كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لساعات طويلة تجلس كاملة حمزة، السيدة الخمسينية، تُفتِّح أكواز الصنوبر. منذ زمن طويل وهذا عملها، فهي الوحيدة في منطقة النبطية التي تملك كسّارة صنوبر تعمل فيها وابنها. لا تخفي صعوبة العمل، غير أنّها تؤكّد أنّه بات مصدر رزقها الوحيد.
أمام كسّارة الصنوبر في بلدة كفررمان تجلس كاملة تحيط بها أكواز الصنوبر، فهذا العمل شاقّ على ما تقول، يحتاج جهداً خاصاً، نظراً لصعوبته، رغم أنّ كلفة كيلو الصنوبر لا تتجاوز الـ100 ألف ليرة في الكسّارة، وهي كلفة تراها محدودة مقارنة بحجم التعب، غير أنهّا تؤكد أنّها لن تتوقّف بل ستكمل في عمل نزع حبوب الصنوبر منها، وتعرّبها تمهيداً لنقلها إلى المرحلة الثانية.
أكثر من 6 مراحل تمرّ بها رحلة نزع الصنوبر من حبّاته السوداء، من تفتيحه الى نزع البذر عن الكوز ومن ثم إزالة الأوساخ، بعدها يذهب نحو التنظيف والغسل ليدخل الى آلة التكسير، ويخرج منها الصنوبر الأبيض، أو «النفط الأبيض»، نظراً لسعره المرتفع الذي لامس الـ60 دولاراً للكيلو الواحد.
توزّع كاملة مهامها بين كل الآلات، فقد خبرت المهنة عن ظهر القلب. بفضلها ربّت أولادها وما زالت تساعدهم لتخطّي ظروف الحياة، غير أنّ ما يؤلمها هو أنّ كلفة العمل باتت باهظة، «ما أنتجه يذهب لاشتراك المولّد الذي سجّلت فاتورته الشهرية الـ30 مليون ليرة»، ومع ذلك تمضي كاملة في مهنتها الأحبّ إلى قلبها، فهي صديقتها اليومية، ترافق أكواز الصنوبر، وتخاطب حبّاتها السوداء، برأيها «العمل أفضل من البطالة»، وبمنظورها «التعب أفضل من البكاء على الأطلال».
تعتبر كسّارة الصنوبر التي تعمل فيها كاملة الوحيدة في المنطقة، ويقصدها كل المزارعين الذين يهتمون بالصنوبر، ليس فقط من منطقة النبطية، بل أيضاً من حاصبيا ومرجعيون وجزين، وتعيد السبب إلى «الثقة والأمانة»، وهي سمة بارزة في عملها. وقد بدأته مع زوجها قبل أن يتوفّى وتتولّى المهمّة بنفسها لسنوات عدّة لتتشاركها اليوم مع ابنها، حيث تتوزّع المهام في ما بينهما، رغم أنّه يحتاج إلى عدّة أشخاص.
شكّلت كسّارة الصنوبر دافعاً لكثر من أبناء المنطقة للاهتمام بـ»رئة الطبيعة» أي الصنوبر وقطفه، غير أنّ الموسم مني حالياً بنكسة خطيرة للمرّة الأولى. هذا العام الموسم ليس بخير، ما أدّى الى تراجعه بنسبة 75 بالمئة.
حبيبات الصنوبر السوداء بمعظمها فارغة نتيجة إصابة الشجر بمرض، ما يعني في حسابات المزارعين كارثة كبيرة مُنُوا بها، فالصنوبر بحساباتهم هو «بترول أبيض» يدرّ عليهم أرباحاً طائلة، هذه الأرباح طارت، فقط لأنّ وزارة الزراعة لم تبادر الى رشّ الأشجار بالأدوية لمكافحة المرض، ولأنّ الأهالي بمعظمهم لم يبالوا به. أحراج الصنوبر كلّها مريضة وهذا سيؤدّي الى انخفاض الإنتاج. تضرب كاملة مثلاً تركيا التي رشّت كلّ أشجار الصنوبر حين ضربها المرض حفاظاً على هذه الثروة المهمّة، «غير أنّنا في لبنان نترك ثرواتنا في مرمى الأمراض».
أمام كسّارتها زرعت كاملة عدداً من أشجار الصنوبر، تنتج كلّ واحدة منها كيلو صنوبر صافٍ، وتعيد السبب إلى اهتمامها بهذه الأشجار فهي ترويها وتغذّيها بالسماد العضوي، وتؤكد أنّ هذه الطريقة الوحيدة لمواجهة الأزمة الجديدة.