انقلب سحرُ الدولار الجمركي على الحكومة مع تسجيل انكفاءٍ صريح عن تبنّيه من وزارة المال المُطالَبة من رئاسة الوزراء بالمضي في استكمال مشروع المرسوم المرتجَع من رئاسة الجمهورية والقاضي برفع تسعيرة الاستيفاء 13 ضعفاً لتصل إلى 20 ألف ليرة لكل دولار،من أجل احتساب قيمة البضائع الواجب التصريح بها للجمارك، وذلك بعد استطلاع رأي حاكم مصرف لبنان والتنسيق معه في هذا الشأن.
وبعكس التوجهات المضمَرة في كتابٍ رسمي تم تسريبُه، رستْ الحصيلةُ على تعميم «التهرّب» من مسؤولية القرار بعدما تيقّنت الأطراف السياسية داخل الحكومة عيْنها وخارجها «عدم شعبيته» نظير ما يحفل به من خلل فاضح لجهة معادلة منْح موظفي الدولة زيادات «مجزية» قد تُضاعِف مداخيلهم 5 مرات، لقاء تحميل الاقتصاد والمقيمين المنهَكين كافةً، بمن فيهم المُنْتَسبين للقطاع العام أكلافاً لن يَقْدروا على سدادها.
وتَرْجَمَتْ الأسواقُ النقدية والاستهلاكية جانباً من المَفاعيل المرتقبة لخيار تعظيم الضرائب والرسوم التي سيتكبّدها حُكْماً وحَصْراً الشاري الأخير للسلع والمواد، أي المستهلك. فبقوة السحر عيْنه، انتعشتْ المُضارَبات على الليرة لتهوي إلى مستوى 34 الفاً لكل دولار في مبادلاتِ الأسواق السوداء، فيما شهدتْ تسليماتُ المستوردين تقنيناً مشهوداً، قابَلَه أصحاب السوبر ماركت ومحلات البيع بعملياتِ إعادةِ تسعيرٍ محمومةٍ للسلع كافة سنداً إلى احتسابٍ مسبقٍ لتسعيرة الدولار الجمركي «المسرّبة» وتَحَسُّباً بما يفوق بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة السعر المتداوَل للدولار النقدي.
وبدت المواقفُ السياسية عموماً متهيّبةً مَخاطر التداعيات المعيشية المحتمَلة التي تتخطى المفاعيل الحقيقية للقرار في ذاته، وذلك ربطاً بعجز الحكومة عيْنها والسلطات عموماً، بما يشمل السلطة النقدية، عن التحكم ولو نسبياً بإدارة الأسواق ووجهتها، وهو ما يرجّح تقديراتِ تقريرٍ صادر عن بنك دولي مرموق يحذّر من خطر تفكك لبنان، في إطار سيناريو متشائم يستند الى تلكؤ الدولة في التزام تعهداتها مع صندوق النقد الدولي، ما يشي بتوقعاتِ تسجيلٍ انكماشٍ إضافي للناتج المحلّي الإجمالي وتدهورٍ أكبر في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي إلى 40 ألف ليرة مع نهاية السنة الحالية.
ويرتقب، في ضوء توسع جبهة الاعتراض والرفض للاقتراح المتداول برفع سعر الدولار الجمركي، أن يعمد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى صوغ اقتراحٍ بديل بالتنسيق مع وزارة المال والبنك المركزي، بحيث يتم «تقسيط» الفارق الكبير البالغ نحو 18.5 ألف ليرة على دفعاتٍ يجري تعديلُها تباعاً انطلاقاً من قاعدة 8 آلاف ليرة وحتى بلوغ الهدف المنشود وفقاً لمدى استيعاب الاقتصاد والمستهلك لكل دفعةٍ وهضْم مفاعيلها. وبذلك تتمّ الإستجابةُ لشروطِ جهاتٍ فاعلةٍ للسير بالقرار، والتلاقي في الوقت ذاته مع مطلب الهيئات الاقتصادية التي سيَعقد ميقاتي اجتماعاً مع وفد منها يوم الاثنين.
ووفق المعلومات المستقاة من مصادر معنية ومُتابِعة، يمكن الاحتكامُ إلى هذه القاعدة السِعْرية، كونها تتساوى مع السعر المعتمَد لصرف دولارات المودعين في البنوك. أما في حال اعتماد الخيار الثاني قيد التداول، والذي سيُفْضي إلى رفْع سعر الدولار الجمركي من 1515 ليرة إلى 12 ألفاً، فانه سيتعيّن الإيعاز الى مصرف لبنان المركزي بإدخال تعديل مماثل على سعر صرف دولار المودعين. علماً أن السعر عيْنه، أي 12 ألف ليرة لكل دولار، يَجْري احتسابُه حالياً لنحو 150 ألف مودع يستفيدون من حصصِ سحوباتٍ شهرية تبلغ 800 دولار يتم صرْفُها مُناصَفةً بالدولار النقدي (بنكنوت) وبالليرة اللبنانية.
وفي المقابل، يُظْهِرُ الجَدَلُ القانوني المستعر أن إضافةَ سعرٍ جديد لليرة بمسمى «دولار الاستيراد» لا يعدو كونه «هرطقةً» وَجدتْ فيها الدولة مَنْفذاً لزيادة مواردها من خلال استسهالِ زيادة الضرائب والرسوم على الجيوب الخاوية لجموع المقيمين والمكتوين أساساً بتقلّصات القدراتِ الشرائية وموجات التضخم المتوالية بمتوسطاتٍ لا تقل ّزياداتها عن 10 في المئة شهرياً، فيما تهمل الحكومات المتعاقبة، منذ انفجار الأزمات، أولويتيْ تحديد سعرٍ جديد وموحّد للعملة الوطنية وإقرار قانون وضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات بما يؤول إلى حفظ المتبقي من الودائع ويضمن حقوق السحب المتدرج بالتساوي بين المودعين.
وتضمّ التشكيلةُ السعرية للعملة الوطنية، السعرَ الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة، و8 آلاف ليرة لدولار السحوبات من الودائع في البنوك بموجب التعميم 151، و12 ألف ليرة لفئة المودعين المستفيدين من التعميم 158، و27 ألف ليرة للسعر المتحرّك عبر منصة البنك المركزي، ثم الأهمّ والواقعي 34 ألف ليرة الذي يمثّل سعر التداول الأحدث للدولار في الأسواق غير النظامية.
الرأي الكويتية