كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تجد الكتل النيابيّة نفسها في حلقةٍ مفرغةٍ عشيّة الجلسة الرئاسيّة العاشرة جرّاء تعمّد قوى الثامن من آذار تعطيل المسار الديمقراطي لإنتخاب رئيسٍ للجمهورية في الدورة الثانية وفق الدستور، ما يعكس تخبّط أطياف هذا الفريق لتأمين التوافق حول اسم مرشحهم غير المعلن، ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى دعوة الكتل النيابية إلى جلسة حوار بين ممثلي الكتل النيابية حول الإستحقاق الرئاسي حصراً. وهذا ما ارتدّ تحذيراً من إساءة إستخدام «الحوار» من أجل تحقيق مآرب متعددة، تتفاوت ما بين الإبقاء على الوضع الراهن (الشغور) أو التسويق لمرشح «8 آذار»، تمهيداً إلى إنضاج الظروف الإقليميّة والدولية لإنتخابه.
وعلى الرغم من أن الدعوة الحواريّة – التشاوريّة التي أطلقها بري لا ترتقي إلى مستوى الدعوة إلى «حوار وطني»، فإنّ تجارب لبنان مع المقررات الناجمة عن «الحوار» بقيت حبراً على ورق، وصولاً إلى الإنقلاب عليها. كما حصل مع «وثيقة الوفاق الوطني». ورغم تلبية دعوة إلى الحوار في مجلس النواب في 2 آذار 2006 لعدة جلسات، لم يتوصل المشاركون إلى نتيجة تذكر حول الإستراتيجية الدفاعية، والإمرة على السلاح خارج المؤسسات، وبقي بند السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الذي تمّ التوافق على حلّه معلقاً.
ومع انسداد أفق الحل السياسي ما بين قوى 8 و14 آذار، لعبت كل من قطر وجامعة الدول العربية دور الضامن لعملية الحوار الوطني اللبناني الذي إستضافته الدوحة في أيار من العام 2008، حيث جرى الإتفاق على إنتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، إلى جانب سلّة من الأمور الإصلاحية من بينها إعادة النظر في قانون الإنتخابات. وعمد الرئيس سليمان فور إنتخابه في أيار 2008، إلى دعوة القوى السياسيّة إلى إستئناف الحوار في بعبدا الذي عقد أولى جلساته في 16 أيلول من العام نفسه، واستكمل البحث في الإستراتيجيّة الدفاعية وسلاح «حزب الله»، وإنتهى بمقاطعة عدد من المشاركين من بينهم «حزب الله» الذي انقلب على موافقته على ما عرف بـ»إعلان بعبدا».
ولم تقتصر الدعوات إلى الحوار عند هذا الحدّ، فقد سعى الرئيس السابق ميشال عون خلال ولايته الرئاسيّة إلى دعوة القوى السياسيّة إلى «حوار وطني» في بعبدا، والتباحث في المواضيع السياسيّة والإقتصادية كما الإستراتيجيّة الدفاعية من دون أن تتكلّل مساعيه بالنجاح.
وعلى الرغم من أهمية التواصل بين القوى السياسيّة، فإنّ الذهاب إلى الحوار من دون خطة واضحة، قد يكون بمثابة مهلكة للمشاركين، نظراً لأن التفاعل مع المواضيع المطروحة قد يساهم في تأجيج الأزمة وانعدام المخارج ما قد يدفع أيّاً من الطرفين إمّا إلى الإستسلام وإما إلى الإنسحاب من الحوار.
وهذا ما يُملي الأطراف التي تأخذ على عاتقها الدعوة إلى الحوار أن تتحلى بالحياد والوضوح وعدم الإنحياز لأي من الأفرقاء، وتقديم طروحات تحتّم على القوى الأخرى عدم تجاهلها أو التغاضي عنها. وهذه المعايير قد لا تنطبق على دعوة الرئيس بري لكونه طرفاً في الخلاف اللبناني الحاصل ازاء الاستحقاق الرئاسي.
وهذا ما رأى فيه البعض محاولة لإستدراج القوى السياسيّة إلى «ملعب 8 آذار»، والإستعاضة عن تكرار الجلسات الرئاسيّة التي وُصفَت بـ»الهزليّة»، بجلسات حوارية قد تكون أسبوعية، تبعد عن بعض النواب رتابة الإستمرار في «مسلسل التعطيل» العلني. واعتبروا أن الحوار يجب أن يتم بين القوى السياسيّة التي تُظهر مواقفها وخياراتها بوضوح للتباحث في إمكانية التوصّل إلى خيارات جديدة قابلة للتحقيق.
ومع التأكيد على أن جميع الصراعات والإختلافات قابلة للحل، وعبر الحوار، يبقى الأهم هو البحث في آلية إتخاذ القرارات على الطاولة، سواء من خلال الإجماع أو التصويت ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التعقيدات لاختيار المشاركين. وهذا بالنتيجة، من شأنه أن ينقل الإختلاف والإنقسام الذي يتكرر في الجلسات الأسبوعية في ساحة النجمة إلى طاولة الحوار، ومعها ينضم الحوار العتيد إلى قائمة الحوارات «العقيمة»!