كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
عندما وجّه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في مطلع الأسبوع الجاري كتاباً إلى النائب العام المالي القاضي علي إبرهيم، يطلب فيه تسطير إستنابات قضائية فورية إلى أفراد الضابطة العدلية كافة «بغية إجراء التعقّبات والتحقيقات الأولية كافة، والعمل على توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بانهيارها»، عاد الزمن بالنسبة لصرّافي ساحة شتورا التي تعدّ من أكبر تجمّعات الصرّافين المرخّص لهم وغير المرخّص لهم في لبنان، إلى المرحلة الأولى من بدء تفلّت الدولار. أي عندما أوقفت الأجهزة الأمنية بعض الصرّافين والمضاربين فعلاً في بداية ثورة 2019، ليستأنف هؤلاء نشاطهم بشكل طبيعي خلال أكثر من ثلاثة أعوام لاحقة، حتى تضاعف سعر الدولار بالسوق الموازية، أربعين مرة عن سعره الرسمي المحدّد بـ 1515 ليرة.
ومع ذلك نجح الكتاب القضائي الأخير في بثّ التوتر بصفوف صرّافي شتورا. وارتبط هذا التوتر خصوصاً بالغموض الذي شابه لجهة تحديد الفئة التي طلب لها عويدات التعقّبات، و»الإقتياد مخفورة إلى دائرة النيابة العامة المالية لإجراء المقتضى». هل هم حملة الشنطة؟ أم هم الصرّافون المرخّص لهم؟ هل هم وسطاء التداول؟ أم هم الناشطون ومؤسّسو مجموعات الصرّافين على الـ»واتساب»؟ وهذا ما دفع بعضهم إلى كشف المزيد من معرفتهم بطبيعة السوق الموازية وتداولاتها التي لا يمكن لجمها برأيهم «بالأمن والملاحقات القضائية، وإنما بالسياسات وبالقرارات الإقتصادية الحكيمة»، والتي يقولون إنّ وحدها يمكنها أن تحدّ من نشاطهم، متى نجح المعنيون فعلاً في تأمين العلاجات التي تعيد ضخّ الدولارات بشكل طبيعي في الأسواق وتمنع المضاربات التي لا ينكرونها في تداولاتهم.
وفي مزيد من المعلومات التي يكشفها صرّافون لـ»نداء الوطن» ويمكن التوسّع بالتحقّق من أمرها أمنيا وقضائياً، أنه بمقابل إختفاء الصرّافين المتجولين من الساحة، وهم الحلقة الأقلّ تأثيراً في المضاربات الكبيرة على سعر الصرف، حدّ الصرافون المرخّص لهم من نشاطهم، وحصروه بعمليات تداول محدودة، وبحذر تام، حاصرين التعاملات بتجار معروفين من قبلهم، وببيع وشراء فردي للدولار.
أبرز الوسطاء
في المقابل، كان لافتاً توقّف نشاط معظم مجموعات الـ»واتساب» المؤثرة بحركة البيع والشراء، إلى جانب غياب وسطاء التبادل المعروفين، وأبرزهم، كما يؤكّد الصرّافون، «الوسطاء الذين يعرفون بكونهم يطرحون شراء الدولار من السوق الموازية لمصلحة مصرف لبنان». ومن بين هؤلاء، إلى جانب حسن مقلّد الذي ذاع صيته أخيراً بعد العقوبات التي فرضتها عليه الخزانة الأميركية، كلّ من حسن م. وهو ينشط بشكل أكبر في منطقة صيدا، ويتمدّد بعملياته إلى صرّافي شتورا أيضاً، وعلي ن. وهو الوسيط الذي يشكّل حلقة الوصل الأساسية لمعظم صرّافي شتورا مع مصرف لبنان، ويقوم بحسب الصرّافين بشراء الدولار لمصلحة مصرف لبنان. علماً أنّ حجم العمليات التي ينفّذها حسن م. وعلي ن. إلى جانب حسن مقلد (قبل تعقبّه)، يكون لها الأثر الأكبر في التقلّبات الكبيرة والسريعة بأسعار الدولار، كما حصل في الأسبوع الماضي.
وفقاً لما يرويه صرّافون أنّ علي ن. تدخّل في السوق مساء الثلاثاء عارضاً الدولار، ولكن من دون أن يضخّ الدولار فعلياً في السوق، وربّما يكون ذلك واحداً من الاسباب التي جعلت سعر الدولار يرتفع مجدداً صباح الأربعاء. هذا إضافة برأيهم إلى ردة الفعل السلبية التي تتسبب بها التعقبات، لتؤدي كل محاولة للجم السوق بالقوة إلى مزيد من التراجع بقيمة الليرة اللبنانية.
مجموعة «لبنان»
وبحسب الصرّافين أيضاً، يلجأ كل من الوسطاء المذكورين إلى مجموعات الصرّافين الموثوقة لإتمام عملياتهم. وأبرزها مجموعة تحمل حالياً تسمية «لبنان» من دون أن يتبيّن ما إذا كان القيّمون عليها قد بدّلوا إسمها أسوة بمجموعات التداول بالدولار الاخرى. ومجموعة «لبنان» وفقاً لمصادر الصرّافين هي واحدة من أكثر المجموعات الموثوقة بالنسبة لهم كونها لا تضمّ سوى الصرّافين المرخّص لهم، وهي بالتالي تشكّل معياراً رئيسياً في تحديد سعر الصرف بالسوق الموازية، وفي معرفة حجم الطلب والعرض بهذا السوق. هذه المجموعة كانت قد أغلقت على أثر الكتاب الذي وجهه عويدات إلى إبرهيم، لتعود وتستأنف عملها صباح الاربعاء بالتزامن مع إستئناف الدولار الأسود حركته التصاعدية.
في المقابل، هناك مجموعات يتتبّعها الصرّافون لتلمّس حركة السوق فقط، لما تحمله في آلية عملها من مخاطر الخسارة كما الربح، كمثل المجموعة المسمّاة حالياً بـ»سوق لبنان للكشف» ويصفها بعض الصرّافين بمجموعات «المقامرة»، خصوصاً أنّها لا تسدّد المبالغ المستحقّة لهم إلا بعد أيام من إتمام الصفقة وبالسعر المتداول في يوم التسديد سواء أكان أعلى من السعر الذي تمّت فيه الصفقة أو أدنى منه. وهي بالتالي من المجموعات التي يلجأ إليها متداولو الدولار من غير الصرّافين والذين يسعون لتحقيق أرباح سريعة وإن كانت غير مضمونة.
علماً أنّ جزءاّ كبيراً من هذه المجموعات لا يقتصر على الصرّافين فقط، بل بات يضمّ عدداً من التجّار وحتى الأفراد الذين يبحثون عن السعر الأنسب في تأمين التداولات. وهذه المجموعات تحديداً تبدّلت أسماؤها المعتمدة سابقاً إلى أسماء لا تمتّ لنشاطها كمثل «الزعيم للرحلات»، «تنويرة الحبايب»، و»حديد عتيق للبيع» ليقتصر تفعيلها على إلقاء التحيات الصباحية والمسائية خلال اليومين الماضيين. غير أنّ اللافت بين كل هذه الروايات التي يتداولها الصرّافون، جزم هؤلاء بأنّ مصرف لبنان يشكل المضارب الأكبر في السوق، من خلال شرائه الدولار بعد طرحه بواسطة عمليات صيرفة. ويؤكّدون أنّه الوحيد الذي يشتري الدولار بكمّيات يمكن أن ترفع سعره نحو عشرة آلاف ليرة في أسبوع، فيما التداولات الأخرى بحسبهم وحتّى التي يجريها التجّار تبقى في إطار العرض والطلب الذي يمكن أن تستوعبه السوق الموازية، والذي لا يرفع الدولار أو يخفّضه سوى بمبالغ ضئيلة. وفي تأكيد لما يزعمونه يبيّن الصرّافون كميات كبيرة من فئة المئة آلف ليرة المطروحة بالأسواق بطبعة حديثة تحمل تاريخ 1 كانون الثاني 2023، وهذه الكمّيات لا يمكن أن تصل إلى السوق سوى من خلال عمليات بيع وشراء الدولار لمصلحة مصرف لبنان، متحدّثين عن نقل مليارات الليرات من فئة المئة ألف ليرة إلى ساحة الصرّافين في شتورا بأقفاص بيع الخضار.