رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنّه “كلّما وصلنا إلى استحقاقِ انتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة، يَبدأ اختراعُ البِدعِ والفَذْلكاتِ للتحكّمِ بمسارِ العمليّةِ الانتخابيّةِ ونتائجِها على حسابِ المسارِ الديومقراطيّ. علمًا أنَّ الدستورَ واضحٌ بنصّه وروحه بشأن موعدِ الانتخابِ، ونِصابِ انعقادِ الجلساتِ ودوراتِها الأولى والتالية، ونصابِ الانتخاب”.
وقال الراعي في عظة الأحد: “يتكلّمون عن رئيس توافقيّ. الفكرة مرحّب بها في المبدأ، شرط أن لا تكون حقًّا يُراد به باطل، وشرط أن يتمّ اختيار رئيسٍ حرٍّ يلتزم بقَسَمِه والدستور؛ ويكون قادرًا على وقفِ النزاعات وإجراءِ المصالحاتِ، وشدّ أواصر الوحدة الداخليّة”.
وأكّد أنّ “الرئيس التوافقيّ بمفهومنا هو صاحبُ موقفٍ صلبٍ من القضايا الأساسيّة، وصاحبُ خِياراتٍ سياديّةٍ لا يُساوم عليها أمامَ الأقوياءِ والمستقوِيّين، ولا أمام الضعفاء والمستَضعفين، لا في الداخلِ ولا في الخارج. وهو الذي يحترمُ الدستور ويُطبّقه ويدافعُ عنه، ويظلُّ فوقَ الانتماءاتِ الفئويّةِ والحزبيّة، وهي تَلْتفُّ حولَه وتؤيّدُه ويكون مرجِعيّتَها وتَطمَئنُّ إلى رعايتِه”.
وأضاف: “ليس الرئيسُ التوافقيّ رئيسًا ضعيفًا يُدير الأزمةَ، يداوي الداءَ بالداء، ويداري العاملين ضّدَّ مصلحةِ لبنان. ولا رئيسًا يَبتعد عن فتحِ الملفّاتِ الشائكة التي هي السببُ الأساسُ للواقعِ الشاذ السائد في كل البلاد. ولا رئيس تحدٍ يَفرِضُه فريقُه على الآخرين تحت ستارِ التفاوضِ والحوارِ والتسوياتِ والمساوماتِ ، أو يأتون ببديلٍ يَتَّبِعُ سياسةَ الأصيلِ نفسِها. فيَتلاعبون به كخِفِّ الريشةِ ويُسيطرون على صلاحيّاتِه ومواقفِه ويُخرجونه عن ثوابتِ لبنان التاريخيّةِ ويَدفعونه إلى رميِ لبنانَ في لهيب المحاور”.
علاوة على ذلك، أكّد الراعي أنّ “الرئيس الذي نريده هو رئيس على مقياس لبنان واللبنانيّين، يَرفع صوتَه في وجهِ المخالفين والفاسدين ومتعدّدي الولاءات انطلاقًا من موقِعه المترفِّع عن كل الأطراف؛ والذي يقول للعابثين بمصير البلاد: كُفّوا إساءاتِكم إلى لبنان، وكُفّوا عن تعذيبِ اللبنانيّين، وكُفّوا عن المضِيِّ في مشاريعَ مكتوبٍ لها السقوطُ الحتميُّ آجِلًا أو عاجلًا لأنّها ضِدَّ منطقِ التاريخ، وضِدَّ منطقِ لبنان”.
وتابع: “الرئيس الذي نريده هو الذي يَتحدى كلَّ من يَتحدى اللبنانيّين ولبنان، والذي يقضي على المساعي الخفيّة والظاهرة إلى تغيير هُويّةِ لبنان الوطنيّةِ والتاريخيّة. مهما كان شكلُ لبنان الجديدِ مركزيًّا أو لامركزيًّا، فلن نَسمحَ بالقضاءِ على خصوصيّتِه وهُويّتِه وعلى تعدّديّتِه، وعلى كلِّ ما يُمثّل في هذا الشرق من وطن شَكّلً ملاذًا وطنيًا آمنًا للمسيحيّين كما لسواهم كي يعيشوا بإخاءٍ ورِضى ومساواةٍ، وشراكةٍ فيما بينهم في دولةٍ ديموقراطيّةٍ حضاريّةٍ. فمن أجل هذه الأهدافِ الساميةِ نَشأ لبنان سنة 1920 وهكذا سيبقى”.
وأضاف: “لا يمكن التنكر لكلِّ تضحياتِنا من أجل لبنان وكلِّ اللبنانيّين، وللشهداء الّذين سقطوا دفاعًا عن هذا النموذج الحضاري وإنقاذًا للشراكةِ الوطنيّة. هذه خصوصيةٌ ثابتةٌ مدى الدهور. وبقْدرِ ما نحن حاضرون للنضالِ والكفاحِ لمنعِ تغييرِ وجه لبنان بقيمه وبخصوصيّته، فإنّا مُستعدون أكثرَ فأكثر للتفاوضِ والحوارِ حولَ تطويرِ لبنان في إطارِ الحداثةِ والعدالةِ والحِيادِ واللامركزيّةِ الموسَّعة ومقترحاتٍ أخرى”.
وتابع الراعي: “إنّ الرئيس التوافقيّ المنشود لا يمكن إختياره إلّا بالإقتراعات اليوميّة المتتالية والمشاورات بين سائر الكتل النيابيّة”.
ورأى الراعي أنّه “أمام فشل مجلس النواب الذريع في إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، بحيث كانت الجلسات الخمس بمثابة مسرحيّة-هزليّة أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنّه غير ضروريّ للدولة، ويحطّون من قيمة الرئيس المسيحيّ-المارونيّ، بالإضافة إلى فشل كلّ الحوارات الداخليّة أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012، لا نجد حلًّا إلّا بالدعوة إلى عقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍّ بلبنان يُعيد تجديدَ ضمانِ الوجودِ اللبناني المستقِل والكيانِ والنظامِ الديموقراطيِّ وسيطرةِ الدولةِ وحدَها على أراضيها استنادًا إلى دستورِها أولًا ثم إلى مجموعِ القراراتِ الدوليّةِ الصادرةِ بشأنِ لبنان. فإنّ أي تأخيرٍ في اعتمادِ هذا الحل الدُستوري والدُولي من شأنه أن يُورّط لبنانَ في أخطارِ غير سلميّةٍ ولا أحد يستطيع احتواءَها في هذه الظروف”.
وختم: “إن الأممَ المتّحدة معنيةٌ مع كلِّ دولةٍ تعتبر نفسَها صديقةَ لبنان أن تتحرّكَ لعقدِ هذا المؤتمر. ولقد رأينا أنَّ هذه الدول حين تريد تحقيقَ شيءٍ تحقّقه فورًا مهما كانت العقباتُ، ولنا في سرعةِ الوصولِ إلى اتفاقٍ لبناني / إسرائيلي برعاية أميركيّة حول ترسيم الحدودِ البحريّة والطاقة، خير دليلٍ على قدرةِ هذه الدول إذا حسمت أمرها”.