كتب أنطوان الفتى في “أخبار اليوم”:
صحيح أننا لسنا بمستوى دولة، يستقيل فيها أي مسؤول بسبب فضيحة، أو شبهة فساد.
ونحن نعلم أنه إذا طالبنا باستقالة أي وزير أو نائب، أو مسؤول، بسبب تجاوز من هنا، وآخر من هناك، فإننا قد ندخل التاريخ في مثل تلك الحالة، لأننا سنُصبح شعباً في دولة بلا حُكم. ولكن كيف يقبل أي إنسان عاقل، أن يسير “أحدهم”، أو “بعضهم”، بالقطاع الصحي في البلد الى الهاوية، بصمت، و”عا السّكت”، ووسط حالات مأساوية يوميّة، تتراوح بين الوعود، والوعود، ووعود بمزيد من الوعود، وبمزيد من اجتماعات “القطّارة”؟
“مَسْح”
وكيف يقبل أي عاقل، بأن تفرض العادة إجراء “مَسْح” يومي شامل للأزمات في البلد، على ألسنة كبار و”صغار” السلطة، بالإشارة الى كل شيء، من كهرباء، ومياه، وخبز، وإنترنت،… من دون جعل الخروج من انهيار القطاع الصحي، حاجة ضرورية ملحّة، بمستوى الحاجات الضّرورية المرتبطة بإعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلد؟
وبالتالي، ماذا يُفيدنا تشكيل الحكومات، ومساعي عَدَم السقوط بالفراغ الرئاسي، من دون أي إشارة واضحة الى انفراج قريب، يبرّد قلب “مرضى البلد”؟
مرآة
شدّد رئيس “الهيئة الوطنية الصحية – الصحة حق وكرامة” الدكتور اسماعيل سكرية على أن “القطاع الصحي هو أهمّ القطاعات في أي بلد”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “السبب في أننا لا نجد اهتماماً رسمياً حقيقياً في إخراجه من أزمته، هو أن القطاع الصحي في لبنان، تحوّل منذ وقت طويل، الى مرآة لتركيبة النظام اللبناني الموجود، بطوائفها، ومذاهبها، وقواها السياسية، كما بمؤسّساتها، ومستوصفاتها، وجمعياتها الخيرية. وبالتالي، الكلّ مُشارِك في انهيارات هذا القطاع”.
“دماء الصدّيق”
وأشار سكرية الى “أنني أشرت منذ سنوات الى مظاهر الفساد الكبيرة في القطاع الصحي، بالإحصاءات، والأرقام، والاستهلاك الفظيع، وأسعار الأدوية المُضاعَفَة… وصولاً الى حدّ كشف فضائح تُسقِط حكومات في المجتمعات الديموقراطية، وهي من مستوى مُرعب، مثل موت مرضى بسبب إبَر المياه، والأدوية المزوّرة، بالإضافة الى الفساد والسرقات في فواتير المستشفيات. ولكن المؤلِم هو أن الجميع كانوا يصمتون، لأنهم شركاء في “دماء هذا الصدّيق”.
وأضاف: “يوجد الكثير من الفساد في كلّ مكان، سواء في وزارة الصحة، أو في أماكن ومؤسّسات أخرى. فيما لا يهمّ المؤسّسات الصحيّة، وحتى تلك التي تعود الى كافّة المرجعيات الروحية في البلد، سوى تعزيز ذاتها، بينما تسعى كل طائفة الى تقوية مؤسّساتها هي وحدها، وهو ما يجعلها مُشارِكَة بالدّفع نحو انهيار القطاع الصحي، عن معرفة أو عن جهل”.
الحلّ؟
وأكد سكرية أن “من اعتاد على التعاطي مع قطاع الصحة، ومع صحة الناس بهذا الجوّ، أي كما لو كان يتحدّث عن وزارة خدماتية، و(من اعتاد) على التعامُل مع الدواء كما لو كان زفتاً لتزفيت طريق، لا ننتظر منه أن يرفع صوته، وأن يتحسّس جديّة انهيار هذا القطاع”.
وختم: “مهما حصل من تغيّرات سياسية في البلد، فإن لا شيء سيتغيّر نحو الأفضل، على صعيد القطاع الصحي، مع الأسف. فنحن نعيش في مناخ عام من الفساد، وفي نظام فشل فشلاً عاماً، وما عادت الحلول بتغيير سياسي من هنا، ولا بآخر من هناك، ولا بتشكيل حكومات، ولا بانتخابات رئاسية بحدّ ذاتها، فقط”.