تقرير ندى ايوب جريدة الأخبار
بدأ مصرف لبنان يوقف تمويل استيراد البنزين بدولارات «صيرفة»، أو ما يمكن تسميته رفع الدعم عن البنزين. فبعدما كان سعر صفيحة البنزين مسعّر على أساس سعر الدولار على «صيرفة» بنسبة 100%، أصبح اليوم 85% والباقي يحتسب على أساس سعر السوق الموازية، وهذا الأمر الذي أبقى الأسعار مرتفعة رغم انخفاضها عالمياً. وكلما اتّسع الفرق بين سعر صيرفة وسعر السوق الحرة، سيرتفع سعر البنزين أكثر، لكنه سيبلغ مداه الأقصى حين يوقف مصرف لبنان الدعم بشكل نهائي عن البنزين ليصبح سعر الصفيحة محتسباً وفق سعر السوق الموازية بكامله مثل المازوت. ولهذا الأمر تداعيات على الاقتصاد، من أبرزها كلفة انتقال الأفراد ونقل البضائع والسلع ويضع طلباً إضافياً على الدولار في السوق الحرّة ما ينعكس ارتفاعاً في سعره.
ارتفعت أسعار البنزين الأربعاء الماضي بقيمة 14 ألف ليرة. ونجم الارتفاع عن تسعير 15% من صفيحة البنزين على سعر السوق الحرّة بدلاً من أن تكون بكاملها على سعر «صيرفة». هذا القرار اتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأبلغه لوزارة الطاقة ولشركات استيراد المحروقات. وبموجب هذا القرار، بات يتوجب على «المركزي» توفير 85% من الدولارات اللازمة لاستيراد البنزين على سعر صيرفة (25600) آنذاك، ويتوجب على التجّار توفير 15% من الدولارات اللازمة لاستيراد الشحنات من السوق الموازية بسعر 29900، وذلك خلافاً لما كان يحصل سابقاً حين كان المركزي يموّل 100% من الدولارات اللازمة لاستيراد البنزين على سعر «صيرفة».
سيتم تقليص حجم منصّة صيرفة وتقليص تمويل مصرف لبنان لها من الاحتياطي
هذا القرار ليس سوى بداية تليها قرارات مماثلة حتى تحرير «المركزي» نهائياً من عملية تمويل البنزين. وبشكل تلقائي، سيزيد هذا القرار وكل ما يلحقه، طلب التجار على الدولار في السوق الموازية، ما يسهم في زيادة سعر الدولار. وبدورها، ترتدّ هذه الزيادة في سعر الدولار على تسعيرة البنزين لتنعكس ارتفاعاً في مبيع سعر الصفيحة. لكن ارتفاع سعر الدولار بسبب الطلب الذي قد ينجم عن توقف التمويل عبر صيرفة، يمكن تقليص تأثيرها من خلال إعادة توجيه الدولارات التي كانت مخصصة لتمويل البنزين عبر صيرفة، لتمويل استيراد سلع أخرى. هذا الأمر قد يعالج مشكلة التسارع في ارتفاع سعر الدولار، إنما لا يعالج تداعيات ارتفاع سعر البنزين على المجتمع. وبحسب رئيس المركزي الاستشاري عبد الحليم فضل الله، فإن الحاكم يستهدف «تقليص حجم منصّة صيرفة نفسها، والتقليل من انتفاخها بعدما صارت كلفة التمويل عبرها في الأشهر الستة الماضية تقدر بما بين 4 مليارات دولار أو 5 مليارات دولار. هذه المليارات دُفعت من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، الذي يدعي الحاكم نفسه أنه بحدود الـ12 مليار دولار، ما يعني أن صيرفة استحوذت على ثلث مدخرات المركزي». كل المعطيات تدفع فضل الله إلى القول «سنشهد رفعاً تدريجياً للدعم باعتماد أسلوب زيادة تقنين التمويل عبر صيرفة، وصولاً إلى مرحلة تسعير صفيحة البنزين كاملة وفق سعر دولار السوق الموازية. هذا يعني زيادة الطلب على الدولار وتالياً ارتفاع سعره. وفي المقابل، سيتم تقليص حجم المنصّة وتقليص تمويل مصرف لبنان لها من الاحتياطي». في الأساس «صيرفة» تموّل من مصدرين: الدولارات المتأتية من التحويلات الخارجية والمتداولة في السوق، ودولارات الاحتياطي الإلزامي. وبهذا المعنى فإن التقليّص يشير إلى تراجع عدد العمليات وتخفيف ضخّ «المركزي» للدولار من الاحتياطي إليها، ومنها إلى السوق لدعم استيراد هذه السلع أو تلك. هذا الواقع يعبّر، برأي فضل الله «عن حقيقة الأمر، لكون عمليات الدعم الحاصلة إن عن طريق المنصة أو بموجب التعميم 161 وسواه من تعاميم مشابهة، لا تستند إلى تحوّل اقتصادي إيجابي يخلق تدفقات مالية، إنما هو فقط إدارة للتحويلات الخارجية وتوزيعها على القطاعات من جهة وجعل صيرفة نافذة تتدخّل عبرها الدولة في السوق باستخدامها جزء من الاحتياطي من جهة ثانية».
شلل السياسة النقدية والقطاع المصرفي عطّل آليات التدخل التقليدية في السوق كالتحكم بأسعار الاحتياطي والفائدة، فحلّت منصّة «صيرفة» كتقنية تدخّل وحيدة لمصرف لبنان، وعبرها خلق لنفسه دوراً بدعم سعر الصرف أو زيادة رواتب موظفي القطاع العام، بدعم هذه السلعة وتحرير أخرى. يتدخل من خلالها وبقرارٍ منه بالسياسة النقدية والمالية والاقتصادية، كما يحصل اليوم في ما يتعلّق بتقليص تمويل استيراد البنزين، وهو ما يصفه الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي بـ«تخطي سلامة لدوره باتخاذ قرارات مفترض أن تكون حكومية». بعد أن فَشِلَ سلامة في مهمته بالمحافظة على الليرة والنقد وانتظام عمل سوق النقد والقطع ومنع الانهيارات الكبيرة بالعملة الوطنية، والمساهمة في تنمية المجتمع ونمو الاقتصاد، ركّز عمله على تعاميم التشليح والتذويب لأموال الناس، بصفته ركناً أساسياً من أركان مافيا مالية تحكّمت بالبلد، وعملت بمنطق السمسرة.