“الفتاوى” إلى التواصل الإجتماعي.. تمهيدٌ لثقافة القتل!

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

عكس الإعتداء على الكاتب الهندي – البريطاني، سلمان رشدي مؤلف رواية «آيات شيطانية» في نيويورك نهاية الأسبوع المنصرم، تفاعلاً في لبنان مع ثقافة القتل العابرة للحدود وتسخير وسائط التواصل الإجتماعي لترهيب زملاء صحافيين وقادة رأي نددوا بفتاوى القتل ومن يقف وراءها.

وعلى الرغم من أن الدعوة إلى القتل أو التهديد به يناقضان التعاليم السماوية ويشكلان جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون، فإن الفتاوى بهذا الشأن رغم عدم القبول بها، تعود إلى مرجعيات دينية «مرموقة» تهدف من خلالها إلى بعث رسائل ومخاطبة مجتمعات سياسية غالباً ما تكون ضدّ «أعداء الدين»، إلّا أن خطورتها اليوم في لبنان، تكمن في انتقالها من منابر المرجعيات الدينية إلى «جيوش إلكترونية» تأخذ من التطور التكنولوجي وسيلة للتحريض وتجنيد المزيد من المضللين وتهيئة الرأي العام لتقبل أي عملٍ عدائيٍ بحق من أرادوا اعتبارهم خارجين عن ثقافتهم أو معارضين لسياستهم، وليس آخرهم لقمان سليم الذي ترافق اغتياله مع إطلاق هاشتاغ #المجد_لكاتم_الصوت بعد سلسلة الإغتيالات التي شهدها لبنان والتي لم يسلم منها جبران تويني وسمير قصير، ونجا منها مروان حمادة وميّ شدياق في وطن يمجّد مناصرو القتل يوماً بعد يوم ثقافة الإلغاء لكلّ رأي آخر.

أعاد إقدام اللبناني – الأميركي هادي مطر على تنفيذ الفتوى الصادرة عن مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني منذ العام 1989، أي قبل ولادته وهو الذي لم يتعدَّ الـ 25 عاماً، إلى الأذهان، الإعتداء المماثل الذي تعرض له الأديب والروائي المصري نجيب محفوظ في العام 1994 إثر إقدام محمد ناجي على طعنه في رقبته خلال توجهه إلى ندوته الأسبوعية في مقهى قصر النيل، بعد الفتوى التي أصدرها الشيخ عمر عبد الرحمن بإهدار دم محفوظ لكتابته رواية «أولاد حارتنا» في العام 1959 والتي مكنته إلى جانب رواياته الأخرى من الحصول على جائزة نوبل في الأدب في العام 1988. وخلال المحاكمة أوضح ناجي انه لم يقرأ ولو سطراً من الرواية إنما أقدم على فعله امتثالاً لفتوى الشيخ عبد الرحمن، وهذا ما يفسح المجال للتساؤل ما إذا كان مطر قرأ رواية رشدي «آيات شيطانية» قبل الإقدام على فعلته، أم أن الجهل وتسويق الأفكار المعلبة دفعته إلى قضاء ما تبقى من حياته وراء القضبان.

وحول «التصدي» للمسّ بمشاعر المؤمنين مع التأكيد على حرية الرأي والتعبير التي تُعرّض المؤمنين بها إلى شتّى أنواع الحملات المنددة بمواقفهم وصولاً إلى التهديد بإراقة دمائهم، يوضح المحامي نزار صاغية لـ «نداء الوطن» أن فتوى القتل تعدّ تحريضاً على ارتكاب جرائم تتعارض والقوانين بعيداً عن المراجع الصادرة عنها، مؤكداً أن التحريض على إرتكاب جريمة أكان عبر المراجع الدينية أو حتى عبر وسائل التواصل الإجتماعي بحق صحافيين أو سياسيين أو أيٍ كان هو بحدّ ذاته جريمة تستوجب تحرّك النيابة العامة من أجل ملاحقة المحرضين على ارتكاب هذه الجرائم مشدداً في الوقت نفسه على دور وزير العدل في تحريك النيابات العامة وصولاً إلى اللجوء إلى التفتيش القضائي ومحاسبتهم على عدم التحرك واتخاذ الإجراءات الملائمة بحق المحرضين على القتل.

ولفت صاغية إلى أن «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» الصادر عن الأمم المتحدة وتحديداً المادة 19 منه تقيّد حرية التعبير التي ليست مطلقة وفق تعبيره، مؤكداً في السياق نفسه أن ما يحصل اليوم من حملات منظمة على وسائل التواصل الإجتماعي لا يمت بصلة إلى القانون ولا يتعلق في تحقير الشعائر الدينية إنما يعدّ استباحة لحياة الناس بعيداً عن القانون والأحكام القضائية التي أوجدها التطور الأساسي للحضارة بما يتناقض مع إصدار الفتاوى.

وعن التأقلم مع تعميم ثقافة التحريض على القتل، أشار صاغية إلى عدم قيام أيّ مرجعية لبنانية بإصدار فتاوى في القتل حتى اليوم، وشدد على وجوب عدم التسامح مع المحرضين على القتل وعدم التعامل مع هذا الأمر على أنه أمر عادي، ناقضاً بذلك مواقف وزير الثقافة محمد المرتضى «الخطيرة» التي أعقبت الإعتداء على الكاتب سلمان رشدي، واصفاً الكلام عن الكبار والصغار بالمخيف تحديداً وأنه صادر عن قاضٍ سابق يفترض به التأكيد على الأصول المتبعة في الدول الديمقراطية مؤكداً عدم القبول بأن يكون وزير الثقافة ملتزما ثقافة معينة، تناقض ثقافة الدولة التي تعبّر عن مستوى حضارتها، ما يعرض الحكومة والدولة إلى المساءلة.

واعتبر صاغية أن الصراع الإيديولوجي والدفاع عن المقدسات والهجوم المتبادل القائم اليوم كلها أمور تترافق مع الإعتداء على القضاء و»اغتصابه»، والإستيلاء على صلاحيته وصولاً إلى تأييد الفتاوى، مشيراً إلى أن التهديدات التي تساق بحق الصحافيين والمثقفين في لبنان لا يمكن وضعها في سياق «المزاح»، لترافقها والسياق المنظم الذي تعتمده القوى السياسية من خلال وقوفها وراء «جيوش إلكترونية» تحتّم على وزير العدل تحريك القضاء والنيابات العامة، للوقوف بوجه تحول الإختلاف بالرأي إلى التحريض والدعوة إلى استباحة الدمّ، مشيراً إلى أن الوصول إلى هذا المستوى يعني فقدان أي حسّ بالعدالة، والإنتماء إلى دولة منظمة قائلاً: «أصبحنا نعيش في شريعة غاب».

ومع تشديد صاغية على دور القضاء في التصدي لتشريع القتل وعدم الإستخفاف بالتهديد به، أوضح أن الفتاوى الصادرة عن المراجع الدينية تمثل ديناً معيناً وإيديولوجية معينة بما يتعارض مع الديمقراطية التي تقرر الشيء المناسب للمجتمع خلافاً للفتاوى، ليؤكد أن الخروج عن الأطر القانونية يفتح الباب أمام اتهام أيٍ كان بالعمالة والإرهاب والشذوذ الجنسي… والدعوة إلى قتله متسائلاً في الختام: اليوم حسن شعبان وديما صادق.. بكرا مين؟!

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …