كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
لم تؤتِ مبادرة بعض نواب «التغيير» إلى الاعتصام في مجلس النواب إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، أي ثمار بعد. ولم تكن هذه الخطوة التي افتتحها النائبان ملحم خلف ونجاة عون، الخميس الفائت، وانضم إليهما بعض النواب لاحقاً، منسّقة مع أطراف سياسية معارضة أساسية. وفي حين أوفد تكتل «الجمهورية القويّة» النائبين جورج عقيص ورازي الحاج للتضامن مع النواب المعتصمين، إلّا أنّ «القوات» لم تنضمّ إلى هذا الاعتصام، فـ»الاعتصام لمجرّد الاعتصام» والذي يفتقد إلى ترجمات عملية رئاسياً، يُعتبر خطوةً ناقصة، بالنسبة إلى «القوات». فهذا الاعتصام أو أي تحرُّك آخر، يجب أن يترافق مع خطوات واضحة المعالم، لجهة القدرة على أن تكون له ترجمات سياسية، ولكي يؤدّي إلى ترجمات يجب أن يُدعّم بوحدة موقف معارض على مرشح واحد.
«القوات» مستعدة للانضمام إلى هذا الاعتصام، وهي سبق أن طرحته منذ نحو شهر، إلّا أنّها تعتبر أنّ هناك شروطاً لنجاحه، والشرط الأساس التمكُّن من تأمين 65 صوتاً لمرشح واحد للمعارضة، إذ في هذه الحال تُنتج عملية الضغط ترجمات عملية. أمّا الاعتصام من دون تأمين هذا الشرط، فسيؤدّي في النهاية إلى التراجع والانسحاب ما يُعتبر «فشلاً»، إذ إنّ انطلاقته ضعيفة أساساً ولم يسقط بسبب تعطيله من الفريق الآخر. لذلك، لا يُمكن أن تُقدِم «القوات» على خطوة كهذه لا تتوافر لها مقومات النجاح. أمّا تأمين أكثرية النصف زائداً واحداً لمرشح رئاسي، فسيضع الفريق الآخر في موقع المعطّل الواضح، أمام الرأي العام محلياً وخارجياً. لذلك ستستكمل «القوات» الاتصالات مع بقية مكونات المعارضة في هذا الاتجاه، فأي ضغط على الفريق الآخر، سواء كان حراكاً شعبياً أو اعتصاماً، لكي يؤدي إلى النتائج المرجوة، يجب أن يُستكمل من خلال وحدة موقف على مرشح واحد.
إلى ذلك، برز تطوّر على خط معراب – بكركي، أمس الأول، إثر موقف «عتب» من عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غياث يزبك على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بعد شمله جميع «نواب الأمة» في الدفة نفسها، محملاً إياهم مسؤولية «وصمة العار الجديدة… وهي فقدان لبنان حقّ التصويت في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة»، إضافةً إلى وضعه القوى السياسية كافةً في دفة تقاذف الاستحقاق الرئاسي. لذلك، توجّه يزبك إلى الراعي في «تغريدة»، وقال: «إنّ المساواة بين نواب يقومون بواجباتهم الدستورية ونواب يتنكرون لها، أمر غير عادل… يكفي استخدام تعبير «بعض النواب» أو «عدد من النواب» للتّمييز بين الجداء والخراف وتبيان الحق من الباطل».
هذه «التغريدة»، لم تُرخِ أي تداعيات سلبية على العلاقة بين «القوات» والبطريركية المارونية، فهذه العلاقة ثابتة وقائمة على ركائز أساسية، وليست عابرة بحسب المواقف السياسية، بحسب مصادر «القوات». وفي حين أنّ العلاقة بين «القوات» وبكركي من طبيعة استراتيجية، لكن هذا لا يمنع أن تصدر مواقف عدة قد لا تكون في حالة تكاملية بين الطرفين. وتوضح مصادر «القوات» أنّ موقف يزبك لا يعدو كونه رسالة أو إشارة إلى البطريرك، مفادها «التمنّي بعدم التعميم، فهناك فريق يقوم بكلّ ما أوتي من قوة لانتخاب رئيس ويجب تشجيعه، ولإحراج الفريق المعطّل يجب تسمية الأسماء بأسمائها، بينما التعميم يجعل الفريق المعطّل مرتاحاً».
لكن هذه الإشارة لا تؤثر على طبيعة العلاقة الاستراتيجية والاتصالات المفتوحة والزيارات المتبادلة بين «القوات» والبطريركية، خصوصاً أنّ الجهتين تلتقيان على ثوابت الكنيسة المارونية والثوابت الوطنية، فضلاً عن أنّ «القوات» تثمّن مواقف الراعي في السنوات الأخيرة، خصوصاً طرحه الحياد والمؤتمر الدولي للبنان وإصراره على الانتظام المؤسساتي ورفضه الشغور في المؤسسات الدستورية.
إثر «تغريدة» يزبك، زار زميله النائب ملحم رياشي الصرح البطريركي، أمس، موفداً من رئيس «القوات» سمير جعجع، وعقد خلوة مع الراعي، مشيراً بعدها إلى أنّ «اللقاء تناول الاوضاع السياسية المطروحة، لا سيما منها انتخاب رئيس جديد للجمهورية». وأكد أنّ «الرؤية نفسها مع سيد الصرح بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي»، مشدداً على أنّ «العلاقة بين «القوات» وسيد بكركي أكثر من جيدة بل ممتازة». لكن على رغم أنّ هذه الزيارة أتت بُعيد «تغريدة» يزبك، إلّا أنّها غير مرتبطة بها، بل حُدّد موعدها مسبقاً، وتأتي في سياق اللقاءات المفتوحة بين الجانبين، والتي يُعلن بعضها ويبقى العدد الأكبر منها بعيداً من الأضواء، وتجري بين مسؤولين مكلّفين من «القوات» والبطريركية لمتابعة الملفات كلّها.
بكركي تصف علاقتها بـ»القوات» بـ»الممتازة»، ويأتي لقاء الراعي ورياشي ضمن سياسة البطريركية الهادفة إلى التشاور مع أكبر عدد من الأطراف لتهيئة أجواء داخلية مساعدة لانتخاب رئيس، خصوصاً مع القوى المارونية، وتشمل حزب «الكتائب اللبنانية» وتيار «المرده»، بالتوازي مع التواصل مع «التيار الوطني الحر». ويعتبر البطريرك أنّ «القوات» و»التيار» بما يمثّلان يشكّلان الأساس في الحلّ الرئاسي. وإذ يركّز على الحوار خصوصاً بين القوى المسيحية، مهما بلغت الاختلافات في ما بينها، إلّا أنّه يثني على تعامل «القوات» مع الاستحقاق الرئاسي لجهة المشاركة في جلسات الانتخاب والاقتراع لمرشح واحد، ويعتبر أنّ «القوات» كقوة رئيسية يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في هذا الاستحقاق. في المقابل، هناك «غضب بطريركي» على النواب الذين يعطّلون عملية انتخاب رئيس، بخاصة النواب المسيحيين منهم.