“إستقلالية السلطة القضائية” على طاولة لجنة “الإدارة والعدل”

كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:

بتاريخ 21 شباط 2022، عقد المجلس النيابي السابق آخر جلساته التشريعية في قصر الأونيسكو وأقرّ فيها قانون المنافسة، أي إلغاء الوكالات الحصرية، وكان على جدولها إقتراح قانون إستقلالية القضاء الذي سبق وبدأ مسيرته منذ العام 1997 وتجدّدت وتفعّلت مع انطلاق إنتفاضة 17 تشرين عام 2019. لكنّ هذا الإقتراح لم يُقرّ، وأعيد إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية التي كانت أنجزته واللجان المشتركة وأرفقته بتقرير يتضمّن النقاط العالقة.

وجاءت إعادة هذا الإقتراح الحيويّ والمهمّ بناء لطلب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، الذي برّر طلب سحب الإقتراح بأنه لم يطلع على نسخته النهائية إلا منذ أيام، وكذلك فإنّ مجلس القضاء الأعلى لم يطّلع على هذه الصيغة، ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي حينها إلى مخاطبته بالقول: «لو أنك «قبضاي هيك قدّام «مجلس القضاء الأعلى»، في إشارة يومها إلى عدم توقيع التشكيلات القضائية.

ومنذ شباط الـ2022 وحتى الآن، ونحن على مسافة أيام من شباط الـ2023، كان هذا الإقتراح ينتظر ملاحظات وزير العدل ومجلس القضاء التي وصلت إلى مجلس النواب منذ شهر. ومن المقرّر أن تُتابع لجنة الإدارة في جلستها اليوم ما كانت بدأت به في جلستها التي خُصّصت لهذا الملفّ بتاريخ 17 كانون الثاني الحالي، حيث أعلنت في بيان لها أنّ أعضاءها تداولوا في «تكوين مجلس القضاء الأعلى، وأنّ اللجنة في جلساتها السابقة كانت أقرّت المواد المتعلّقة بهذا الاقتراح، ولفتت في تقريرها إلى وجود أكثر من رأي حول الموضوع، تراوح بين انتخاب عشرة أعضاء وانتخاب سبعة أعضاء، على أن يضمّ المجلس ثلاثة أعضاء حكميين، ورأي آخر رأى أن يتمّ تعيين أربعة أعضاء حكميين ويتم انتخاب ستة أعضاء».

وأشار بيان اللجنة إلى أنّ «وزارة العدل إقترحت وجود ثلاثة أعضاء حكميين ويتم انتخاب أربعة أعضاء ويتولى الأعضاء السبعة إنتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقّين».

وبرزت خلال المناقشات آراء عدة بين أعضاء اللجنة وكان الرأي الغالب باتجاه انتخاب كامل أعضاء المجلس، على أن يتمّ توزيع المقاعد على مختلف مستويات المحاكم، مع الإشارة إلى أنّ هذا الخيار يتطلّب إعادة نظر ببعض المواد ذات الصلة لإقرار آلية انتخاب تتواءم مع هذا الخيار».

سياق القانون

وبانتظار ما سينتج عن الجلسة، ربّما من المفيد التذكير بمسيرة هذا الإقتراح منذ ولادته عام 1997، لا سيّما أنه يأتي في سياق تطبيق إحدى ركائز إتفاق الطائف الذي تحدّث عن السلطة القضائية المستقلة والتي لو كانت موجودة لربّما وفّرت على لبنان واللبنانيين الكثير من الويلات والمآسي التي يُعانون منها وفي مقدّمها مكافحة الفساد والهدر وإحقاق الحق لأصحابه.

فاقتراح قانون السلطة القضائية المستقلة قُدّم للمرّة الأولى إلى مجلس النواب في العام 1997موقّعاً من الرؤساء حسين الحسيني، سليم الحص، عمر كرامي والنواب بطرس حرب، نسيب لحود ومحمد يوسف بيضون، وفي شهر تموز من العام 2018 وبعد ندوة أقيمت في مجلس النواب حول «إستقلالية القضاء وشفافيته»، ولد اقتراح ثانٍ يتعلّق بالقضاء العدلي. وما بين تموز 1997 تاريخ ولادة الإقتراح الأول وتموز 2018 تاريخ ولادة الإقتراح الثاني، بقي القضاء كما كل إدارات ومؤسسات الدولة يعاني الخضوع لإرادة السلطة السياسية بينما الدستور يقول بقيام السلطة القضائية المستقلة.

وكان سبق وأخذ الحيّز الأكبر من النقاش في الجولات السابقة لمناقشة الإقتراح في اللجان، موضوع تعيين أو انتخاب أعضاء مجلس القضاء ووصل الأمر إلى النقاش في التوزيع الطائفي والمذهبي، إلا أنّ ما تمّ التفاهم عليه في الجلسة الماضية للجنة، وفق مصادر متابعة، هو أن تتمّ عملية الإنتخاب لجميع الأعضاء وهو ما ورد في بيان اللجنة على أن تُستكمل اليوم التعديلات اللازمة للمواد المرتبطة بآلية الإنتخاب وبالمحاكم ودرجاتها.

وفي الحديث عن السلطة القضائية المستقلّة لا بدّ من ذكر «أبي الطائف» الرئيس حسين الحسيني الذي غادرنا منذ أيام، والذي كان يُعتبر عرّاب اقتراح السلطة القضائية المستقلة وهو القائل: «الشعب مصدر السلطات ونحن نظامنا جمهوري – برلماني، والدستور يقول إن النظام قائم على الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها وما تسبب في انهيار البلد هو غياب السلطة القضائية المستقلة وبالتالي غياب المحاسبة من خلال تهميش دور مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة اللذين يراقبان عمل الإدارة وعمليات الإنفاق في الدولة، لا سيّما أن معهد الدروس القضائية هو الذي يُخَرّج جميع القضاة العدليين والإداريين والماليين».

والرئيس الحسيني كان يعتبر أنّ «إقرار هذا القانون يُفعّل دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي حصّن الوزير بينما هو لا حصانة له في الدستور، فالمادة 20 من الدستور تقول إن القضاء العادي يُحاكم المرتكب. كذلك فإنّ الأمانة تقتضي التذكير بأنّ النائب الراحل مصطفى الحسيني هو من أعاد تبنّي الإقتراح مجدّداً وتابعه مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي حتى أحيل على لجنة الإدارة عندما كان في البرلمان عام 2018.

وفي الثالث من كانون الأول 2019، أي بعد نحو أكثر من شهر من انتفاضة 17 تشرين، أعلن النائب أسامة سعد وبعد اجتماع للجنة الإدارة والعدل أنّ قانون إستقلالية القضاء وشفافيته أصبح موضوع رأي عام لبناني.

وقد شُكّلت لجنة فرعية من لجنة الإدارة عملت بشكل متواصل منذ أيام وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم حتى إنجاز هذا الإقتراح وتجهيزه أمام الهيئة العامة وقد خضع بطبيعة الحال إلى الكثير من التعديلات والتغييرات التي وردت في الإقتراح وهو ما سبق وحذّر منه نادي القضاة وقد رأى في الصيغة التي كانت أمام الهيئة العامة لمجلس النواب في جلسة 21 شباط 2022، تشويهاً للقانون واستقلالية القضاء.

ويتضمّن الإقتراح وفق صيغة الحسيني، إنشاء مجلس أعلى للسلطة القضائية يتولى الإشراف على الهيئات القضائية العدلية والمالية والإدارية والتنسيق في ما بينها وتعيين القضاة والمساعدين القضائيين والموظفين في الدوائر القضائية وفي ملاكي مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة، ويتألف من 16 عضواً، ستة منهم حكميون هم: الرئيس الأول لمحكمة التمييز، النائب العام لمحكمة التمييز، رئيس مجلس شورى الدولة، رئيس ديوان المحاسبة، رئيس هيئة التفتيش القضائي ورئيس معهد الدروس القضائية، وعشرة يتم انتخابهم من قبل القضاة في مختلف الغرف والوحدات، كما يُنظم العلاقة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويعتبر التدخّل في أعمال القضاء جريمة عقوبتها الحبس من ستة أشهر إلى سنتين ومن سنة إلى أربع سنوات إذا كان المتدخّل قائماً بوظيفة عامة.

شاهد أيضاً

تعميم صورة موقوف بتهمة الاحتيال على أشخاص وجمعيات..

صدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـ شعبة العلاقات العامة البلاغ التالي: تُعمّم المديريّة …