أكد وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال محمد وسام المرتضى، خلال رعايته الحفل الختامي لمشروع “إرث خليل جبران للاستدامة الثقافية” المموّل من صندوق التنمية البلغاري، “اننا نريد لنا ولأجيالنا القادمة ان تستمسك بلبنان البهي الجامع لأبنائه والراسخ في قيم العدالة والمساواة والتسامح والعزة والاقتدار والحرية”.
وقال المرتضى: “إرث خليل جبران للاستدامة الثقافية” استوقفني كثيرا هذا العنوان، لسببين اثنين أولهما إيماني بأن الثقافة إن لم تكن ديمومة متجددة فليست بشيء، وثانيهما اعتقادي بأن الإرث الجبراني في الأدب والشعر والرسم ما برح يتوالد باستمرار كأنه، بمقدار ما يختزن من رموز وإيحاءات، مرآة مقعرة تظهر عليها صورة الحياة مكبرة، سيان أكانت حقيقية أم افتراضية”.
وأضاف: “من هنا تنطبق هذه الاحتفالية الثقافية، عنواناً وفعاليات، على البعد الجبراني الذي انطلق من ههنا، من بشري، حاملاً معه انواراً من الوادي المقدس ليشع بها على الإنسانية جمعاء. ولا شك عندي في أن هذا الثائر البشراوي الذي خض العالم بفكره وأدبه وسعة خياله وألقه الروحي، إنما كان يصدر عما ازدحم في عمقه، من غنى طبيعة وشظف ناس، اتخذوا الصخر والثلج والأرز جيرة، وحملوا فوق أكتافهم إرثا نسكيا أنطاكيا وسريانيا، وولعا بالوطن يكاد يبلغ التقديس، وما كان جبران إلا بضعة منهم، يسيل على قلمه حبرهم، وعلى ريشته لونهم، بالرغم من ثورته عليهم، حتى صارت العالمية فيه صورة عن وطنه بشري معكوسة في مرآة مقعرة”.
وتابع: “وعندي أن ديمومة الإرث الجبراني مردها إلى أنه اختزن في ذاته الواقع الذي تمردت عليه روحه، فحمله على أجنحته المتكسرة دمعة وابتسامة ومضى به إلى شمال الكرة الأرضية منتقلا من ثلج إلى ثلج، حتى إذا بلغ الأوج صعد إلى الجبل ووقف ينتظر سفينته كي تعيده إلى أرض غادرها ولم تغادره. هذه الأصالة في الانتماء جعلته يكتب، وسط حضارة الآلة الصناعية، عن يسوع ابن الإنسان وعن النبي. تلك هي الروحانية المشرقية التي ضاعت أو تكاد في عصر المادة، هي إكسير الأدب الجبراني وسر ديمومته”.
واستطرد: “قال لنا جبران: لكم لبنانكم ولي لبناني.
أنا اليوم ههنا، في متحفه، بالقرب من ضريحه، وتحت ظل الأرزة شعار الوطن، أقول له باسم جميع اللبنانيين: إننا نريد لنا ولأجيالنا القادمة أن تستمسك بلبنانك البهي الجامع لأبنائه، الراسخ في قيم العدالة والمساواة والتسامح… والعزة والإقتدار والحرية. أشد على أياديكم جميعا والسلام”.
الحفل الذي استهل بالنشيد الوطني، حضره الى رئيس لجنة جبران الوطنية جوزاف فنيانوس وأعضاء اللجنة سفير بلغاريا في لبنان بايون بيليف، نائب رئيس بلدية بشري جوزيف فخري والفنان رودي رحمة وحشد من الفاعليات الثقافية والتربوية والطبية وممثل السيد الفريدو حرب حلو في لبنان.
وتحدّث فيه بداية مدير المتحف جوزيف جعجع، شاكراً للسفارة البلغارية مساهمتها وجودها. وأضاف: “نفتخر نحن اللبنانيون بأرضنا وثقافتها، ولطالما كانت الأجواء السائدة في بلدنا صديقة للتطور الثقافي. إذ كان هناك من شخص يستحق منا بذل كل الجهود ووضع اعماله في الطليعة، فهو حقا جبران خليل جبران وتراثه المستنير. نحن سعداء لاننا حققنا هذا المشروع الهادف “ارث خليل جبران للاستدامة الثقافية” الذي تم منحه وتمويله بسخاء من قبل دولة بلغاريا. مع احترامنا واعجابنا لمنحنا هذه الفرصة التي تلقى على عاتقنا مسؤولية تنفيذ وصية جبران والحفاظ عليها للأجيال. إن نجاح هذا المشروع يمنحنا الأمل بتعزيز اواصر التعاون بين متحف جبران والدولة البلغارية”.
وأضاف: “منذ فترة تم الانتهاء من العمل وتم انشاء سجل تفصيلي كامل يحتوي على اقتباسات نادرة واهداءات وملاحظات تم جمعها من خلال البحث الدؤوب. لقد جمع جبران في مكتبه الخاصة 958 كتابا تم قلب صفحتها لأول مرة بعد وفاته.
ان الحفاظ على هذا التراث القيم الذي يشكل جزءا مهما من ماضينا وأساسا متيناً لحاضرنا يرسم لنا خريطة طريق ومنصة ادبية للمستقبل ويساهم هذا العمل في تعزيز الإبداع الجبران والحفاظ على الثقافة والقيم”.
وختم: “لكوننا جزءاً من متحف جبران نعتبر أنه لشرف لنا أن نبقى اي دراسة او اصدار او قصة جديدة حية نابضة في ذاكرة الأجيال”.
ثم ألقى رئيس اللجنة فنيانوس كلمة قال فيها: “بإسم لجنة جبران الوطنية، أتوجه بالشكر إلى وزير الثقافة محمد مرتضى لعنايته الخاصة بلجنة جبران الوطنية ولرعايته وحضوره هذا الاحتفال.
كما أشكر دولة بلغاريا العريقة بتاريخها الحضاري والإنساني الممثلة بشخص السفير بويان بيليف والتي اخذت على عاتقها العمل لإحياء مكتبة جبران الخاصة بالتعاون مع لجنة جبران الوطنية.
جبران هذا الوجه الحقيقي للبنان، لبنان الغني في التنوع والوحدة في التعدد، والتقاء الشرق والغرب، لقاء الحضارات والثقافات والاديان في مواجهة صدام الحضارات، والراي الواحد والعنف الإيديولوجي”.
أوليس هو القائل “اذا جردنا الاديان مما تعلق بها من الزوائد المذهبية والاجتماعية وجدناها دينا واحدا”.
“بجبران نطل على العالم لنأخذ مكانا بين الشعوب والأمم والأوطان التي اعطت للبشرية عبر التاريخ أعلاما في الشعر والادب والفن والفكر الإنساني العابر للأديان والمذاهب والطوائف والأعراق والأجناس”.
وكما قال “انت اخي وانا احبك فلماذا اذا تخاصمني؟ فالارض كلها وطني والعائلة البشرية عائلتي، لأني وجدت الإنسان ضعيفا ومن الصغر ان ينقسم على ذاته، والارض ضيقة ومن الجهل ان تتجزأ الى ممالك وإمارات”.
وأضاف: “إن القضايا الكبرى الانسانية التي أثارها جبران عابرا الديانات والثقافات والحدود الجغرافية ما زالت مطروحة بقوة في عالمنا المعاصر شرقا وغربا.
من هنا جاء هذا التعامل بين سفارة بلغاريا في لبنان ولجنة جبران الوطنية بخصوص ارث جبران خليل جبران للاستدامة الثقافية حول ترميم كتبه الشخصية وأرشفتها رقميا من قبل خبراء بلغار متخصصين أتوا من بلغاريا، برئاسة مايا تزونوفا مترجمة كتب جبران للغة البلغارية، بهدف الحفاظ على هذه القيم والغنى للكاتب والشاعر والفيلسوف الكبير.
ومن بين الكتب هناك 850 كتابا باللغة الانكليزية وخمسون بالفرنسية والالمانية واكثر من الف مجلة باللغة العربية، منها مجلة سركيس ومينيرفا ومجلة السائح وغيرهما.
ونجد في هذه المساهمة السخية لتطوير مكتبة جبران الخاصة قيمة مضافة على الارث الجبراني الذي تسعى لجنة جبران الوطنية الى نشره، ليس فقط محليا، وانما عالميا ليضاهي اهم التراثات الفكرية العالمية. والشكر لكل من ساهم في انجاح هذا العمل”.
بدوره، أعرب بيليف عن تقديره للانجاز الذي تحقق، مؤكداً عمق الروابط الأخوية بين لبنان وبلغاريا، لافتاً الى أن “مشروع إرث خليل جبران للاستدامة الثقافية فاز باهتمام صندوق التنمية البلغارية من بين أكثر من 50 طلبا لمشاريع مقدمة للصندوق”. ووعد “بتقديم المزيد من المساهمات للمتحف بعد استتباب الأوضاع في أوروبا”، شاكراً للجنة جبران الوطنية والمقيمين عليها افساحهم المجال لصندوق التنمية البلغارية للمشاركة في هذا المشروع القيم. كما شكر وزير الثقافة رعايته الحفل، مشيراً الى انها “المرة الأولى التي تقدم بها بلغاريا مساهمة الى خارج الجوار وهي للبنان”، وكرّر وعده للجنة جبران بتقديم مساعدة جديدة للمتحف اذا امكن.
بعد ذلك، قدّم رئيس اللجنة للوزير المرتضى كتابين، الأول عبارة عن نسخة فريدة بخط جبران خليل جبران بعنوان “اقلب الصفحة يا فتى” والثاني يحوي الصور المعروضة في المتحف.
وقبل قص الشريط التقليدي والجولة في أرجاء المتحف، قدّم فنيانوس والفنان رودي رحمة تمثال البرونز الذي يمثل وجه جبران للسفير البلغاري بيليف.