كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
في محاولة تتبّع المريض الرقم صفر بالكوليرا في لبنان، لا تكفي العودة إلى سوريا فقط، بل إلى العراق أيضاً، الذي تشهد محافظاته الشمالية تفشياً جديداً للمرض لم يحصل منذ 10 سنوات، من دون تسجيل وفيات حتى اللحظة. أما في سوريا، وعلى مقربة من الحدود اللبنانية، فتنتشر الكوليرا بشكل كبير. ولمكافحتها أنشأت الدولة السورية مستشفيات الاستجابة الأولية، ومستوصفات مخصّصة لإعادة ترطيب أجسام المرضى فقط (تعليق الأمصال)، وذلك في طرطوس، القصير، وقرى الجرود على السلسلة الشرقية، إلا أنّ المناطق الأشدّ تضرراً هي المحافظات الشمالية، سيّما الرقة ودير الزور حيث يزيد عدد الحالات المشتبه بها عن الألف في كلّ مقاطعة (قضاء) من المحافظة، وحيث تمّ إنشاء مستشفيات متخصّصة في علاج الكوليرا فقط، وصل عددها إلى 14.
مصابون جدد
ما سبق، يدفع للاستنتاج أنّه رغم وجود حالة طوارئ في بلد مجاور، بقيت حركة الناس عبر المعابر البرية معه طبيعية، لا تشهد أي إجراءات استثنائية. بالتالي، كان وصول الكوليرا إلى لبنان مسألة وقت فقط، وتطوّرت لبنانياً نتيجة لانهيار الخدمات الصحية في البلاد تبعاً للأزمة الاقتصادية.
حركة الناس بحرية بين بؤر التفشي وبين المناطق السّليمة ستؤدي حتماً إلى انتشار أوسع على الخارطة اللبنانية، أمس دخلت الضاحية الجنوبية وقرية زفتا الجنوبية سجلّ الحالات، ولا يُستبعد أن تنضمّ مناطق أخرى في الأيام المقبلة في حال بقي العلاج على عاتق منشورات التوعية فقط، من دون معالجة الأسباب المتعلقة بتوفر الكهرباء، وتشغيل محطات تكرير المياه وضخّها.
الوضع السوري
بالعودة إلى سوريا، تنتشر الكوليرا منذ نحو الثلاثة أشهر بشكل مقلق في 9 محافظات من أصل 14، إذ تمّ تسجيل 5856 حالة إسهال مائي شديد وفق تقارير مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توفي منها 43، عدا الـ16 ألف حالة المسجَّلة رسمياً. إذاً، تسلّلت الكوليرا إلى لبنان في غفلة تامة عن الدولة بكلّ أجهزتها التي تصرّفت على أنّ لبنان جزيرة معزولة. وبسبب سوء وضع الصرف الصحي ستنتشر الكوليرا لا محالة، إلّا إذا أُعلنت حالة طوارئ صحية حقيقية، وعادت الكهرباء إلى المناطق الموبوءة، أقلّه، لتأمين تكرير المياه وتعقيمها. فالمسؤولية هنا لا تقع على الجهاز الطبي وحده، هو يعالج النتيجة لا الأسباب. إعلان حالة الطوارئ الصحية يستلزم أولاً إنشاء مستشفيات ميدانية معنية حصراً بمعالجة مصابي الكوليرا دون غيرهم (إعادة ترطيب الجسم، ووحدات عناية خاصة للحالات المتقدمة)، فالمراكز الطبية العادية لا يجب أن تستقبل حالات كوليرا كي لا تتسبّب بعدوى وانتشار بين المرضى.
ربما أخطر ما في الكوليرا هو انتشارها في المناطق الفقيرة، ذات الخدمات الصحية الضعيفة، والبنية التحتية المهترئة. وأكثر ما يساعد على انتشارها ضعف التوعية في المجتمع حول الوباء المنتشر، وادّعاء المرضى أنّ ما يصيبهم اليوم «إسهال عادي»، كما جرى أيام وباء كورونا وتشبيهه بـ»الكريب».
الدور التركي
تنتشر الكوليرا أيضاً في العديد من بؤر النزاع حول العالم، وكان فيليب باربوزا رئيس فريق مكافحة الكوليرا في منظمة الصحة العالمية قد حذّر من «تفشيات جديدة للكوليرا أكبر، وأكثر فتكاً»، مع نسبة وفاة أعلى بثلاثة مرات في المناطق الأكثر فقراً حيث لا تُقدم العناية الطبية الأولية بشكل سريع. أما في سوريا والعراق، فلا بدّ من الإشارة إلى دور تركي مساعد في عودة المرض عبر التخفيض المتكرّر لمستوى نهر فرات، بل وقطع المياه عن محافظة الحسكة لأكثر من 30 مرة، ما دفع الناس هناك للتفتيش عن مصادر مائية أخرى غير آمنة أدّت إلى انتشار الكوليرا بشكل كبير.