صدر عن قضاة لبنان، بيان جاء فيه:
“متى عرفنا التاريخ وتعلمنا من تجاربنا السابقة، باتت مواجهة الحاضر غير عصية أبداً وأمسَى طريق المستقبل واضح المعالم؛ ومنذ الاستقلال، لم ينجح المشترع في سن قانون يكرس استقلالية السلطة القضائية فعلاً وواقعاً ويحقق مبدأي الفصل بين السلطات والتوازن فيما بينها بالرغم من حاجة المجتمع الماسة الى مثل هذا القانون الذي يوفر للمواطن الضمانات اللازمة للعيش في كنف دولة تستأهل الانتماء”.
وأضاف، “في الماضي القريب، دقَّ القضاة ناقوس الخطر في العديد من المرات محذِّرين من أن ظروف العمل قد لامست خط التعذر دون أن يلقوا آذاناً صاغيةً من السلطة التي تعمَّدت التجاهل في التعاطي مع مطالب القضاة المحقة، وذلك مرده إلى عددٍ من الأسباب أهمها: الرغبة المتعطشة لتقويض القضاء وإخضاعه وإذلاله على الدوام، وعدم وجود إرادة حقيقية لقيام قضاء قادر غير عاجز؛ وبالفعل، فقد بلغ السيل الزبى وأمسى التوقف النهائي عن العمل خياراً لا بد منه ومناصًا يتعذر اجتنابه”.
وفي البيان، توجّه قضاة لبنان إلى “الرأي العام بهذا البيان ليس من باب التبرير أو طلباً للتعاطف، بل من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح تحقيقاً للمصلحة العامة وحفاظاً على ما تبقى من أشلاء دولة وحطام مؤسًّسات”.
وأكّد أنّ، “حملات التضليل مستمرة وفبركات بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ممنهجة، وهي تهدف إلى ضرب هيبة القضاء والنيل من كرامة القضاة. فالحديث عن وعود وهندسات مالية ورشاوى عارٍ من الصحة، جملةً وتفصيلاً. وإلا فلماذا التوقف عن العمل؟”.
ولفت إلى أنّه، “هنا لا بد من الإشارة إلى أن راتب القاضي الأصيل الذي امضى في الخدمة ما يقارب الاربعين عاماً لا يتجاوز الثمانية ملايين ليرة لبنانية، خلافًا لما يُشاع من أخبار ملفَّقة تمسُّ السُّلطة القضائية في الصميم”.
وتوجّه القضاة إلى “الشعب المقهور” بالقول: “إنّهم نجحوا في تقسيمكم إلى قطاعات ومِلل؛ قطاع عام وقطاع خاص، موظفون ومتعاقدون، مدنيون وعسكريون، عاملون ومتقاعدون، وكل ذلك في سبيل إلهائكم في مصالح وزواريب ضيِّقة وتشتيت انتباهكم عن القضية الأساس ونعني بها دولة الحق والقانون، التي لا قيامة لها إلا بسُلطة قضائية مستقلة وفاعلة”.
وأضاف البيان، “من هنا لا بُدَّ من النهوض فقد آن الأوان للوعي والاستفاقة، وحان وقت السعي والمثابرة ولا بد من قول لا، لا لشريعة الغاب بعد اليوم، لا للتحريض والتقسيم بين أطياف المجتمع، لا للعمل بالسُّخرة لأي كان، لا لإرضائنا بفُتات من هنا أو هناك، وهم باموالنا يتنعمون وفي السخاء يسرفون!”.
وشدّد القضاة على أنّ “معركتنا ليست معكم، ومعركتكم ليست معنا أيضًا، فإما أن ننهض بالوطن معاً أو نغرق وإياه في بحور مظلمة”.
وتوجّه القضاة إلى أصحاب القرار بـ”رسالة واضحة وليس بمطالب أو أمنيات؛ أنتم المسؤولون، فلتجدوا حلولاً دون حجج أو تبريرات، وموجب التعويض يقع على عاتقكم وحدكم فلا تلبسوه لشعب بأكمله، ولا تحملوا الفشل للأكثرية الساحقة من القضاة الشرفاء ولا تراهنوا على موجب التحفظ والتزام الصمت بعد الآن، إنها فرصتكم الأخيرة للإصلاح وإنقاذ الوطن من الهلاك، فماذا أنتم فاعلون؟”.
وختم البيان، “نحن القضاة لم يعد بمقدورنا الوصول إلى المحاكم المظلمة الموحشة كي نقوم بعملنا، فالحكم بالعدل يتطلب صفاءً ذهنيًّا ومعنويًّا أمعنتم في إفقادنا إياه. ليسَ لنا أن نَستجدي وليس لغيرِنا أن يُجبرنا على مَا لا طاقة لنا به. تُجرِّدونَ القاضي من كل شيء وتطلبون منه كل شيء وتحملونه مسؤولية كل شيء. ليس واجبنا ان نرشدكم الى كيفية انقاذ السلطة القضائية، بل واجبكم أنتم. عسى أن تجدوا السبيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وإلا فعلى الوطن السلام”.