كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لن يتمكّن ذوو الحاجات الخاصة من الإلتحاق بمقاعد دراستهم، فالأمر مرتبط بدعم الجمعيات التي تعنى بهم، عشرات الطلّاب سيبقون في منازلهم منسيين بعدما باتوا على شفير خسارة مراكز تدريبهم التي تواجه الإفلاس، ومصيرهم رهن وزارة الشؤون الإجتماعية التي بيدها الحلّ والربط.
هي المرة الأولى التي يقف فيها محمد عاجزاً عن تسجيل ابنه في المدرسة التخصّصية، عنصر قوى الأمن بدا عاجزاً عن دفع 500 ألف يومياً كلفة علاج وتعليم ابنه من ذوي الحاجات الخاصة في جمعية تمكين التي تعنى بتعليم ومعالجة مثل هذه الحالات.
مرَّ 22 عاماً وهو عمر ابنه، ولم يقف مكتوفاً كما اليوم، فمصير دراسة وعلاج ابنه على المحك، «مش قادر إدفع بالكاد يصل راتبي الى ٨٠ دولاراً»، هذا ما يردّده محمد اليوم، يبكي بحرقة، فهو الذي يحاول أن يكون سنداً لابنه، ولكن «الدولة التي تجاهلت أصحاب الهمم القوية، هي السبب»، بحسب محمد «الجمعيات التي تعنى بأصحاب الهمم قليلة، فقط واحدة توفر التعليم والعلاج الفيزيائي والانشغالي وأيضاً تطوير المهارات الفردية، كانت تؤمّن التعليم والعلاج بشكل شبه مجاني، غير أن غياب الدعم عنها وضعنا في مأزق».
يجزم محمد بأن ابنه سيبقى في المنزل في ما لو لم تتوفر الإمكانيات، إذ لا تتوقف المعاناة عند الكلفة في الجمعية، بل أيضاً في النقل الذي يتطلب ميزانية خاصة، «وأنا بصراحة مش قادر».
عشرات الأشخاص من ذوي الهمم القوية لن يتمكنوا من الالتحاق بصفوف الدراسة هذا العام، ما زالت صفوفهم فارغة، فيما أصحاب الهمم في المنازل. بانتظار الثالث من تشرين موعد بدء الدراسة موعد مرتبط بالدعم و»إلا سنتأخر في فتح الصفوف» تقول باسلة منصور إحدى المسؤولات في جمعية «تمكين» ، يعز عليها وقد حضرت مع الفريق الإداري كل الترتيبات لعودة الطلاب، أن تبقى مقاعدهم فارغة، وحدها صورهم تزين الأبواب المغلقة، تقول «ما قادرين نعمل شي، كل شيء مرتبط بالدعم».
تأخّر بدء العام الدراسي في جمعية «تمكين» للعيش باستقلالية، إحدى الجمعيات التي تعنى بذوي الحاجات الخاصة، وقد يطول الأمر، ما لم تحوّل وزارة الشؤون المساعدات المالية العالقة منذ ثلاث سنوات، كل الجمعيات التي تعنى بذوي الحاجات تعاني، وضعها المادي ليس بخير، وبالتالي أمامها خياران إما استيفاء الكلفة كاملة من الأهل وهو أمر مستحيل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، أو تأخير انطلاق العام الدراسي، وهو أمر يضع أصحاب الهمم عند خطر خسارة آخر فرصهم بالتعليم وتطوير قدراتهم، لا سيما أن المدارس الرسمية وحتى الخاصة غير مؤهلة لاستقبالهم، ولم يدخل نظام الدمج في التعليم، ما زالت هذه الفئة على الهامش، رغم امتلاكها مهارات مميزة.
في النبطية ثلاث جمعيات تعنى بذوي الهمم القوية، «الإمداد» وهي متخصّصة أكثر بالتأهيل والتدريب المهني، «عيون البراءة» و»تمكين» التي تعنى بالتعليم والعلاج والتدريب، وبالتالي تبدو أكثر المتأثرين بغياب الدعم، فمعظم أساتذتها تسرّبوا الى جمعيات أخرى بحثاً عن الراتب الأعلى، فرواتب الأساتذة وحتى المعالجين الفيزيائيين داخل هذه المراكز الشريكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية ما زالت على دولار الـ1500 الأمر الذي سيعيق انطلاقة العام الدراسي وفق ما تقول مديرة الجمعية روحية اسماعيل، واصفة ما يحصل اليوم «بالجريمة بحق أصحاب الهمم والجمعيات»، مؤكدة أن الوزارة لم تحوّل المساعدات المالية، ولم ترفع الكلفة الإنتاجية وفق منصة صيرفة، لتأمين استمرارية الجمعية والمصرف لا يسمح سوى بسحب ١٠ ملايين ليرة شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي لتوفير المازوت للمولد».
وقد عرضت اسماعيل معاناة الجمعية على وزارة الشؤون ولكن «لا تنده ما في حدا»، بحسب اسماعيل «رحنا لنشكيلو صار يبكيلنا».
تكاد تكود حركة أصحاب الهمم داخل القسم الانشغالي محدودة، وهناك تخوف من خسارتهم المركز على حد ما تقول والدة فادي، الذي يخضع لعلاج فيزيائي وانشغالي داخل الجمعية بكلفة زهيدة، ولا تخفي قلقها من «اضطرارها للتوقف عن التمرين لابنها بسبب ارتفاع الكلفة إذا قررت وزارة الشؤون التملّص من هذا الملف».
تتعدّد القصص داخل المركز، هنا تتعرف إلى شاب فقد قدرته على الحركة بسبب حادث سير، يحاول التغلب على نفسه، وفي المقلب الآخر طفلة تخضع لعلاج لقدميها لتتمكن من السير، وفي قسم آخر يحاول يوسف أن يكتسب مهارات جديدة يحارب فيها صعوبة وضعه، وحدها تنهيدة اسماعيل تؤكد أن كل شيء قد يتعطل، ويفقد هؤلاء آخر باب دعم لهم، لافتة الى أنه ما زالت هذه الفئة مهمشة، ولا تحظى برعاية الدولة، من دون أن تخفي أن مصير الطلاب ذوي أصحاب الهمم وحتى الجمعيات التي تعنى بهم معلق بقرار الوزير ومصرف لبنان.
إذاً، على المحك يقف عام ذوي الهمم في مواجهة العام الدراسي، كل صرخاتهم طيلة السنوات الماضية لم تشفع لهم عند وزارة عجزت عن تأمين الدعم للأسر الفقيرة في لبنان فكيف بذوي الحاجات الخاصة؟