كتب ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
في زمن الانتخابات الرئاسيّة تكثر الاجتهادات الدستوريّة، ليس لسبب إلّا لأنّ تفسير الدّستور بعد اتّفاق «الطائف» لم يتمّ بالشكل الصحيح. وبقي الخلاف مفتوحاً ويستجدّ الجدل عند أيّ استحقاق.
وبعد الجلسة السادسة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، والتي لم تفضِ إلى أيّ نتائج ملموسة، استفحل الجدل الدستوري مجدّداً حول مسألة النّصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة. فيما بدا لافتاً إصرار بعض القوى، من باب المادّة 49، على ضرورة أن يكون النّصاب في الدورة الأولى هو الثلثين، على أن يصبح في الجلسات التي تليها النصف زائداً واحداً.
لكن ما فات هؤلاء جميعهم، أنّ جدلهم هذا ينسف روحيّة ميثاق العيش المشترك التي قامت على أساسها وثيقة الوفاق الوطني. ولحسم هذا الجدل كان لـ»نداء الوطن» حديث مع النائب السابق إدمون رزق، وهو من أهمّ «فلاسفة» الطائف الدّستوريّين الذي يثبّت نصّ المادّة 49 الواضح.
إذ يؤكد نيّة المشرّع عندما وضع مواد الدستور. فمثلاً «إذا كان عدد الحضور 65 نائباً، نصف هؤلاء لا يمكن أن يوصل مرشّحاً ما لرئاسة الجمهوريّة لأنّ نية المشترع هي الشراكة بالوطنية. لا أن تستأثر فئة بالسلطة». فبحسب رزق «المسألة تتجاوز الحرف إلى النيّة عند المشترع الذي تعمّد في أن يكون هناك مشاركة لا تفرّد، وإلّا عندها تستطيع كل طائفة أن تؤمّن هذا العدد وبالتالي تشرّع ما تريد، وتنتخب من تريد بخلاف الدّستور». وأكّد رزق في تفسيره فلسفة الطّائف في هذا السياق أنّ «روحيّة المشاركة تتجاوز النية في التمسّك بالحرف».
ولكنّ البعض يتحكّم في فرض نظريّاته الدّستوريّة، تارة بقوّة غير شرعيّة وتارة أخرى بقوّة الأمر الواقع، أو حتّى باستخدامه بدعة التعطيل. وبحسب ما يفيد رزق فإنّ «ذلك يصبح تدميراً للوحدة الوطنية لأنّنا عندما وضعنا كمشرّعين بتكليف من مجلس الوزراء الدستور، وبعدما صُدِّقَ وأقرَّ من مجلس النواب في 22 تشرين الأوّل في العام 1989 كانت هنالك نيّة في المشاركة لا التفرّد». وإذا لم تكن هنالك مشاركة وتعدّدية فلا تكون هنالك شرعية. وهذا ما تمّ وضعه في البند «ي» في فقرة المقدمة العامّة في وثيقة الوفاق الوطني التي صارت مقدّمة للدستور كالآتي: لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك؛ وهذا ما يعتبره رزق الأساس في تكوين أيّ سلطة في لبنان.
ويرى رزق في موضوع الاجتهادات أنّ «كلّ ما يحافظ عليه هذا البند مقبول، وكلّ ما يتعارض معه مرفوض، لا بل يعتبر بمستوى الخيانة العظمى. ولا يمكن للمشرّع أن يتصرّف كيفيّاً بأي طريقة يمكن أن تنقض ميثاق العيش المشترك لأنّه الحدّ القاطع».
أمّا بالنسبة إلى الاجتهادات الدستوريّة لا سيّما في ما يتعلّق بقضيّة النصاب فيرى رزق أنّه «نوع من الهروب من المسؤولية، لأنّ التواصل بين الأفرقاء للوصول إلى التئام الإرادات الوطنية التي تشكّل مجموع الشعب اللبناني هو الجوهر السياسي لفلسفة دستور الطائف». ويعلّل رزق ذلك «بأنّ هذا البلد تعدديّ وموحّد من الخلفية الفكرية التي حرّكتنا كمشرّعين، وهذا ما انطلقنا منه لوضع هذه النصوص والتي أقرّها مجلس النواب لأنّ الهدف هو المشاركة وليس الاستئثار، الذي إن حدث يؤدِّ حكماً إلى عمليّة فرز للمجلس، وهذا ما قد يؤدّي بالتالي إلى انفراطه».
ويكمل حديثه بالقول «الكرسي لا يصنع رئيساً ولا حتى مجموع الكراسي حكومة، بل يجب الانطلاق دائماً من ثقافة الدستور والعيش الواحد، وهنا فلسفة لبنان البلد التعدديّ الموحّد الذي هو الصيغة الوحيدة في الشرق».
ويعتبر أنّه يجب الانطلاق من «خلفية فكرية ومدلول لهذا الكيان اللبناني، وعدم العمل وفق قاعدة المحاصصة بين المسيحيين والمسلمين بل المشاركة للنهوض بالبلد والأكثر يجب الحفاظ على الشراكة الكيانية والوحدة في التعدّد والتعدّد في الوحدة».
وبرأيه «الساسة في لبنان (بعضهم) يحلفون على الدستور ولا يحترمونه. هذا الدستور الذي يجب أن يكون أمانة تُحفَظُ كمبدأ». وفي الموضوع الرئاسي يرى أنّ «الرئاسة لا تُستَلَم للتّحكُّم بالجمهورية بل ليحمل الرئيس فيها صفة الخادم الأمين للدستور، حيث إنّ مفهوم السلطة في العالم الديمقراطي كلّه هو الخدمة، وهذه العملية هي عمليّة أخلاقيّة بالدرجة الأولى وليست عمليّة معرفيّة فقط».
ويقول إنّ «مشكلة السلطة والحكم هي في الجهالة. فبعض حكّامنا لا يقرأون وإن قرأوا لا يستوعبون ويحاولون الالتفاف على ما قرأوه. ولعلّ ما أضعف الدّستور كثيراً هو غياب أو تغييب مبدأ المحاسبة».