كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
إعتادوا أن ينهوا، أو حاولوا أن ينهوا معادلات موجودة باغتيال، بوضع مادة «تي أن تي» في مكان ما، تحت جسر، فوق جسر، في بيت، في حقيبة، في كنيسة، أو على قارعة طريق، او بتفجير- بمادة نيترات الأمونيوم- يهزّ وطناً ولا يهزّ ضميراً… من أجل تغيير معادلات والتأسيس لمعادلات… فهل نحن متجهون في هذه المرحلة الى اغتيالات جديدة؟ وهل الصورة الجامعة لكثير من النواب، من كتل عديدة، في الذكرى الأربعين لاغتيال فخامة رئيس الجمهورية الشيخ بشير الجميل، أقلقت بعض «الممانعين»؟ وهل المشهد العام في 2022 هو ذاته في العام 2007؟
النواب المعارضون والتغييريون كذلك، يتحدثون في هذه الأيام، في مجالسهم الخاصة كما العامة، عن مخاوف من تجدد الإغتيالات على عتبة استحقاق إنتخاب رئيس جديد للبنان، يراد أن يكون شبيهاً لراهنٍ، لجمودٍ، لطغيان منطق إستقوائي يبقي لبنان، لبنان الحلم، رهينة، لا قابلية له للحياة. ثمة نواب تلقوا تحذيرات جدية بهذا الإطار. وبعضهم بدأ بالفعل تغيير أسلوب حياته. أحدهم كان يتنقل عبر دراجة نارية فأوعز إليه بضرورة الإستغناء كلياً عنها. ثان طُلب منه عدم سلوك طرقات معينة وإذا اضطر وجوب الجلوس في المقعد الخلفي، على الجهة اليمنى لا اليسرى. وثالث طُلب منه الإنتقال من منزله المكشوف الى آخر محايد. ورابع طُلب منه التقليل من تنقلاته… فهل دخلنا في دهليز رُسمت آفاقه منذ 15 أيار الماضي، يوم انتهت الإنتخابات النيابية، وخسر «حزب الله» وحلفاؤه الأغلبية في البرلمان اللبناني؟
منذ اليوم الأول الذي أعقب صدور نتائج الإنتخابات النيابية أطل من يعلن وحيداً، عكس الأرقام والوقائع والحقائق: لدينا الكتلة الأكبر في البرلمان. التيار الوطني الحرّ رفض الإعتراف بتراجعه. ومنذ ذاك الحين بدأت التحضيرات الى ما يمكن «تغييره» واقعياً. الطعون كانت محاولة. والإغتيال، كما حدث في 2007، بحسب نديم الجميل، سيكون أيضا محاولة.
الأكثرية في خطر
ودخلنا في النفق. يومها، في 2007، راحوا يصطادون النواب، كما العصافير، واحداً تلو الآخر، واغتيل يومها بيار الجميل وأنطوان غانم ووليد عيدو وآخرون… ويومها، تحوّل أوتيل فينيسيا الى قلعة، أو لنقل الى حصن، ضمّ عشرين نائباً لبنانياً، كانوا في عداد من يمثلون الأكثرية يومها. ذاك الفندق الهامد يومها، المقفل، المعروض في السرّ للبيع، الذي طالما مدّ فيه أيام زمان السجاد الاحمر مستقبلاً ملوكا وأمراء ورؤساء، تحوّل الى حصن لنواب معرضين للإصطياد. يومها ألغيت النوافذ والستائر السميكة حجبت الداخل عن الخارج والنواب باتوا اسرى جدران الفندق الأربعة. فهل سيتكرر المشهد مع فارق أن فينيسيا «عطاكم عمره»؟
هناك من سيقول اليوم إن كل من يتحدث عن اغتيال يؤسس لأزمة. إنه يصطاد في مياه عكرة ليس إلا، لكن التجارب التي سبقت، والمعلومات المتتالية أمنيا، توجب الحذر.
إنها الأيام الخمسة والأربعون الأكثر سخونة. فهل نتلهى بعدها: 45، 44، 43، 42…؟ هل سيتمكنون من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ هل ستشتدّ المخاوف من اغتيالات إذا تبيّن لفريق لا يرضى الخسارة أن وليد جنبلاط سيكون، من خلال نوابه التسعة، في خانة من يقررون في آخر لحظة ما لا يرضاه الممانعون؟ هل سيصل رئيس لا يرضى عنه الفريق «المستقوي» بالنصف+ واحد؟
خوف غير مبرر
فلنسأل مصطفى علوش، النائب السابق الذي سكن بدوره أجنحة فينيسيا في 2007: فهل الظروف هي نفسها؟
يرى علوش «أن الخوف اليوم ليس مبرراً لأنه غير مبني على معطيات محددة» ويشرح «كان لدينا في 2007، لفريق 14 آذار، أكثرية واضحة المعالم، قادرة على إيصال رئيس لولا كل ما مارسوه من تعطيل، واستتبعوه باعتداء 7 أيار، ويومها كان المتهم بالإغتيالات واضحاً مثل الشمس، فريق «حزب الله»، وهو اعترف بذلك في الدوحة ووعد بإيقافها. أما الآن فهو ليس مضطراً الى تكرار نهجه السابق، وبالتالي لا أظن أن النواب معرضون لذلك من نفس الفريق، لكن الخوف بطبيعة الحال، في وضع هش مثل وضعنا، يوجب الإحتراز».
لكن، ماذا لو رأى الفريق الآخر أن النواب السياديين التقوا على وجوب انتخاب رئيس للجمهورية من المقلب الذي لا يرتضيه؟ يجيب علوش «على الرغم من الجولات واللقاءات الجامعة التي نراها لا تؤكد ان النواب السياديين سيُشكلون رأياً واحداً. لا شيء محسوم. وهؤلاء وإن حسموا مواصفات الرئيس فلن يحسموا اسم من سيرشحونه للرئاسة. و»حزب الله» في المقابل «يحفر الجورة» للجميع، وهو صامت كعادته، في ظل لاءات واضحة من رئيس المجلس النيابي لمنع وصول جبران باسيل. في كل حال، لا يمكن القول ان الأمر محسوم لأي جهة. والتغييريون الذين يعتبرون بيضة القبان لن يصدر عنهم، كما أظن، موقف واضح لأنهم يحاولون مغازلة الجميع».
بالتالي، لا يرجح الدكتور علوش إقدام «حزب الله» على نفس التكتيك الذي انتهجه العام 2007 «فالظروف ليست نفسها، كما ان وضع «حزب الله» ليس نفسه، لذلك لا أظن أنه سيُقدم على ذلك لتغيير المعادلات في الإستحقاق الرئاسي».
نطمئن؟ الإحتراس يبقى واجباً
لكن، هل من عناصر، أو لنقل مقاييس، تُحدد بدقّة درجة الخطر او الأمان؟ هل هناك ما يجعل اللبنانيين، قبل نوابهم، يضعون أيديهم في المياه الباردة؟
لا يخفى على أحد أن الجميع متوجس من المرحلة المقبلة، ومن الإنفلات الكامل للوضع الأمني، ونحن، إقتصادياً وسياسياً ومالياً وإجتماعياً، أمام أيام حاسمة. والتخوّف قوامه إغتيال لا معارك ومناوشات لأن الحرب تدور بين قوتين مسلحتين وفي البلد قوة مسلحة واحدة تقرر ما تراه. والسيد حسن نصرلله سبق وقال مراراً: ما تجربونا.
في كل حال، هل لنا أن نعرف كيف يلتقط «الأمنيون» في البلاد ذبذبات القلق من إغتيالات تُعدّ؟
خبير في الشؤون الأمنية وفي حماية كبار الشخصيات في لبنان قال «لا أحد محميّ مئة في المئة» ويشرح «إمكانيات كبيرة غير متوقعة باتت اليوم مؤثرة وبالتالي يتوجب علينا النظر دائما خارج الصندوق، فهل تتصورين أن حقيبة نسائية من نوع كريستيان ديور قد تتحول الى مسدس؟ هل تتصورين أن بطاقة إئتمان قد تكون سكينا؟».
كلام الخبير مقلق. والسؤال، هل نقول لنوابنا وللشخصيات السياسية في لبنان صلّوا الـ»أبانا والسلام» أو إقرأوا الفاتحة لتنجوا من براثن الشرير؟
يوزع الخبير الأمني الشخصيات الى أنواع: نوع VVIP ونوع VIP وهناك الشخصيات العادية والنيابية ويقول: «هناك أجهزة إستخباراتية تحدد من هو معرّض أكثر من سواه للإغتيال» ويعطي مثلاً «هناك تجارب ينطلقون منها وبينها اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبالتالي يُطلب عادة، في المحطات الحاسمة، أن تأخذ حذرها كي لا يتكرر سيناريو مشابه. والقيادات المعرضة يُطلب منها عادة السكن في أماكن محصنة وتوضع لها حراسة وتنقلاتها تتم باحتراف وتحدد لها المسالك التي يمكنها العبور منها وأمكنة الإجتماعات التي يسمح لها بالمشاركة فيها».
أخذ الحذر مكلف. وليس كل الشخصيات لديها القدرة على تحمل التكاليف نفسها، خصوصا الشخصيات السياسية العادية التي لا تستطيع توفير ما تحتاج إليه لتبقى سالمة معافاة، لذا يعتبر هؤلاء وحتى إشعار آخر أهدافاً سهلة. فهم غير قادرين على اقتناء سيارات عدة والسكن في أماكن مختلفة. أنطوان غانم كان في 2007 هدفاً سهلاً. هناك من رصده. هناك من يعمل دائماً على رصد الشخصيات التي يضمر بها شرّاً، خصوصاً إذا كانت من الشخصيات التي تتبع روتيناً معيناً: تخرج في ساعة معينة، تصل الى مجلس النواب في ساعة معينة، تخرج الى مطعم مجاور ظهراً، تنتقل في ذات السيارة. هذا الكلام معناه أن حماية نوابنا صعبة.
الأمن الوقائي
ماذا بعد؟ الأمن هو مسؤولية الدولة – هذا حيث تكون هناك دولة – الدولة تكون لديها معلومات عن إمكانية حدوث إغتيال ما فتطلب من سياسيين محددين – معرضين أكثر من سواهم – أخذ الحيطة والحذر و»الإهتمام بأنفسهم». في كل حال، تحاول بعض الأجهزة القيام بدورها والطلب من المعرضين «الإتصال بها عند ملاحظة أي تحرك». هذا ما يسمونه الأمن الوقائي. تستخدم عادة الأجهزة الأمنية الرسمية المعلومات المتقاطعة وتركبها كما «البازل» حتى تكتمل أمامها الصورة. وتوزّع تلك المعلومات عادة على الأشخاص المستهدفين. وعلى تلك الشخصيات أن تأخذ إحتياطاتها وتخفف تنقلاتها.
يتحدث خبير حماية كبار الشخصيات عن لحظة اغتيال رئيس وزراء اليابان شينزو آبي كمثلٍ يستحق التنبه إليه ويقول: «جهاز آبي الأمني إرتكب أخطاء تكتيكية أدت الى نجاح عملية اغتياله، فهناك هواة داخل ذاك الفريق كما ظهر، كما أن الحقيبة التي تضم درع الحماية لم تفتح، لعدم معرفة من يحملها ذلك، أو لعطلٍ فيها ربما، وهذا ممنوع في علم حماية الشخصيات». يضيف: «الشخص المسمى AIC – أي العامل في الخدمة – لم يتمكن أيضا من أن يصل إليه ويحميه على الرغم من مرور ثوان بين أول رصاصة أطلقت والرصاصة الثانية التي أصابته. وتلك الثواني نسميها في عملنا الفرصة الذهبية».
من تجارب الآخرين قد نتعلم. لكن، ما لا يمكن أن نفهمه هنا كيف مات كل من ماتوا في بلادنا في حوادث إغتيال ولم تكشف. وحده تفجير الكنيسة أرادوا أن يلصقوه بطرفٍ فأصدروا فيه حكماً. وأخطأوا. وما بقي استمر مجهولاً أو متجَاهلاً.
فهل الإغتيالات عائدة؟ هل نحن أمام أيام قادمة صعبة؟ فلنتأمل أن «تنذكر وما تنعاد» وتبقى المخاوف مدعاة للإحتراز ليس إلا. قولوا الله.