جاء في “نداء الوطن”:
لم يعد خافياً أنّ وراء “أكمة” الشغور ما وراءها من أجندات وتقاطعات داخلية وخارجية تتلاقى في أهدافها بين المصالح الاستراتيجية والطموحات السياسية والشخصية، وليست عملية اختطاف الاستحقاق الرئاسي سوى رأس “جبل الجليد” الذي يطفو على سطح الأزمة اللبنانية حيث يتكشف تباعاً أنّ ما خفي تحت أرضية الفراغ هو أعظم وأخطر على مستوى ما يتم التحضير له من خطة ممنهجة لضعضعة أسس الكيان والدستور وخلخلة ركائز “العيش المشترك” تحت وطأة افتعال هزات ارتدادية متمددة تتخطى في أبعادها موقع الرئاسة الأولى لتطال مختلف المواقع المسيحية الأساسية في الدولة.
وبين المصالح الاستراتيجية التي يتخندق خلفها “حزب الله” والطموحات السياسية والشخصية التي يتحصّن وراءها رئيس “التيار الوطني الحر”، تُحكم “جبهة الشغور” قبضتها على جلسات الانتخاب الرئاسية بانتظار إنضاج ظروف “تسوية ما” تؤمن مصالح وطموحات الجانبين، حسبما لفتت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن”، معربة عن قناعتها بأنّ “أمد الفراغ سيطول” لأنّ الخطة التي جرى إعدادها في كواليس القوى المعرقلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يحتاج تنفيذها إلى أكثر من عام لكونها ترمي في جوهرها إلى “تصفير” المواقع المارونية، بدءاً من موقع الرئاسة الأولى، وصولاً إلى انتظار انتهاء ولاية كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزيف عون ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
وترى المصادر أنّ ما يعزز الهواجس المتأتية عن خطة إفراغ المواقع المارونية في الدولة هو ما تواتر من معطيات تشي بأنّ اللقاء الأخير المطوّل الذي عقده الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني” جبران باسيل خلص إلى الاتفاق على “الصمود لأطول فترة ممكنة” مهما اشتدت الضغوط الداخلية والخارجية حتى يحين موعد التوصل إلى التسوية المرجوّة مع الأميركيين التي تتيح رفع العقوبات عن باسيل وإعادة تعويمه بوصفه “المرشح الرئاسي الأصيل” لدى قيادة “حزب الله” الذي لم يقدم حتى الساعة على خطوة إعلان ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، سيما وأنّ باسيل يحمّل “الحزب” مسؤولية أخلاقية حيال مستقبله السياسي، وتردد أنه صارح نصرالله خلال اجتماعه الأخير معه بهذا الأمر من خلال الإشارة إلى أنّ ما تعرض له عهد الرئيس ميشال عون وما تعرض له “التيار الوطني” وباسيل شخصياً من حصار وعقوبات ونكسات رئاسية وسياسية وشعبية ومسيحية مردّه بالدرجة الأولى إلى الدفاع عن “حزب الله” وسلاحه، وبالتالي بات لزاماً على “الحزب” أن يتحمّل مسؤولية الوقوف معه في معركته الرئاسية لأنها أصبحت بمثابة “معركة وجودية” بالنسبة لباسيل وتياره عقب انتهاء ولاية عون وخروجه من قصر بعبدا.
أما على المقلب الآخر من تحالف “8 آذار”، فتشير المصادر إلى أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري “يغرّد خارج سرب هذا المخطط” سواءً من خلال دعمه الصريح لترشيح فرنجية في مواجهة باسيل، بالتوازي مع دفعه باتجاه تسريع الخطوات الآيلة إلى إحداث توافق سياسي يسمح بإجهاض خطة إطالة فترة الشغور، معتبرةً أنّ فكرة “الحوار الرئاسي” التي دعا إليها بري كانت تهدف في جوهرها إلى “قطع حبال الابتزاز” التي يكبل بها باسيل “حزب الله” وحلفاءه لمنع إحداث أي “خرق توافقي” في جدار الأزمة الرئاسية، ومن هنا كان تجديده بالأمس أهمية الإسراع في التوافق بين مختلف المكونات على الاستحقاق الرئاسي، مع إِشارته في هذا السياق إلى أنّ وضع البلد لا يحتمل إطالة مرحلة الشغور “أكثر من أسابيع”.
وفي موازاة ذلك، تتقدم بكركي “صفوف المواجهة” لدرء مخاطر مخطط الشغور وأبعاده الهدّامة للدستور ومصير العيش المشرك في البلد، وسط ترقب لما سيصدر عن اجتماع مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، الذي افتتح أعمال دورته الخامسة والخمسين أمس برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي، من بيان ختامي يوم الجمعة المقبل يتطرق إلى التحديات المتأتية عن الفراغ الرئاسي.
وكان الراعي قد استهل اجتماع المجلس أمس بالتشديد على كون التطورات باتت تحتم “إجراء حوار صريح وبنّاء بين المسيحيين والمسلمين من جهة، وبين الأحزاب والكتل النيابية من جهة أخرى، وذلك لكي يسلم العيش المشترك المنظّم بنصوص الدستور، والذي يشكّل الميثاق الوطني الذي توافق عليه اللبنانيون سنة 1943، وجدّدوه باتفاق الطائف عام 1989″، وقال: “إذا ألقينا نظرة على واقعنا في لبنان، نجد بكلّ أسف أنّ الذين صنعوا الحرب ما زالوا هم أنفسهم يحكمون بلادنا، الأمر الذي يشلّ الدولة بسبب نار الخلافات المشتعلة تحت الرماد، ويشكّك الرأي العام الخارجي، ذلك أنّ من يصنع الحرب لا يستطيع أن يصنع السلام”، وأضاف: “لم يتمكّنوا، أو بالأحرى، لم يريدوا إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فكان إنجازهم الكبير تنزيل العلم وإقفال القصر الجمهوري، وتسليم حكومة مستقيلة منذ خمسة أشهر، ولبنان في أخطر مرحلة من تاريخه السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي”.