كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
مهنة تصليح مواقد وأفران الغاز على أنواعها انتعشت مجدّداً، بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يترنّح اللبنانيون تحت وطأتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، فهذه الأزمة التي فرضت نمطاً جديداً في الحياة وأجبرت كثيرين على التأقلم مع الواقع المرير، ساهمت أيضاً بإزدهار بعض المهن التي كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة مع التكنولوجيا والتطور واختراع البديل الحديث.
في حي «الشارع»، أحد أحياء صيدا القديمة، حيث تتلاقى الأسواق الشعبية على إختصاصها والدكاكين الصغيرة على إختلافها، يحافظ المعلم والمختار السابق فؤاد البني (75 عاماً) على مهنة تصليح أفران الغاز منعاً لإندثارها، وهو لم يفرّط بها يوماً حتى حينما انتخب مختاراً عن الحي في الدورة السابقة، جمع بينهما قناعة منه أنّ المخترة والمهنة يصبّان في خدمة الناس.
ويقول البني لـ»نداء الوطن» إنه لم يتوقف عن عمله بتصليح مواقد الطهي الغازية على أنواعها حتى حين كان مختاراً، ولكنّه لم يتوقّع أن تعود المهنة إلى الإزدهار مجدّداً مع الأزمة المعيشية الخانقة. ويضيف: «يقصدني الناس لإصلاح مواقد الغاز على أنواعها الصغيرة والكبيرة وما بينهما والأفران منها تحديداً، لأنها لم تعد قادرة على شراء بديل جديد، فتختار الأقل كلفة، فيما نحن نراعي ظروفهم المادية».
وسط محل صغير لا تتجاوز مساحته 2م² لكنّه مليء بالأواني القديمة ومواقد الغاز، يقف المعلم البني وهو يرتدي زيّ العمل الازرق ويعتمر قبعته، يرتّب أغراضه يميناً ويساراً على رفوف مخصصة لها، قبل ان يصلح موقد غاز صغيراً ويشعل النار فيه تأكيداً على عودة الروح إليه بعد عطل أصابه منذ أيام قليلة وأفقده القدرة عن العمل. ويقول: «منذ 50 عاماً وأكثر وأنا أمارس هذه المهنة، الآن أصبحت قليلة أو نادرة بخلاف السابق حيث كان يعمل كل شي على الغاز، اليوم تبدّل الحال وحلّت الطاقة الكهربائية بديلاً عنه، ولكن بسبب الغلاء وطول الأزمة رجعت الناس تصلح أغراضها بدلاً من شراء الجديد الغالي والذي بات بالدولار الأميركي، هنا الكلفة أرخص والدفع بالليرة اللبنانية». ويضيف: «أقوم بصيانة وتصليح الغاز والأفران والدفايات وشواية اللحم، وكل شي يعمل على الغاز من الألف الى الياء، وأصبحنا مشهورين في صيدا كلها، لأنه لم يعد في هذه المهنة، الإ أنا والمعلم حنينة، تعلمناها على أصولها وأتقنّاها وما زلنا فيها حتى اليوم، انها مهنة نادرة، قد تتراجع ولكنها لا تموت».
ويقرّ أنّ المهنة وحدها لم تعد تكفي كفاف العيش في ظل الغلاء وإرتفاع الأسعار، ولكنّه يضاعف عمله لتأمين قوت اليوم، ويقول: «أقوم أحياناً بإصلاح أفران الغاز في المنازل بدلاً من حملها الى المحل وخاصة للزبائن من خارج صيدا، وتعاقدت مع مؤسسات (تمنح الشاري كفالة) لصيانة الأفران دورياً أو تصليحها في حال حدوث أي عطل، وهذان الأمران يعوّضان الركود هنا».
وعلى الرغم من تقدّم سنّه، يرفض ترك عمله وإغلاق باب دكانه، يقول: «لقد تخليت عن المخترة عن طيب خاطر من أجل المهنة، بات ولدي أسامة مختاراً عن الحي، وأنا سعيد بإختياري لأنّ وجودي في الحي وفي هذا الشارع بالذات يعني لي الكثير، يعني الحياة بحلوها ومرّها وذكريات لا تنسى».