كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تيقّن رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل بعد 17 عاماً على اتفاق مار مخايل أنّ مصلحة المسيحيين ودورهم ووجودهم الفاعل لا يمكن أن يتحقّق عبر الالتحاق بقوى الثامن من آذار والاستمرار في تقديم الغطاء المسيحي لمحور «الممانعة» الذي أودى بمقوّمات الدولة اللبنانية الى المجهول. في العام 2006 وخلافاً للجوّ المسيحي المعارض لحلفاء سوريا في لبنان، والذي ساد منذ نفي العماد ميشال عون واعتقال الدكتور سمير جعجع، وجد «التيار» في «حزب الله» ما يخدم مصالحه السياسية، فكان تفاهم مار مخايل في 6 شباط. ومع انتهاء عهد الرئيس عون، تبدّلت أولويات أو مصالح طرفي هذا التفاهم، بعد تنصّل «الحزب» من دعم مرشح «التيار» ورئيسه لرئاسة الجمهورية، والإتجاه إلى دعم الوزير السابق سليمان فرنجيّة، ما دفع باسيل إلى إعادة البحث في خياراته السياسيّة بعدما أثقلته العقوبات المفروضة عليه جرّاء إلتصاقه بهذا «المحور».
إعادة تموضع باسيل لم تقتصر على تحديد خيارات تياره السياسي، ليجد في انعقاد مجلس الوزراء خلافاً لموقفه، باباً لإعادة استنهاض الدور المسيحي، ووضع هذه الخطوة في سياق «ضرب الصيغة والميثاق والشراكة والتوازن» والسطو على موقع رئاسة الجمهورية، ما دفع إلى التساؤل ما إذا كان احتكار الميثاقيّة والدور الفاعل للمسيحيين يتجسّدان فقط في ضمان مصالح «التيار الوطني الحرّ»؟.
ومع محاولة «التيار» حصر الشراكة الوطنيّة المتوازنة بضمان استمراريته ممثلاً للمسيحيين في السلطة، وانتخاب الرئيس الذي يحظى بدعم وغطاء رئيسه، إعتبر عضو تكتّل «الجمهورية القوية» بيار بو عاصي، أنّ «الحرص الذي يدّعيه النائب باسيل على موقع رئاسة الجمهورية يجب أن يكون عبر الإلتزام بالقواعد الديمقراطية والأخلاقيّة لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، من خلال تطبيق الدستور وحضور جلسات انتخاب الرئيس وعدم تعطيل نصاب انعقادها، والمشاركة الفاعلة في هذه العمليّة من أجل تمكين أيٍّ من المرشحين من الحصول على الأصوات المطلوبة لانتخابه (65 صوتاً)».
ورأى بو عاصي أنّ «القوى السياسيّة التي تتجاهل مقاربة الإستحقاق الرئاسي من هذا الإطار، أي «التيار الوطني الحرّ» وشريكه في الجريمة «حزب الله»، تفقد قدرة ادّعاء الحرص على الشراكة، وموقع الرئاسة وصلاحيات الرئيس، لأنّها تعمد إلى اغتيال ممنهج للثقافة الديمقراطية التي ميّزت لبنان كمساحة حريّة في محيطه منذ الإستقلال حتى اليوم». ومع التأكيد على أنّ الثقافة الديمقراطية تشكّل ضمانة لجميع اللبنانيين، والمسيحيين بشكل أدقّ، إعتبر أن «الشراكة القائمة على المصلحة، والتي تجلّت راهناً في الإشكاليّة المستجدّة بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، لا يمكن وضعها أو مقاربتها في إطار تأمين المصلحة الوطنية العليا، نظراً لأنّ الهدف الأساسي لـ»حزب الله» من اتفاق مار مخايل، إرتكز على قيام «التيار الوطني الحر» بتأمين الغطاء لسلاحه وسياساته الداخلية الإقليمية، «الكارثيّة» على لبنان، مقابل أن يحظى «التيار» بغطاء ودعم «حزب الله» لمكاسبه في السلطة بعيداً عن الشراكة والمصلحة الوطنية العليا».
ومع الإتّضاح أنّ هذا التحالف يخدم المكوّنات المتحالفة دون سواها، رفض بو عاصي الإستمرار في «غش» الرأي العام والقول إنّه يخدم الصالح العام، والمصلحة الوطنية العليا، في حين أنّ تداعياته أدت إلى انهيار المؤسسات والإقتصاد، وعرقلة إنتظام عمل المؤسسات التي تشكّل المدخل الأساسي للدفاع عن المصلحة الوطنية العليا، وخدمة المواطنين ومصالحهم الذين أصبحوا في حالة يرثى لها. وشدّد على أنّ «الحرص على حقوق المسيحيين بالدرجة الأولى يكون من خلال تكريس الثقافة الديمقراطية، وتقديس السيادة في لبنان وعدم المساومة على هذا المبدأ، وعدم وجود أي تحالفٍ ما بين سلاح يحمي الفساد، وفساد يغطي السلاح، والذهاب نحو الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد… ما من شأنه أن يضمن حقوق المسيحيين، وكافة اللبنانيين».