما يتصل بالملف اللبناني إلى أنّ “القيادة السعودية معنيّة بلبنان لكنها سبق أن حددت موقفها بوضوح إزاء خارطة الطريق الإنقاذية الواجب على اللبنانيين أنفسهم أن يسلكوها لانتشال بلدهم من أزمته، تماماً كما كانت قد حسمت موقفها حيال مسألة ترشيح فرنجية قبل الاتفاق مع إيران، وهو موقف حازم تبلّغه كل من البطريرك الماروني بشارة الراعي والعديد من القيادات السياسية اللبنانية لا سيما منهم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وغيره من الشخصيات، لناحية رفض وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة الأولى لكونه أحد أركان محور الممانعة الذي أوصل لبنان إلى ما وصل إليه، سواءً على مستوى انهيار أوضاعه الداخلية أو على مستوى تدهور علاقاته العربية والخارجية”.
وفي المقابل، تُصرّ قيادات الثامن من آذار في مجالسها على الترويج لإمكانية تبّدل الموقف السعودي حيال الاستحقاق الرئاسي بعد إبرام الاتفاق مع طهران، وتستند أوساط 8 آذار في الاستدلال على صحة هذا التقدير إلى “توقيت” إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري وبعده الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن دعم الثنائي الشيعي لترشيح رئيس “تيار المردة”، معتبرةً أنّ وراء تحديد هذا التوقيت “معطيات أساسية تفيد بتبدّل المشهد الإقليمي لصالح انتخاب فرنجية”.
ورأت الأوساط نفسها أنّه لولا أنّ بري يمتلك “كلمة سرّ ما”، لما كان استعجل فرنجية في اللقاء الخماسي الذي عُقد في عين التينة وضمّ إلى بري وفرنجية، كلاً من علي حسن خليل وحسين الخليل ويوسف فنيانوس، المجاهرة بترشيحه، كاشفةً أنّ رئيس المجلس سأل فرنجية خلال اللقاء عن رأيه في مبادرة الثنائي الشيعي إلى إعلان دعم ترشيحه وتبنيه فأجاب بالموافقة، وهكذا كان.
غير أنّ مصادر سياسية أخرى، وضعت خطوة بري هذه في خانة “الدهاء والحنكة”، موضحةً أنّ “هذه الخطوة لم تنبع بالضرورة من قناعة بأنّ اللحظة الإقليمية مؤاتية لإبرام تسوية تفضي إلى انتخاب فرنجية، إنما قد تكون مستندة إلى قناعة مضادة تستند إلى التيقّن من استحالة إيصاله إلى قصر بعبدا وبالتالي كان لا بدّ للثنائي الشيعي من الإعلان عن تأييده ليكون ذلك بمثابة “براءة ذمة” تجاهه تمهيداً للشروع في تسوية رئاسية تحتّم التراجع عن دعم ترشيحه لصالح مرشح توافقي يحظى بتأييد لبناني وغطاء عربي ودولي لا مناص منه لإحداث الخرق المنشود في جدار الأزمة اللبنانية”.