كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
عادت أمس أجواء القلق والتوتر إلى الشارع الطرابلسي على وقع الإرتفاع المتواصل في سعر صرف الدولار وجنون الأسعار بالمقابل، لا سيّما أسعار المواد الغذائية والمحروقات. فمع ساعات المساء تمّ رصد سيارات تجوّل في الشوارع وتطلق النار في الهواء في محاولة لزرع الرعب في نفوس السكان. وشهدت ساعات الصباح ظهوراً مسلّحاً في شوارع وأحياء المدينة حاول فيها المسلّحون إجبار أصحاب المحلات على الإقفال من خلال إطلاق النار في الهواء. في هذا الوقت كان الدولار يواصل ارتفاعه متجاوزاً عتبة 75 ألف ليرة للمرّة الاولى في تاريخه. أمام هذا الجو خلت مدينة طرابلس من الحركة بشكل شبه كامل في ساعات الظهر، وفضّل الكثيرون البقاء في منازلهم حماية لأمنهم وأمن عائلاتهم، بينما أقفل العديد من المحلات في الأسواق التجارية بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع لناحيتي الأمن والدولار.
وفي ما يُصطلح على تسميته بيوم غضب طرابلسي شمالي جديد، لم تخلُ الأمور من قطع للعديد من طرقات المدينة وضواحيها. فقد عمدت مجموعات من الشبّان في أكثر من منطقة إلى قطع الطريق عند نقطة البداوي ودوار أبو علي، التبانة، ساحة النور، القبة، مجدليا، طريق طرابلس – عكار وغيرها، وسط دعوات للأهالي والسكان في طرابلس وباقي المناطق للنزول إلى الشارع والتعبير عن الرفض الشعبي لما يحصل وإعلانها ثورة جديدة رفضاً للغلاء وارتفاع الأسعار وجنون الدولار.
وبالرغم من كل ما أُثير من أجواء فوضى وقلق، بقيت الإحتجاجات محدودة وبقيت أعداد المحتجّين قليلة، وظلت الثورة المنشودة حبيسة التكهّنات، وما جرى كان عبارة عن مجموعات صغيرة تقطع الطرقات بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات والحِجارة، أو تتنقّل في الشوارع وتطلق النار هنا وهناك. وترى أوساط طرابلسية مطّلعة في ما يجري في الأيام الأخيرة «محاولة لإشعال الشارع اللبناني بدءاً من طرابلس وذلك بحثاً عن اهتمام إقليمي مفقود بلبنان، وخدمة لأجندات معينة وأهداف سياسية». وإذ لا تستبعد هذه الأوساط «وجود أيادٍ أمنية وحزبية خفية تدير هذه التحرّكات، وتمدّ بعض المجموعات والفقراء بالسلاح والرصاص»، ترى «أنّ إمكانية تجاوب الناس بشكل واسع مع هذا النوع من الفوضى غير ممكن، لأنّ مدينة طرابلس بشكل خاص ومناطق الشمال بشكل عام لا ترغب بالفوضى من الأصل ولا ترى أنّ الحلّ سيكون بانتشار الفوضى وغياب الدولة، وأنّ هذه المناطق تطالب بالدولة وعودة المؤسسات إلى عملها وتطبيق الإنماء الشامل والمتوازن لتحقيق العيش الكريم لكل اللبنانيين».
وتجزم الأوساط بـ»أنّ هذه التحركات المغلّفة بالعناوين الشعبية لن تفلح في إعادة الأمور إلى الوراء، وما حصل في 17 تشرين من ثورة شعبية لأجل 6 دولارات زيادة على التخابر لن يتكرّر مع اتجاه الدولار بالصعود الصاروخي ولو وصل إلى مئة ألف ليرة، وهناك أكثر من سبب خلف كلّ ما يحصل لكنّ الأبرز بينها أنّ اللبناني الذي يئنّ بصمت ويموت بلا ضجيج يحاول تدبير أموره بأي شكل بعدما فقد الأمل بالتغيير وسط انشغال إقليمي ودولي عن الوضع الداخلي برمته».
تجدر الإشارة إلى أنّ حركة الإحتجاج عادت إلى هدوئها بعد الظهر وأعيد فتح الطرقات أمام حركة المارّة.