السجناء أمام حائط مسدود؟

كتب أحمد مدلج في “الأخبار”:

وقع الأزمة الاقتصادية في لبنان أسوأ على من هم داخل السجون مقارنة مع من خارجه. أجسادٌ متروكة وحدها ومكدَّسة ضمن جدران أسمنتية وأبواب حديدية تبحث عن أمل في آخر النفق، لكن يبدو أن بعضهم تأقلم مع العتمة. يتساءل كثيرون عن سبب عدم اندلاع انتفاضة أو عصيان بين آلاف المحتجزين الذين يعانون ظروفاً صعبة خلف القضبان. حيث إن هذه الظروف كفيلة بأن تجعل السجناء «يحرقون الأخضر واليابس»، وفق ما قال أحدهم. لكن ما يحدث عكس ذلك.. حتى الآن. فهل أصبحت الظروف الخانقة في السجون أمراً طبيعياً؟ هل تأقلم السجناء مع الوضع الحالي؟

«لا شيء يدعو للتفاؤل»، يقول عماد، أحد نزلاء سجن رومية، ويضيف: «رضخنا واستسلمنا للأمر الواقع. ننتظر ابن حلال يساعدنا من برا من جمعيات أو مبادرات فردية، أو إذا حدا معنا بالغرفة حَب يشاركنا ويصرف علينا».

تتفاقم التحديات والمشكلات في السجون مع استفحال الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وتزداد نسبة الاكتظاظ مع استمرار الاعتكاف القضائي والمستوى المرتفع للتوقيف الاحتياطي والافتقار إلى تدابير بديلة. يقوّض الاكتظاظ قدرة إدارة السجون على تلبية الاحتياجات الأساسية للسجناء من الغذاء والماء والنظافة والأمن. وقد انخفضت نوعية وكمية المواد الغذائية التي توزّعها إدارة السجون، كما أدى التضخم إلى تآكل الإمكانيات المالية للسجناء. وإلى جانب ذلك، تفشل السجون في تأمين خدمات الرعاية الصحية للنزلاء، مع النقص الحاد في الأدوية المزمنة والمعدات الطبية.

يقول عماد إن تجربة العصيان السابقة التي أدّت إلى وقوع إصابات لم تحقّق أياً من المطالب. وهي، بالتالي، ليست تجربة يتطلّع إلى خوضها السجناء من جديد. «دوا ما في، والطبابة بتكلف، يعني أي مشكل أو عصيان رح يؤدي لإصابات ومن بعدها منبقى متروكين مع جروحنا وعظامنا المكسّرة». ويضيف: «عم نعيش كل يوم بيومه. يلي بدو يصير يصير. الواحد هون بروح على خيارين غير إذا صحّلنا نهرب أكيد، إما التقرب إلى الله والصلاة أو المخدرات”.

ومع ارتفاع تكاليف المواصلات، أصبحت الزيارات العائلية أقل تواتراً وانخفضت معها المساعدات المالية والغذائية للسجناء، إضافة إلى الحرمان العاطفي، ما يزيد من معاناة السجناء وذويهم. «ما عنده غير الله»، تقول والدة أحد السجناء الذي نُقل من سجن القبة إلى سجن رومية. وتضيف: «أنا ساكنة بطرابلس وما كنت قادرة زوره بالقبة كيف إذا برومية؟». أما التواصل معه فمرهون بمدى إمكانية مساعدته من قِبل زملائه داخل السجن. «إذا حدا من يلي معه بالغرفة تعاطف معه بيتركه يحكي دقيقة أو دقيقتين، وبس لما يحكي معي كأني عم بحكي مع جثة عم يتحرك تمها ويطلع منها كلمات من دون ما تفهم شو عم تقول». حالها كحال ربما العديد من الأمهات وأفراد عائلات السجناء في مختلف سجون لبنان.

بعض الجمعيات تخفّف المعاناة

مع عجز السجون عن تلبية الحاجات الأساسية للسجناء من غذاء ومياه سليمة ومواد النظافة الشخصية والأدوية وغيرها، يأتي دور الجمعيات الإنسانية لمد يد العون إلى السجناء، قدر الإمكان. يتحدث رئيس جمعية «عدل ورحمة» الأب نجيب بعقليني لـ«القوس» عن حالة السجون التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. حيث تعاني إدارة السجون من نقص حاد في الميزانية المحددة من قِبل الدولة، وبالتالي تلبّي بصعوبة بعض الحاجات الضرورية والأساسية للسجناء. فالسجناء كما أهلهم في حالة إحباط وخوف. يضيف الأب بعقليني أن الجمعيات تحاول أن تساعد السجناء وعائلاتهم قدر الإمكان خصوصاً عبر تقديم المساعدات النفسية المكثفة، إلا أن الحاجات تزداد بشكل كبير. يشمل دعم الجمعية المساعدات الاجتماعية للسجناء وذويهم، متابعة ملفاتهم القضائية، التعليم والتدريب المهني الذي يساعد في إعادة تأهيل السجناء وانخراطهم في المجتمع.

ما يحدث اليوم في سجون لبنان مريع، نتيجة محاكم معطّلة وظروف معيشية حرجة، بحسب مديرة جمعية «دار الأمل» هدى القرى. حيث تقوم الجمعية بمساندة السجناء «عم نجرب نقدم كل اللوازم الضرورية ونساعد الكل لأن الوضع مأساوي، بس العبء علينا كتير كبير». فمع ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية ترتفع الضغوطات على أهالي السجناء، الأمر الذي يجعلهم غير قادرين على مساعدة أولادهم، ولم تعد الزوجة قادرة على مساندة زوجها والعكس صحيح.

وتشير القرى إلى أن جمعية دار الأمل تساعد ثلاثة سجون للنساء: بعبدا، طرابلس وزحلة. وتشمل مساعدات الجمعية مختلف الأصعدة، وتشدّد على العمل مع الأخصائيات النفسيات والاجتماعيات لتقديم الدعم للسجينات، وفي الوقت نفسه لكي تكون صلة وصل بين السجينة وأهلها مما قد يخفّف من وطأة الأزمة والشعور السلبي لدى السجينات.

فقدان الأمل

قد يتعرّض كل إنسان إلى محنة ما خلال حياته، لكن ما يساعده على تخطي تلك المحن هو الأمل. توضح الدكتورة في علم النفس نجوى دعجة أن فقدان الأمل لدى السجين قد يعني أن يفقد معه معنى الحياة. وعند فقدان أي سبب أو هدف للعيش يؤدي ذلك إلى ردود فعل ثلاث:
1) اللجوء إلى العنف والشغب وقد يصبح السجين عدائياً.
2) إلحاق السجين الأذى بنفسه والإقدام على الانتحار أو تشطيب نفسه.
3) المعاناة من خمول تام، حيث لا يصدر عنه أي انفعال بل يتلقى الأحداث فقط.

تضيف دعجة أن السجين الذي يعاني من خمول تام قد يتعرّض لأمراض نفسية وجسدية ويمكن أن يتسبب ذلك بمضاعفات صحية تؤدي إلى الوفاة في حالات معيّنة. كما أجريت دراسات عدة موضوعها السجناء الذين فقدوا الأمل، تبيّن أن الغالبية منهم تفاقم وضعهم الصحي، فهم يتلقون كل الأحداث من دون إظهار أي انفعال. كما أشارت إلى أن بعض السجناء، نتيجة عجزهم ومعاناتهم، قد يصبحون عرضة لتأثير زملائهم للقيام بمشاريع مخالفة للقانون، كأعمال الشغب وتعاطي المخدرات داخل السجن وترويجها. كما قد يصيب السجناء حالة اكتئاب حاد مما يُعَرِّضهم لاضطرابات نفسية وعقلية قد تصل إلى درجة الهلوسة.

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …