مزيد من الفقر في 2023…

كتبت باسمة عطوي في “نداء الوطن”:

لا يمكن تناول حالة الفقر التي وصل إليها اللبنانيون، جراء الأزمة المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتفاقمت بشكل كبير في العام 2022، من باب الأرقام الجامدة على أهميتها. بل من حكايات العوز والحرمان التي دفعت 2.6 مليون لبناني إلى إحتساب كميات الطعام التي يأكلونها يومياً، وتقليص جزء منهم لعدد الوجبات او نوعيتها، والإتكال على الرحمة الإلهية كي تنجيهم من الامراض، لأنهم لا يتمتعون بأي تغطية صحية ولا يملكون المال للعلاج. هذا الحرمان طال نواحيَ أساسية لعيش العائلات بعدما باتت الكلفة مرتفعة، مثل الكهرباء والهاتف، حيث إستغنى كثيرون عن الاشتراك في مولدات خاصة الا بساعات محدودة جدا، وإقتناء هاتف لعدم قدرتها على تسديد الفواتير، فضلاً عن إختصار أو إلغاء نفقات مخصصة للتعليم أو التنقل أو الملبس. علماً أن الاسوأ هو أن الارقام وغياب المعالجات الحقيقية، تُنبئ بأن العام القادم لن يكون أفضل حالاً.

الغذاء… لبنان الأغلى في المنطقة

مسلسل العوز الدامي يعيشه 85 بالمئة من اللبنانيين بدرجات متفاوتة، بحسب البنك الدولي للعام 2022، في حين أن الاحصاء المركزي يشير إلى أنهم 82 بالمئة، تحت أعين طبقة سياسية تُحتسب من ضمن 5 بالمئة من اللبنانيين، يتمتعون بكامل مداخيلهم الدولارية وقدرتهم الشرائية. فبحسب مؤشر البنك الدولي لتضخم اسعار الغذاء، جاء لبنان في المرتبة الأولى عالمياً، متخطياً زيمبابوي التي جاءت في المرتبة الثانية، وفنزويلا في المركز الثالث. الأمر الذي يشير إلى حجم التحديات المقبلة على اللبناني في ما يتعلق بأمنه الغذائي، خصوصاً مع تسجيل إرتفاع في مؤشر أسعار المستهلك للغذاء بشكل ملحوظ في معظم بلدان المنطقة، وأولها لبنان بنسبة (216 بالمئة)، بينما سوريا بنسبة (71 بالمئة)، ومصر (24.2 في المئة)، والعراق (7.6 في المئة) وفلسطين (8.1 في المئة). هذه الارقام تتلاقى أيضاً ما نشرته Tranding economics، بأن معدلات التضخم في لبنان في كانون الاول الحالي، بلغت (142.37 بالمئة)، ومؤشر أسعار المستهلك 1916.53 نقطة.

الراتب… 50 دولاراً

بلغة الارقام (الصادرة عن الإحصاء المركزي للعام 2022)، هناك 49 بالمئة من اللبنانيين المقيمين، رواتبهم لا تزيد عن مليونين و400 الف ليرة، وهذا ما يفتح الباب واسعا أمام إنعدام الأمن الغذائي. وتتقاطع هذه الارقام مع دراسة، أصدرتها منظمة هيومن رايتس ووتش في كانون الاول 2022، أظهرت أن «الحق في الغذاء، تعرض لتهديد شديد في لبنان في مختلف شرائح المجتمع. حيث تقول الأسر التي إستهدفتها الدراسة، إن نقص الأموال أو الموارد الأخرى، كان السبب الرئيسي لتفويت الوجبات أو نفاد الطعام. ففي أكثر من أسرة واحدة من بين كل أربع أسر، كان على شخص بالغ أن يفوّت وجبة، بسبب نقص المال الكافي أو الموارد الأخرى للحصول على الطعام».

كما وجد مسح أجرته «اليونيسف» في حزيران الماضي، أن «ما يصل إلى 70 بالمئة من الأسر، تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين، وأن 84 بالمئة من الأسر، لا تملك ما يكفي من المال، لتغطية ضروريات الحياة».

فقر… وفقر متعدد الأبعاد

يشرح الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ»نداء الوطن» أن الأُسر الفقيرة هي التي لا يؤمن دخلها المادي، حاجاتها الغذائية الاساسية والكافية، ونسبتها في لبنان 55 بالمئة. لكن البنك الدولي والاسكوا إعتمدا مفهوماً آخر للفقر، وهو الفقر المتعدد الأبعاد، إستناداً الى 6 معايير في حال لم تملكها الاسرة، فهي تُعتبر أسرة فقيرة، مثل عدم إمتلاكها لمدخرات، أو عدم قدرتها على تأمين حاجاتها الصحية، والتعليمية ولذلك إرتفعت النسبة إلى 85 بالمئة».

يضيف: «اليوم نتيجة الازمة الاقتصادية، وتآكل القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، صارت كلفة السلة الغذائية للأسرة المكونة من أربعة افراد 8 ملايين ليرة، أي ما يوازي أقل من 200 دولار. في حين أنها كانت كلفتها قبل الازمة 450 ألف ليرة، أي ما كان يوازي 300 دولار أميركي على سعر 1500»، مشدداً على أن «أكثر من 70 بالمئة من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، ولا يملكون دخلاً بالعملات الاجنبية، وكل هؤلاء تأثروا بالازمة وتراجع مستوى معيشتهم. منهم 55 بالمئة من الفقراء و15 بالمئة أفضل حالاً».

ويوضح أن «30 بالمئة من اللبنانيين المقيمين، موزعين بين 5 بالمئة من الاغنياء، و25 بالمئة من الأسر اللبنانية (ما يقارب المليون لبناني)، يتلقون تحويلات من أقارب يعملون في الخارج، وهذا الامر يساعد في نوع من الازدهار في السوق الاستهلاكي».

ويختم: «نتيجة إرتفاع كلفة المعيشة، وإزدياد البطالة التي وصلت الى 38 بالمئة، نحن سائرون نحو مزيد من المشاكل الإجتماعية، وبدأنا نرى بعض مؤشراتها، من خلال عمليات السلب والخطف مقابل فدية، والخوف من ان نشهد مزيداً من التدهور في العام 2023».

الصحة… الوضع حرج جداً

ليس أدل على الوضع الكارثي الذي يعانيه اللبنانيون صحّياً، سوى ما عاشه (ولا يزالون) مرضى غسيل الكلى والسرطان خلال العام الحالي. فهم يعتمدون على دعم المصرف المركزي لتأمين علاجاتهم، وتحدّد الصناديق الضامنة كلفة تغطيتها وبدلات أتعاب الأطباء. لكن التأخر ببت المعاملات التي تتطلبها آلية دعم المستلزمات الخاصة بمرضى غسيل الكلى، أدى إلى إمتناع الشركات والوكلاء (شراء المستلزمات) عن تأمين المعدات بالوتيرة التي كانت سائدة، والتوزيع على المستشفيات بـ»الحبّة» بعد تراكم ديونهم في ذمة المصرف. ويقول المتابعون لهذا الملف أنه من المتوقع ان تزداد حدة الأزمة في كانون الثاني وشباط المقبلَيْن، إلى الحدّ الذي «يمكن أن يفقد فيه الكثيرون من المرضى حياتهم، وإقفال أقسام الغسيل في مستشفيات عدة.

أما في ما خص مرضى السرطان، فأزمة تأمين أدويتهم مستمرة وستبقى مفتوحة، خصوصاً أن قنوات الدعم الحالية غير ثابتة، بسبب تهريب الأدوية إلى خارج لبنان، فضلاً عن حجم الفاتورة الاستشفائية والعلاجات الكيميائية، وديون الشركات المستوردة على مصرف لبنان، التي تصل إلى ما بين 300 إلى 400 مليون دولار.

بلغة الارقام (الصادرة عن الإحصاء المركزي للعام 2022)، هناك 51 بالمئة من اللبنانيين المقيمين، لا يتمتعون بتغطية صحية، في حين أن أرقام اليونيسف (حزيران2022)، تشير إلى تخفيض 60 بالمئة من العائلات الإنفاق على العلاج الصحي، مقارنة بنسبة 42 بالمئة في نيسان/أبريل 2021.

ومن الجدير ذكره أن التأمين الصحي عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مرتبط بالقطاع الرسمي (يستهلكون69 بالمئة من ميزانية الحماية الاجتماعية في الموازنة العامة، بينما يشكلون فقط خُمس القوى العاملة، بحسب دراسة أجرتها منظمة مبادرة سياسات الغد في العام الحالي). في حين أن سوق العمل اللبناني يغلب عليه الطابع غير الرسمي، وتقدر منظمة العمل الدولية أنه في يناير/كانون الثاني 2022، وصلت العمالة غير الرسمية إلى 62.4 بالمئة، بزيادة قدرها 7.5 نقاط مئوية، عن النسبة البالغة 54.9 بالمئة في 2018-2019.

التعليم… تسرّب مستمر

بحسب دراسة أعدها المركز اللبناني للدراسات في آذار الماضي، تسببت الأزمة الاقتصادية في إنتقال ما يقارب 55000 طالب من المدارس الخاصّة، إلى المدارس الرسمية في العام الدراسي 2020-2021 وحده، ممّا زادَ الضغط على منظومة المدارس الرسمية (تقرير البنك الدولي 2021). وسُجِّلَت زيادةٌ مقلقة في معدّلات التسرُّب من الدراسة لسببَيْن، الأوّل هو الإغلاق الموسّع جرّاء تفشّي جائحة كورونا، والسببُ الثاني هو الحاجة إلى مدخولٍ إضافي بين العائلات التي تفاقمَ فقرُها بعد الأزمة.

وفي دراسة اليونيسف (حزيران 2022)، خفّضت 38 بالمئة من العائلات نفقات التعليم، مقارنة بنسبة 26 بالمئة في نيسان 2021، و3 من بين كلّ 10 شبّان وشابّات في لبنان أوقفوا تعليمهم. وأنَّ ما يُقارب 13 في المئة من العائلات، تطلب من أولادها العمل كوسيلة للتأقلم مع الصعوبات الاقتصادية.

النقل… الكلفة زادت 20 ضعفاً

من الامثلة على تأثير إرتفاع كلفة النقل 20 ضعفاً (بعد رفع الدعم عن المحروقات) في إزدياد فقر قسم كبير من اللبنانيين، هو أن كثيراً من الطلاب (مدارس رسمية وخاصة)، عادوا للذهاب إلى مدارسهم سيراً على الاقدام مع بدء العام الدراسي الجديد (2022). علماً أن العديد من اللبنانيين إضطروا إلى نقل أولادهم إلى مدارس خاصة قريبة من منازلهم، بعد أن أبلغتهم إدارة مدارس أولادهم السابقة، بأن بدل نقل «الأوتوكار» حوالى 40 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 1000 دولار للطفل الواحد، خلال العام الدراسي، وهو رسم قابل للإرتفاع في حال طرأت أية زيادة على أسعار المحروقات».

إرتفاع الإتصالات من 5 – 6 أضعاف

من العوامل التي ساهمت في تصنيف عدد كبير من اللبنانيين ضمن فئة الفقراء،( بحسب مفهوم البنك الدولي) هو رفع كلفة الاتصالات، وتراجع قدرة اللبنانيين عل شراء «الكماليات»، أي الملابس والادوات المنزلية. ففي ما يتعلق بالإتصالات باتت الفاتورة تحتسب وفقاً لسعر منصة «صيرفة»، الذي يصدره مصرف لبنان، بعد سنوات من اعتماد سعر الصرف الرسمي الثابت أي 1507 ليرات للدولار. ومع هذا الرفع بات جزء من اللبنانيين يجدون صعوبة في تغطية نفقات الاتصالات والإنترنت، علماً أن الحكومة خفضت أسعار خدمات الخلوي بالدولار، لكنها عملياً رفعت الأسعار بالليرة إلى أكثر من 5 او 6 أضعاف.

الثياب إلى «OUTLET» دُرّ

في ما يتعلق بشراء الثياب، منذ الإنهيار المالي، إتسع سوق ألبسة «OUTLET» والالبسة المستعملة، على حساب المحال التجارية التي تستورد ألبسة أوروبية فاخرة أو تركية. وبات في لبنان ثلاثة أنواع من المتاجر، الاولى تبيع «OUTLET « أو ألبسة لماركات عالمية بأسعار مخفضة على غرار ما يجري في كل بلدان العالم. والثانية تبيع ثياباً مستوردة «مستعمَلة» أو «البالة»، لكن بحالة جيدة وبأسعار منخفضة أيضاً. والنوع الثالث الذي يلقى رواجاً هو ما يسمى «Second Hand» وهو أيضاً ثياب مستعمَلة سابقاً، لكنها من ماركات عالمية فاخرة. وبذلك تحوّل لبنان بسبب الازمة، من بلد «التسوق والماركات» إلى بلد الـ»OUTLET».

برامج دعم محدودة

من المفيد التذكير أنه منذ بداية الازمة في العام 2019، يتلقى «البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً»، وهو برنامج المساعدة الاجتماعية الرئيسي في لبنان، مساعدة فنية ومالية من البنك الدولي. إلا أن التغطية منخفضة، حيث يستفيد 3.5 بالمئة من السكان من البرنامج، وفقاً لبيانات البرنامج نفسه.

وخلال تفشي فيروس «كورونا»، بدأت الحكومة برنامج «شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ»، مموّلة بقرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار أميركي لمدة ثلاث سنوات، لتوسيع الحماية وتوفير الخدمات الاجتماعية للأسر التي تعيش في فقر مدقع. بدأ إطلاق البرنامج في آذار 2022، بهدف الوصول إلى 786 ألف فرد، أي حوالى 11.6 بالمئة من السكان، بمساعدة نقدية بحلول العام 2025.

حجز الودائع أحد أسباب الفقر

تشرح الدكتور علا بطرس المشرف العام لـ»خطة لبنان للاستجابة للأزمة، ومستشارة وزير الشؤون الاجتماعية لـ»نداء الوطن»، أنه قبل العام 2019 كان 22 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر (مدخولهم اليومي هو أقل من دولارين). وبعد الانهيار صار هناك نوعان من الفقر بحسب البنك الدولي، الاول فقر بنسبة 55 بالمئة وتضم لبنانيين لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الاساسية بسهولة، والثاني فقر متعدد الابعاد ويشمل 82 بالمئة من اللبنانيين، بسبب تراجع قدراتهم على تأمين حاجاتهم ليس في الغذاء فقط، بل التعليم والطاقة والصحة والتنقل والسكن والاتصالات، وأحد أسباب هذا الفقر هو حجز الودائع التي تسبب بعدم قدرة اللبنانيين على متطلبات كثيرة ابرزها الطبابة».

ترى بطرس أن «أزمة النزوح السوري (قبل الازمة) تسببت في إرهاق المجتمع المضيف، لا سيما على صعيد الخدمات والبنى التحتية والمياه. لأن 35 بالمئة من سكان لبنان هم لاجئون ونازحون. وعندما إنهار الوضع الاقتصادي ترافق ذلك مع جائحة كوفيد التي وضعته في دائرة أكثر صعوبة بسبب الاغلاقات المتكررة. ثم جاء إنفجار مرفأ بيروت، وانهيار سعر صرف الليرة، مما أدى إلى تضخم مفرط بأسعار السلع والخدمات، وتدنت القدرة الشرائية وظهرت نسبة من الفقراء الجدد، الذين هم موظفو القطاع العام وغالبية الشعب اللبناني».

خوف من المرحلة المقبلة

وتشدد أنه «بالرغم من كل الاجراءات والبرامج التي قامت بها الدولة اللبنانية، بالتعاون مع الجهات الدولية لمساندة الفئات الأكثر هشاشة، إلا أن ذلك لا يلغي أن هناك أكثر من مليونين و 600 ألف لبناني سيعانون من إنعدام الامن الغذائي، وعدم تلبية إحتياجاتهم الاساسية في الفترة المقبلة. وهناك تخوف في العام القادم من معاناة 67 بالمئة من سكان الاطراف، (عكار وطرابلس والبقاع والجنوب) من إنعدام الامن الغذائي».

تضيف: «الأسر الاكثر هشاشة، هم الذين لا يمكنهم دفع فاتورة المولد الكهربائي والهاتف وخرجوا من دائرة المتابعة المباشرة للوزارة. وبالرغم من كل الخطوات التي تقدم، إلا أنها لا تكفي وتقع ضمن إطار المساعدات المنقذة للحياة، لأن المهم أن يتمكن الناس من العيش. ولذلك أُقرت الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، ويجري التحضير التقني لكي يكون للفقراء اللبنانيين حقوق متكاملة ومنهج حقوقي يمنح الفئة الاكثر هشاشة منهم، حماية من الدولة وهذا جزء من الاصلاحات المطلوبة».

«موتوا عَ السكت»

وفي الاطار نفسه، يشرح الخبير الاحصائي الدكتور عباس طفيلي لـ»نداء الوطن» أن «أرقام دائرة الاحصاء المركزي في دراستها الاخيرة عن العام 2022، أظهرت أن 82 بالمئة من سكان لبنان لا يملكون أموالاً إحتياطية تمكنهم من تأمين مستلزماتهم في حال توقفت أعمالهم، و 7.9 بالمئة منهم يملكون مدخرات تؤمن حاجياتهم لشهر واحد فقط»، لافتاً إلى أن «الارقام تدل على ان 72 بالمئة من اللبنانيين يعتمدون على رواتبهم، و15 بالمئة منهم لديهم مدخولهم بالدولار بالاضافة إلى تحويلات المغتربين».

يضيف: «المشكلة هي لدى أصحاب الرواتب بالليرة اللبنانية، في ظل الارتفاع المستمر لسعر دولار السوق السوداء. ففي تقرير منظمة الفاو في منتصف العام الحالي، ظهر أن 50 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، 49 بالمئة من السكان لا تتعدى رواتبهم المليونين و400 ألف ليرة، و51 بالمئة من السكان لا يتمتعون بتغطية صحية أي ليس أمامهم إلا أن «يموتوا عَ السكت»، لافتاً إلى أن «ثلث سكان لبنان تمكنوا من التأقلم مع الازمة، واستغنوا عن كل أشكال الرفاهية (التي تعتبر أساسية في الدول الاوروبية). وما يلفت النظر في التقرير أن 32 بالمئة من سكان الاطراف في لبنان، يعانون من أمراض بسبب عدم تناولهم طعاماً متوازن العناصر الغذائية، بل أطعمة تسد جوعهم مما قد يسبب لهم أمراضاً مزمنة لاحقاً».

ويختم: «من الارقام الملفتة في التقرير، أن 52 بالمئة من المقيمين في لبنان يرغبون في الهجرة، و51 بالمئة ليس لديهم تغطية صحية».

بدارو: هذه هي خريطة مداخيل اللبنانيين الآن

على ضفة الخبراء الاقتصاديين، يقول الاقتصادي روي بدارو لـ»نداء الوطن» ان «مداخيل اللبنانيين تنقسم، بحسب تقديراتي وذلك بسبب عدم وجود إحصاءات شهرية تظهر الواقع السريع التحرك، الى خمس فئات: الأولى تمثل تقريباً 10- 15 بالمئة من المجموع ومداخيلها هي بالدولار جراء استثماراتهم أكانت بالداخل أم بالخارج، والثانية حوالى 20 الى 25 بالمئة، يعيشون من تحويلات أقربائهم المغتربين، الذي يعملون في الخارج (التحويلات تصل إلى نحو 7 مليارات دولار سنوياً)». يضيف: «هناك نسبة 30 إلى 40 بالمئة من المقيمين الذين تنقسم مداخيلهم بين الدولار والليرة اللبنانية، وهذه الفئة تعمل في القطاع الخاص والمهن الحرة. وهناك أيضاً موظفون في القطاع العام يقبضون فقط بالليرة اللبنانية يمثلون حوالى 10 الى 15 بالمئة (440 ألف شيك تصدره شهرياً وزارة المالية)».

ويختم: «بالإضافة إلى 25 بالمئة من اللبنانيين من الذين لا مدخول لديهم او عاطلين عن العمل، ويتكلون في معيشتهم على ودائعهم المحجوزة، بحال وجدت في المصارف على ان يتم سحبها وفقاً لتعاميم مصرف لبنان الجائرة».

يشوعي: كل يوم يمر هو يوم إضافي يقع فيه مزيد من اللبنانيين في الفقر

السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل هذه الارقام، لماذا لا ينتفض اللبنانيون بالرغم من واقعهم المرير الذي تدل عليه الارقام؟ يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي «نداء الوطن» بالقول: «الارقام تدل على أن هناك يومياً لبنانيين جدداً يسقطون في عالم الفقر. لكن ما ينقذ الوضع إلى حد ما هي تحويلات اللبنانيين من الخارج، والتي تقدر بـ6 مليارات دولار سنوياً، وتُنقذ 80 بالمئة من الفقراء من الجوع»، لافتاً إلى أن «هذا يفسر عدم ثورة االلبنانيين على ظالميهم. وهذا الوضع سيستمر في السنوات القادمة، في ظل إستمرار إستهداف الطبقة السياسية لمدخرات الناس، لأنهم خارج المساءلة الداخلية وبالرغم من المحاولات الخارجية لمساءلتهم قانونياً. ونتمنى التوفيق للذين هم وراء هذه المحاولة، لأن القضاء اللبناني هو شاهد زور».

يشدد يشوعي على أنه «لا يمكن قيام إصلاحات من قبل فريق سياسي وإقتصادي هدم كل معالم الدولة. ولذلك ليس هناك من إصلاح وتغيير وثقافة جديدة ودولة مؤسسات وإدارة مستقلة وإنفاق شفاف مع هذه الطبقة السياسية»، موضحاً أن «التضخم الحاصل له سببان، الاول هو إنهيار سعر صرف الليرة والتصحيحات المالية بالليرة اللبنانية التي جرت سواء للدولار الجمركي او زيادة الاجور في القطاع العام. وهناك تضخم مستورد نتيجة إرتفاع أسعار السلع عالمياً، وهناك تضخم داخلي بسبب التصحيحات التي أجريت بالليرة اللبنانية، وهذا ينعكس سلباً على الاسعار وعلى القدرة الشرائية ومداخيل اللبنانيين بالليرة اللبنانية».

يرى يشوعي أن «رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة، لخفض العجز وزيادة إيرادات الدولة، هو قرار مبتور لأنه لم يترافق مع وقف التهرب الضريبي وتهريب البضائع. وهذا يعني أن ما هو متوقع من هذا الدولار الجمركي الجديد أن يؤمنه من زيادة الايرادات لن يتحول إلى حقيقة». مشدداً على أن «إتخاذ القرارات التي تتسبب بإرتفاع كلفة المعيشة على اللبنانيين، يجب أن يترافق مع تعزيز الانتاج الداخلي، بتدابير سريعة من خلال إلغاء الرسوم الجمركية على مواد أولية يستعملها الصناعيون لإنتاج مواد محلية». ويشير إلى أن «هناك بعض السلع الاستهلاكية، تدفع 3 ضرائب هي ضريبة إستهلاك 3 بالمئة، وضريبة قيمة مضافة 11 بالمئة، ورسم جمركي 15 ألف ليرة للدولار، وهذا لا يجوز ويجب إلغاء ضريبة 3 بالمئة».

يضيف: «صادرات الصناعات المحلية، يجب أن تعفى من ضريبة الارباح، وهدف هذه الاجراءات هو تعزيز الانتاج المحلي، لأن كلفته هو نصف كلفة السلعة المستوردة. والعمل على تخفيض كلفة المعيشة يتم من خلال اعفاء كل السلع ذات الاستهلاك الواسع من الضرائب، بالإضافة إلى مراقبة التجار الذين خزنوا بضائعهم على دولار جمركي 1500، ويدفع المواطن ثمنها على دولار 15 ألف ليرة».

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …