كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في حسابات رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لا يزال مسار انتخاب رئيس الجمهورية في بداياته. يلتزم بخيار حلفائه الإقتراع بالورقة البيضاء رغم مصارحته «حزب الله» بعدم اقتناعه بها. وكما يؤمّن نواب «القوات اللبنانية» مجموع 42 صوتاً لمرشحهم النائب ميشال معوض، فإن باسيل يؤمّن لفريق حلفائه خمسين صوتاً يعبرون عنها بورقة بيضاء في صندوقة الإقتراع الرئاسي. إنسحابه إن حصل وهو مستبعد، سيقلب المعادلة وينخفض عدد الأوراق البيضاء حتماً. يساير باسيل حلفاءه لكنه يرفض تحمل مسؤولية السير في مثل هذا الخيار من دون التسمية وهو يعلم مدى تمسك «حزب الله» بسليمان فرنجية كمرشح رئاسي. ماذا لو قرر فجأة عدم الإقتراع بالورقة البيضاء واختار التصويت لمرشح يراه مناسباً؟ حينها سيصعّب المعركة على فرنجية وسيعقّد خيار حليفه وستتظهر حينذاك الأزمة بتجلياتها المحلية والخارجية.
يؤكد المحيطون برئيس «التيار الوطني الحر» وجود أسماء مرشحين لديه لن يسارع إلى طرحها إلى حين يتمكن من إقناع حليفه بعدم جدوى التمسك بترشيح فرنجية. في حساباته أن ترشيح فرنجية كترشيح معوض، كلاهما حظوظ رئاسته ضئيلة في ظل التموضعات في المجلس النيابي الحالي.
رغم إعلانه مرات عدّة ان خطوة ترشحه للرئاسة ليست بعيدة عن تفكيره إلا أنّ باسيل لم يقارب المسألة بجدية مع حلفائه. على مشارف نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون وحين بدأ بحث الإستحقاق الرئاسي تركز بحثه مع «حزب الله» على ترشيح فرنجية طالما أنّه شخصياً ليس مرشحاً بسبب العقوبات الأميركية بحقه ولأنّ ترشيحه بعيد ولاية عمه مباشرة سيشكل امتداداً لولاية عون من وجهة نظر محلية ودولية.
خرج باسيل من السباق الرئاسي فتحوّل من مرشح رئاسي الى صانع للرئيس وله اليد الطولى في وصول الرئيس العتيد. برز دوره بقوة عقب التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل وخلال المفاوضات مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين. بالمقارنة مع غيره يتقدّم باسيل اللاعبين على المسرح الرئاسي. تحوّل بعد اتفاقية ترسيم الحدود من الرجل المحاصر أميركياً الى الرجل الأبرز بين القيادات المسيحية المارونية الذي يملك هامش التواصل الأكبر والأوسع في الداخل والخارج من فرنسا إلى قطر. ولا تجد مصادر المقربين منه ضيراً في تأكيد تواصله مع الأميركيين منذ اتفاق الحدود ولو بشكل غير معلن وهو سبق أن التقى وبطلب منهم هوكشتاين مرات عدة في ألمانيا ويقول هؤلاء «مجرد أن أعلن أنّه غير مرشح لرئاسة الجمهورية تحول فجأة الى المحاور الأساسي في الموضوع الرئاسي مسيحياً».
وتكشف مصادر مواكبة وجود تواصل أميركي أوروبي وفرنسي على وجه التحديد مع باسيل الذي يتواصل مع قطر ومصر، وفي الداخل لم تنقطع علاقته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري رغم ما سبق وقاله بشأن الترويكا ورد رئيس المجلس عليه، ومع البطريرك بشارة الراعي لا يزال البحث الرئاسي بينهما يسير في الكواليس.
المحاصر خارجياً يبدو أكثر تحرراً في قراره السياسي ولا سيما على المستوى المسيحي، ومعه يُخاض النقاش الرئاسي، ويقول أحد الديبلوماسيين الغربيين إن «إتمام إتفاقية الترسيم وخروج باسيل من السباق الرئاسي جعلاه الرقم الصعب في الإنتخابات الرئاسية». ومثلما كان الشريك الأقوى لـ»حزب الله» في الترسيم، كذلك هو اليوم في الملف الرئاسي من وجهة نظر الأميركيين.
في قاموسه باتت العقوبات شيئاً ثانوياً وهو يعمل على مواجهتها بالقانون بمساندة دول إقليمية أي قطروأخرى دولية. وربما كانت مواجهة العقوبات أسهل عليه من الإتفاق مع «حزب الله» على المرشح الرئاسي. خياراتهما متباعدة، والمطلوب منه أن يختار بين خيارين اثنين إما التوافق مع «حزب الله» على ترشيح سليمان فرنجية أو القبول بالمطلوب منه أميركياً أي تأييد ترشيح قائد الجيش جوزف عون. لكن عين باسيل على خيار ثالث يحتفظ باسمه لنفسه. في زياراته العربية والأوروبية حيث يجري النقاش بالشأن الرئاسي لم يتم التطرق الى الأسماء بعد ولو أنّ موضوع طرح الإسم ليس بعيداً عن تفكيره لأنه لن يتحمل مسؤولية عرقلة إنتخاب رئيس للجمهورية، ولكنه بالمقابل لن يرضى أن يساهم في ضخ الروح مجدداً في الترويكا الرئاسية.على أكثر من مستوى يفعّل رئيس «التيار الوطني الحر» إتصالاته. يتصرّف بصرف النظر عن العقوبات المفروضة عليه وكذلك يتصرف معه الغرب. وداخلياً قد لا يستسيغ «حزب الله» عناد حليفه ومخالفته رؤيته الرئاسية لكنه لا يتراجع عن التعاطي معه كلاعب أساسي وهو يعتبر أن إمكانية إنتخاب سليمان فرنجية من دون باسيل وإن توافرت فهي لن تحصل لأن وضع فرنجية – الرئيس سيكون ضعيفاً.