وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة الى مجلس النواب، معلنًا في موضوعها” امتناع رئيس الحكومة المكلّف عن تأليف حكومة عملاً بأحكام المادتين 53 (فقرة 4) و 64 (بند 2) من الدستور وتأكيد حالة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق للحكومة التي يرئس راهناً والتي اعتبرت مستقيلة عملاً بالمادة 69 (فقرة 1، بند هـ). في حين ان لبنان على مشارف خلّو سدّة الرئاسة بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ما يشغر الموقع الأوّل في الدولة ويفرغ السلطة الإجرائية من القائم بها، اي مجلس الوزراء عملاً بالمادتين 17 و 65 من الدستور، وفي ضوء الاستحقاقات الداهمة على جميع الصعد الوطنية والتي لا تحتمل اي شغور بالنظر الى تداعياتها الخطيرة على الشعب والكيان والميثاق.
وقال: “عملاً بأحكام المادة 53 (فقرة 10) من الدستور والمادة 145 (3) من النظام الداخلي لمجلس النواب (وبما ان اجتماع مجلس النواب الكريم متاح وهو في العقد الثاني من اجتماعاته عملاً بالمادة 32 من الدستور، فضلاً عن انّه في دورة انعقاد استثنائية حكماً لمواكبة تأليف الحكومة الجديدة حتى نيلها الثقة عملاً بأحكام المادة 69 (فقرة 3) من الدستور. نتوجّه الى مجلسكم الكريم بواسطة رئيسه بالرسالة الآتية لاتخاذ الموقف او الإجراء او القرار المناسب بشأنها.”
واضاف “في الوقائع، نعلمكم بأن رئيس الحكومة المكلّف السيّد محمد نجيب ميقاتي قد اعرب لنا خلال لقاءاتنا لتأليف الحكومة، كما اعرب لسوانا، عن عدم حماسته للتأليف لأسباب مختلفة، منها ان الأولوية هي لانتخاب رئيس واذا حصل ذلك فلماذا نبادر لتشكيل حكومة – او قوله ان لا مصلحة في تأليف حكومة جديدة وتحمّل كامل المسؤولية بصفته رئيساً لها في حال خلوّ سدّة الرئاسة في حين ان لا مسؤوليّة كاملة عليه والحكومة في حال تصريف اعمال – وكانت لقاءتنا تدور في حلقة من العراقيل المتنقلة التي تفرغها من كل تقدّم مفيد وعملي على صعيد التأليف وتدل على عدم رغبته بتأليف حكومة تمثل امام مجلسكم الكريم لنيل الثقة ووضع حدّ لتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، حتى إن اتى مودٍّعاً لنا في القصر الجمهوري قبل ايام من انتهاء الولاية الرئاسية ابدينا اصراراً على التأليف داعين ايّاه الى الاجتماع مساءً في القصر للاتفاق على اصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً لأحكام الدستور. الاّ انه لم يأبه، ولم يعر اذناً صاغية حتى للوسطاء لبذل اي جهد على صعيد التأليف. ما رسّخ يقيننا بأنه غير راغب في تأليف حكومة بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف اعمال والمراهنة والرهان على الوقت كي تشغر سدّة الرئاسة. فيستحيل عندئذٍ التأليف بغياب الشريك الدستوري الكامل في تأليف الحكومة.
الأدهى والأخطر، وهو ما لا اوافق عليه قطعاً، ان تمارس هكذا حكومة لا تتولّى اختصاصها الذي ناطه الدستور بها في المادة 17 منه الاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، صلاحيّات رئاسة الجمهورية وكالة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي صلاحيّات يمارسها الرئيس تحت القسم ولا يستطيع توليها من انحسرت دائرة اختصاصه اصلاً بعدم توافر ثقة مجلسكم الكريم بسلطته. وما يزيد في الأمر خطورة ان رئيس حكومة تصريف الأعمال، المكلّف والممتنع عن التأليف، يرغب في عقد جلسات لمجلس الوزراء ورقابة مجلسكم منعدمة، مخالفاً مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق ومبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وهو من ركائز نظامنا الدستوري الديمقراطي البرلماني (فقرة ج و هـ من مقدمة الدستور). ”
وتابع “ان الفوضى الدستورية التي تهدّد الكيان والميثاق مرفوضة منّا طالما انّنا في سدّة الرئاسة وقد اقسمنا يمين الاخلاص لدستور الأمة اللبنانية وقوانينها. وعند خلّو سدّة الرئاسة من دون انتخاب رئيس، تخلو الساح للممارسات والأعراف من دون رقيب او حسيب، فيُفرّغ الميثاق وتتفاقم الأخطار في مرحلة قد تكون الأخطرفي حياتنا العامة، والفراغ يراكم الفراغ والمعالجات الناجعة لأزماتنا تغيب وتنتفي ايضاً، والشعب يبحث عن سبل نجاة من معاناته الموروثة او المستجدّة بفعل يد البشر او غدر القدر، حتى إن لاحق بشائر خلاص تكمن في ثرواتنا الطبيعية، لا تجد ما يعوزها من تركيز جهد وتصميم وقدرة شرعية مستمدّة من حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية ورئيس للجمهورية.”
وأكد أننا “تريثّنا حتى اللحظة الأخيرة المتاحة قبل ان نوّجه هذه الرسالة الى مجلسكم الكريم بواسطة رئيسه علّ الوعي والحسّ والضمير الوطني يعودوا الى من يجب ان يتحلى بهم في هذه الأزمنة منعاً لمراكمة الفراغ على الفراغ، ما دعانا، والأمر على ما هو عليه من خطر داهم بالفراغ الكامل على صعيدي الرئاسة والسلطة الاجرائية، الى ان نتوجّه اليكم ودعوتكم بصورة عاجلة وماسة الى ان تتم فوراً ومن دون اي ابطاء، الاجراءات التي تقتضيها هذه الرسالة والظروف الخطيرة التي دفعتنا اليها، ما يجعل مجلسكم الكريم عاملاً وفاعلاً ومنقذاً الوطن مما يهدّده من جرّاء الفراغ والرهانات الخطيرة عليه والموصوفة اعلاه، فينتخب رئيس جمهورية او تؤلّف حكومة في اليومين المتبقيين من ولايتنا ونتفادى جميعنا حافة الهاوية التي اعتمد سياستها من ائتمنتم على تأليف حكومة جديدة، وهو الرئيس المكلّف الذي يرفض تأليف حكومة جديدة بقرار سياسي منه، فيؤبّد حالة التصريف ويفاقم الفراغ فراغاً ويسطو على رئاسة الجمهورية، وهي معقودة بميثاق العيش المشترك لسواه، مراهناً على ممارسة صلاحيّاتها في حين ان المادة 62 من الدستور تنيطها وكالة بمجلس الوزراء حين خلوّ سدتها لأي علّةٍ كانت، وحكومة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق تستحيل عليها هذه الممارسة وهي التي لا تمارس اصالة كامل اختصاصها الدستوري!
امّا الحكومة المكتملة الأوصاف الدستورية، فإنّها تمارس وكالة (اي حتى حلول الأصيل) هذه الصلاحيّات عندما تنعقد في هيئة مجلس وزراء وبإجماع اعضائها، باستثناء الصلاحيّات اللصيقة بشخص رئيس الجمهورية.”
وقال “إنّ حكومة، فقدت سلطتها الدستورية لجهة ممارسة دائرة اختصاصها بالكامل بعد بدء ولاية مجلسكم الجديد الذي لم يمنحها اي ثقة، في حين ان الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، وانتم الأحدث والألصق بإرادته، وسدّة الرئاسة على مشارف يومين من الخلوّ، انمّا هي حكومة فاقدة الشرعية الشعبية وبالتالي الشرعية الدستورية والميثاقية، سيّما في ضوء هذه الظروف القاسية وغير المسبوقة التي يمر بها لبنان وشعب لبنان. كل ذلك بسبب عدم نص الدستور على صلاحيتي بسحب التكليف ومعاودة الاستشارات النيابية، ولأن الرئيس المكلّف يحبس التأليف ويؤبّد التصريف مراهناً على الفراغ القاتل لميثاقنا وهويّتنا ودستورنا وكيانناً والمهدّد لاستقرارنا الأمني.
ان رئيس الحكومة المكلّف لم يعتذر، والاّ كنّا بادرنا الى استشارتِكم والتشاور مع رئيس المجلس وكلّفنا والّفنا وتجاوزنا الأخطار والفوضى الدستورية التي تستولد كل الحالات الشاذة. وعليه يتوجّب على دولة الرئيس المكلّف ان يعتذر، لكي يصار فوراً الى تكليف سواه واصدار مراسيم التشكيل فور ذلك تجنّباً للفراغ – هذا اذا لم يبادر مجلسكم الكريم الى نزع التكليف، فيما هو من اعطاه ايّاه.”
واضاف “نتوجّه اليكم بهذه الرسالة لنطلعكم على واقع الحال وننبّه ممّا يمكن ان تنحرف اليه الأمور في ما هو ليس من مصلحة البلاد، عملاً بمسؤولية مجلس النواب واختصاصه في التكليف ومن ثم في منح الثقة للحكومة والمساءلة والمحاسبة، تمهيداً لمناقشة هذه الرسالة الفورية في الهيئة العامة بالنظر الى ضرورات الإنقاذ من الأخطار التي تتهدّد لبنان وشعبه وميثاقه ودستوره وكيانه، والتخفيف من معاناة شعب لبنان الذي اولاكم سلطاته وسيادته – منذ اشهر قليلة، فتتحقّق من خلال مجلسكم الكريم الشراكة الوطنية وضرورات “ميثاق العيش المشترك الذي لا شرعيّة لأي سلطة تناقضه”، وان يتّخذ مجلسكم الموقف او الإجراء او القرار اللازم تفادياً لهذا الأمر.”