كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يصعب منذ اليوم البناء على الإتفاق السعودي – الإيراني وما ستكون معالمه في لبنان. توقيع الإتفاق بالشكل الذي تمّ عليه ودخول الصين على خط الوساطة بين البلدين، شكّل مفاجأة من العيار الثقيل من وجهة نظر دولية. أمّا في تفاصيل أبعاده على مستوى المنطقة، فالكل يتحدث عن ارتياح للخطوة التي يمكن أن تساعد في تراجع التوتر في العلاقات العربية والخليجية مع إيران. لكن الإتفاق وإن كان ظهر إلى العلن من خلال بيان مقتضب، سيكون شاملاً ولن يقتصر على مجرّد تبادل ديبلوماسي بين البلدين . يأتي في سلّم الأولويات ملف اليمن الذي توليه السعودية إهتماماً واسعاً. وترغب كما إيران في وضع حدّ للحرب الدائرة بلا أفق. الحل في اليمن بخطواته الأولى بدأت تتظهّر معالمه قبيل توقيع الإتفاق وهناك اجتماعات سعودية مع الحوثيين للتباحث في الخطوات المطلوبة من كلا الجانبين.
في الدرجة الثانية يأتي ملف العلاقات السورية – السعودية والتي بدأت بذورها تنمو تدريجياً مدعومة بتصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بأنّ البحث إنطلق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وضرورة الحل السياسي، وتتحدث المعلومات عن زيارة قريبة لمسؤول ديبلوماسي سعودي إلى سوريا، ونقل عن مسؤول في دولة عُمان قوله إنّ عودة العلاقة مع سوريا تأتي بطلب مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان وبوتيرة أسرع ممّا هي عليه راهناً.
أما في لبنان فلن يكون الإنعكاس بالسرعة التي يتصوّرها البعض. ليس لبنان أولوية إيرانية ولا سعودية، كلا البلدين سبق وأعلنا أنّ الحل لأزمة الرئاسة هو داخلي لبناني ولن يأتي من الخارج. لكن هذا لا يعني غياب تأثير الإتفاق بالمطلق على لبنان. مجرّد أن تجلس السعودية وإيران فمن شأن مثل هذا الإجتماع أن ينعكس إيجاباً على التواصل بين الجميع ويطرح إمكانية الحل الداخلي بدعم جهود خارجية.
بمعى آخر فإنّ أي صيغة حل داخلي مقترحة ستجد من يساندها لا من يضع الدواليب في العجلة متى انطلقت. والمؤكد أنّ الإتفاق سيشكّل فرصة للحل الداخلي في لبنان إن أحسن إستثماره، لأن ردود الفعل الأولية لا تشي بالتعاطي الواقعي.
الطرفان في لبنان ينتظران إنعكاسات الإتفاق على الملف الرئاسي ليسلما بنتائجه. كلاهما أيضاً ينتظران كلمة السر. ولكن ليس معلوماً بعد ما إذا كان التطور الذي طرأ سيصبّ في مصلحة ترشيح الثنائي الشيعي رئيس «المرده» سليمان فرنجية أم لمصلحة مرشح غيره. فحظوظ فرنجية في ظل الرفض المسيحي لم ترتفع ولكنها لم تتراجع مع فارق أن الحوار بشأن ترشيحه يمكن أن ينطلق بين «حزب الله» والسعودية لتحسين شروط أية تسوية رئاسية شاملة. لكن بتأكيد المعنيين أنّ الحديث عن مثل هذه التسوية لا يزال سابقاً لأوانه.
يمكن البناء على المناخ العام الذي تسبّب فيه الإتفاق الذي سيغير خارطة المنطقة والتموضعات في العلاقات بين الدول. عندما تكون الصين هي الوسيط لإتفاق إيراني- سعودي يعني تركيبة ليست مريحة للأميركي الذي لن يكتفي بموقع المتفرج وهو المبارك بحذر للإتفاق.
لا شك أنها مرحلة جديدة غير واضحة المعالم بعد سنقرأ إنعكاساتها الأولية في اليمن ثم سوريا وبعدها تتوضّح تفاصيل الإجتماع الخماسي المزمع عقده في فرنسا في غضون أسابيع قليلة والذي قد تكون أجواؤه أفضل من إجتماع الدول الخمس السابق فيطرح مقاربات مختلفة.
تصرّ مصادر مطلعة على موقف المملكة السعودية على القول إن موقف السعودية من ترشيح فرنجية لم يتغير وهي لا تزال على موقفها من أن المطلوب إتفاق لبناني داخلي، ولذا فهي ترفض الدخول في الأسماء سواء للرئاسة الأولى أو الثالثة وإن كانت عارضت توليفة فرنجية – نواف سلام في السابق. لكن البديل عن الديبلوماسي السابق المطروح أي تمام سلام لن يصطدم بمعارضتها إن هو وافق.
لا شيء واضحاً بعد وما حصل كان مفاجئاً حتى للديبلوماسيين المعتمدين في لبنان والذين لم يكونوا في أجواء الإتفاق، ما يعني أنّ ما حصل يحتاج إلى وقت لفهم تفاصيله ومدى إلتزام الأطراف بتنفيذ بنوده، والأهم تعاطي الأميركي معه كأمر واقع أو محاولة الإنقلاب عليه في دول عدة أولاها في السعودية وإيران. قد لا يكون الجواب سلبياً بالنظر إلى الإتفاق الأميركي- الإيراني على تبادل السجناء عمّا قريب. لكأن المطلوب إعادة هندسة الوضع في المنطقة بتركيبة جديدة تعيد سوريا إلى خارطة الدول المحورية ومن ثم يأتي دور لبنان فتكون بذلك معالم التسوية الرئاسية قد توضّحت.