كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
أحياناً، يكفي التدقيق في المشهدية – الإطار، للحكم على المضمون، على قاعدة أنّ «المكتوب يقرأ من مظروفهِ»!
يوم الجمعة الماضي، استضاف وليد جنبلاط وفد «حزب الله» في دارته في كليمنصو بناء على دعوة الأول، وفي سياق الحراك النقاشي الذي يقوده «الحزب التقدمي الاشتراكي»، بين الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، في محاولة لتحريك المياه الراكدة، أو بالأحرى الجامدة، المتجمّدة في محيط الخلافات الداخلية المعطوفة على حالة الإنسداد الإقليمي.
في تلك الصورة التي جمعت جنبلاط ونجله تيمور، إلى جانب كلّ من الوزير السابق غازي العريضي ومستشار تيمور حسام حرب، بالمعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا… بدت الألوان طاغية على المشهدية. في ذلك الصالون العابق بالتاريخ، والشاهد على الكثير من الجلسات واللقاءات التي راح وليد جنبلاط في العقد الأخير من الزمن، يحمّلها الكثير من الجوانب الثقافية، بدا النقاش ودياً لا حادّاً. حملت الجلسة بعضاً من الطابع العائلي من خلال حرص رئيس الحزب التقدمي، وفي خطوة هي الأولى من نوعها، على إشراك نجله في النقاشات والمشاورات. حتى الاستقبال من جانب جنبلاط على المدخل له رمزيته.
ولو أنّ اللقاء الذي هو الثاني من نوعه في هذه المرحلة، لم ينتهِ إلى اتفاق كما يأمل «الحزب»، لكنّه بالنتيجة، كما أراد له جنبلاط أن يكون، رفع من منسوب التنسيق بين الفريقين، ونجح في تعميق العلاقة كما النقاشات التي اتّسمت بالصراحة المطلقة بين الفريقين وفق ما تسرّب من الجهتين.
في المقابل، استضاف أمس رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل وفد «الحزب» في لقاء في مكتبه في مركزية «التيار» في ميرنا الشالوحي، حيث بدت مشهدية الجلسة من خلال الصورة التي رصدتها الكاميرات، خير معبّر عن فحوى الاجتماع. في مكتب مطلي باللون الأبيض، تكاد تكون فيه زجاجة الماء، الديكور الوحيد الذي يجمّله… بدا الجفاء ظاهراً للعلن. وكأنّ باسيل تقصّد إظهار حالة التقشّف هذه، سواء على مستوى حالته الاجتماعية كتيّار، أم على مستوى تفاهم مار مخايل. كلّ مظاهر الصورة تقود إلى استنتاج وحيد: برودة في العلاقة والمسافة الفاصلة بعيدة.
وبالفعل، فقد تبيّن وفق المعلومات أن اللقاء انتهى إلى «لا اتفاق» حول المسائل الثلاث التي أثيرت: الرئاسة، الحكومة وتفاهم مار مخايل.
في الواقع، حتى لو لم يتحكّم «حزب الله» بتوقيت اللقاءين، فهو استفاد من ترتيبهما، لتكون الجلسة في كليمنصو سابقة للجلسة في ميرنا الشالوحي، على قاعدة «اذا ما ظبطت مع الأول، لازم تظبط مع الثاني». وفي كلا اللقاءين كان الاستحقاق الرئاسي هو الطبق الأساس. وسليمان فرنجية هو المرشّح الأساس.
حتى لو لم يعلنها، لاعتبارات تتصل بحرصه على عدم إلصاق مرشحه بتهمة أنّه «مرشح حزب الله»، فإنّ سليمان فرنجية هو الماروني الذي يسعى «الحزب» إلى ايصاله إلى بعبدا. أقلّه إلى الآن، أو إلى أن يقول فرنجية غير ذلك.
في كليمنصو، لم يطلب «حزب الله» من وليد جنبلاط صراحة أن يقفز من جبهة ميشال معوّض إلى جبهة ابن بلدته سليمان فرنجية، لكن الأخير كان بطبيعة الحال موضع نقاش بين الطرفين، مع العلم أنّ استعداد الاشتراكيين للانتقال إلى الخطة «ب» صار جلياً، وذلك بعد التشاور مع معوّض. ولكن لا اسم محدّد.
كذلك لم يكن جنبلاط مضطراً لمسايرتهم في مشروعهم الرئاسي، محمّلاً الخلافات الحاصلة في صفوف 8 آذار مسؤولية الأزمة التي يعانونها والتي تحول دون انتخاب مرشحهم، بمعنى أنّه «من الأجدى بالحزب أن يطلب من حليفه العوني التصويت لفرنجية قبل البحث عن أصوات أخرى من كتل أخرى»… مع العلم أنّ هناك من يقول إنّ جنبلاط أبلغ الأميركيين صراحة أنّه لن يصوّت لفرنجية، لا راهناً ولا مستقبلاً.
في المقابل، لم يسجّل الضيفان أي فيتو واضح ومباشر على رزمة الترشيحات التي طرحها جنبلاط من باب الاستفهام عن موقف «الحزب» إزاء الأسماء المتداولة في سوق الترشح، ومنها قائد الجيش جوزاف عون حيث اكتفى وفد «الحزب» بالإشارة إلى عقبة التعديل الدستوري التي تحول دون انتخابه.
بهذا المعنى، لم يحقق اللقاء أي خرق نوعي في مسار الاستحقاق الرئاسي العالق في عنق الزجاجة، لا سيما أنّ زوّار المملكة السعودية لم يلمسوا أي تبديل في موقفها من شأنه أن يغلّب هذه الدفة أو تلك. فيما الحراك الداخلي بمختلف الاتجاهات لا يزال دون القدرة على حسم الرئاسة. جلّ ما في الأمر هو محاولات في الوقت الضائع.