كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
كان الحضور السياسي والشعبي لزعامة سعد الحريري، طاغياً في ذكرى استشهاد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد سنة من غيابه عن لبنان، وتعليق عمله السياسي، وبالرغم من كل محاولات تجاوز هذه الزعامة، من بعض الحلفاء المقنعيّن والخصوم الالغائيين، وبعد كل الجهود والمساعي التي بذلت داخلياً وخارجياً، والتجارب الفاشلة لتفريخ زعامات بديلة في الانتخابات النيابية الأخيرة أو على هامشها.
تسابق الخصوم، قبل الحلفاء لاعادة مدّ جسور التواصل المقطوعة أو المتصدعة مع الحريري، بعد سنوات عهد تعطيل الحكومات والاصلاحات والمؤسسات، ما يعكس، اعترافا واضحاً، بخطايا الانقلاب على التفاهمات والاتفاقات المعقودة، وتفويت فرص الانقاذ المحلية والخارجية، التي هدرت في ثنايا المصالح الخاصة والتحالفات، والمشاريع الاقليمية الفتنوية المشبوهة.
كان وجود الحريري هذه المرة في بيروت، مختلفاً عن زيارته العام الماضي، بالرغم من محاذرته الخوض بالاوضاع السياسية والتطورات الحاصلة، واطلاق المواقف، بإستثناء عبارات مقتضبة وتلميحات، تعبر بوضوح عن استيائه مما بلغه الوضع العام من خطورة، وخشيته من قادم الايام بقوله»الله يعين البلد».
كلماته المحدودة، عبّرت بوضوح عما يختلج في صدره من مخاوف على البلد، جراء تدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية، واستيائه مما آلت إليه ممارسات وارتكابات، المتحكمين بمفاصل السلطة، وتوجيه رسائل في أكثر من اتجاه، بتحميل تحالف السلاح والتعطيل، مسؤولية الكارثة الكبيرة التي يواجهها اللبنانيون حالياً، في إحلال الفوضى السياسية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وإفقار المواطنين.
في تهافت السياسيين والزوار، للالتقاء بالحريري، تقدير واضح لمكانته السياسية، واستياء بالغ، من سوء أداء الطبقة السياسية الحاكمة، وفشلها الذريع بإدارة السلطة، وتذمر واضح من تدهور الاوضاع الى هذا النحو الكارثي، ومناشدة ضمنية للعودة عن قراره بتعليق عمله السياسي، والمباشرة الفعلية باعادة التوازن الى الوضع السياسي والسلطوي المختل.
لا يمكن تجاهل رغبة المواطنين، والعديد من السياسيين، طوال وجود الحريري في بيروت، لامكانية عودته الى لبنان نهائيا، لممارسة مسؤولياته السياسية، باعتباره يحظى بثقة مطلوبة، لتولي المسؤولية وادارة السلطة، بعدما فقدوا أي أمل من الطاقم السياسي الحالي لوقف الانهيار الحاصل وانقاذ لبنان من أزمتة الوجودية.
بالطبع، لمس الحريري اندفاعة المتحمسين لعودته السياسية، من مؤيديه، كما من جمهور خصومه، بعدما اكتشفوا فارق وجوده بالسلطة، كمابالسياسة، في ظل خواء الطبقه السياسية كلها، وانعدام الثقة بها إلى الحضيض.
بين شغف المؤيدين لعودة الحريري إلى السياسة، وحماسته للقيام بكل الجهود اللازمة، لإخراج البلد من ازمته، و الاستجابة لآمال المواطنين وتطلعاتهم، بتولي السلطة من جديد، وحنينه الشخصي للاستجابة، تقف مسببات وعوائق اعتذاره عن تشكيل الحكومة فيما مضى، وتعليق عمله السياسي لاحقاً، حائلاً دون تحقيق هذه الرغبة.
الكل يعرف هذه المسببات التي تجلت بأبشع مظاهرها، والاطراف التي تتولى تنفيذها، بدءاً بإفشال المبادرة الفرنسية وتعطيل تشكيل حكومة أخصائيين لإنقاذ لبنان، وبعدها الهيمنة على الحكومة البديلة، وتعطيلها ثلاثة أشهر عن الاجتماع بعد ذلك، للالتفاف على التحقيق بتفجير مرفأ بيروت، وتكبيل القضاء من متابعة التحقيق، واليوم تعطل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
يحاذر الحريري كثيراً، الانسياق لرغبات البعض، بتولي المسؤولية في هذا الظرف العصيب، بعد أن خَبِرَ عن ظهر قلب، فداحة أضرار كمائن التعطيل، ومخاطر الترهيب من الخصوم المعروفين، وتحمّل طعنات الحلفاء المزيفين، وذاق الأمريّن من الجهتين معا، عملا بالحديث النبوي الشريف «لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين».
لن يجازف الحريري هكذا، بالعودة عن تعليق عمله السياسي وخوض غمار الحياة السياسية والسلطوية من جديد، مهما كانت المطالبات ملحّةً، مادام أسلوب تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية بالقوة قائماً، وسلاح حزب الله، متحكما بالواقع السياسي، بدلاً من مواجهة إسرائيل.