أعاد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بعضاً من النفَس والروح إلى أهالي ضحايا انفجار المرفأ وعموم اللبنانيين الباحثين عن العدالة بالمذكرة التي أصدرها بحق دياب.
أعاد القاضي طارق البيطار خلط الأوراق في ملف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت. في مواجهة كل العراقيل والتمييع والحملات السياسية والإعلامية والاتّهامات بالتسييس والاستنسابية، يؤكد اليوم أنه مستمرّ في تحقيقه. فقد أقدم بجرأة استثنائية، وعلى نحو مباغت، على إصدار مذكّرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، المدعى عليه في الملف. دياب تبلّغ بموعد لجلسة استجواب اليوم ولم يحضر. امتنع. فكان البيطار بالمرصاد. خطوة البيطار، تأتي اليوم، بمثابة إعلان حرب، أو بالأحرى إعلان الاستمرار بالمواجهة من أجل كشف حقيقة انفجار المرفأ، وإحقاق العدالة لـ216 ضحية وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المتضررين وملايين اللبنانيين.
مذكرة إحضار دياب
حدّد البيطار موعد جلسة لاستجواب دياب في 20 أيلول المقبل، على أنه وفق قانون أًصول المحاكمات الجزائية، تتولّى النيابة العامة مهمّة تنفيذ مذكرة الإحضار. فتقول المادة 106 من القانون إنه إذا لم يحضر المدعى عليه أو الشاهد أو الضامن أو المسؤول بالمال الجلسة التي يحدّدها قاضي التحقيق “من دون أن يبدي عذراً مشروعاً، أو خشي قاضي التحقيق فراره، يصدر مذكرة إحضار في حقه تتضمن أمراً خطياً إلى قوى الأمن لتأمين إحضاره خلال أربع وعشرين ساعة من موعد الجلسة المقرر. وتتولى النيابة العامة مهام تنفيذ مذكرة الإحضار”. وبالتالي بات مهمّة تنفيذ مذكرة الإحضار بيد النيابة العامة، أو من تنتدبه في حالة ملف المرفأ، إذ سبق وأعلن القاضي غسان عويدات تنحّيه عن الملف وأوكل متابعته إلى المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري.
مهرب من التنفيذ
ولدى السؤال عن مصير هذه المذكرة، وإمكانية عدم تنفيذها، أفادت مصادر قانونية في اتصال مع “المدن” بأنّ النيابة العامة ملزمة بتطبيق القانون. إلا أنه يمكن أن تجد مخرجاً من هذا الأمر بالإشارة إلى “أنه تعذّر الوصول إليه أو تبليغه”. يمكن أن يكون عذراً مماثلاً قابلاً للترجمة أو القبول مع طافر في الجرود أو مجرم لاجئ إلى وكر خارج القانون. لكن لا يمكن تعذّر تبليغ أو إحضار مسؤول سياسي بموقع الرئيس حسان دياب. هو رئيس حكومة تصريف الأعمال، يجتمع مع ضيوفه، ونشاطه معروف، ويمكن حتى الاطلاع عليه من خلال جداول مواعيده المعلنة في السراي الحكومي. أم أنه سيطفر في أجنحة السراي؟ أو في محيط تلّة الخياط حيث يسكن في الطابق السادس من مبنى جرمقاني؟ فماذا سيكون مصير هذه المذكرة؟ هل تضرب السلطة السياسية مذكرة البيطار بعرض الحائط وتقرّر مواجهة التحقيق في جريمة 4 آب بهذا الشكل وبهذه الوقاحة؟ لا بد من ترقّب “همروجة” طائفية ومذهبية جديدة.
“الهمروجة” المذهبية
قد لا تتأخر بعض القوى السياسية عن إطلاق حملة تضامن مع الرئيس حسان دياب، من باب الحرص على موقع رئاسة الحكومة والموقع السنّي الأول. هي حملة Déjà vu (شوهدت من قبل)، سبق رؤيتها فعلياً وليس وهمياً. نظّمت حملة التضامن الأولى لدى ادّعاء البيطار على دياب مطلع تموز الماضي. وكانت محطّة لمصالحة بين الأخير وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، الذي زار السراي الحكومية متضامناً. ليكون مشهداً مخزياً آخر من قبل أركان هذه السلطة التي لا تنفكّ عن وضع العراقيل لتقويض تحقيق القاضي البيطار. وليكون ذلك حلقة جديدة من مسلسل ضرب التحقيق، بعد حلقات سابقة عناوينها الاتهام بالتسييس والاستنسابية وصولاً إلى إعلان تحدّي المحقق العدلي، أو الطلب منه تقديم ضمانات مسبقة بعدم توقيف المدعى عليهم خلال استجوابهم، مروراً بمنع منح الأذونات لاستجواب الضباط وتمييع مطلب إسقاط الحصانات عن نواب حاليين وزراء سابقين مدعى عليهم في الملف.
البيطار: أنا أقوى
القاضي طارق البيطار، التقى اليوم وفداً من أهالي ضحايا وشهداء مرفأ بيروت. وضعهم مجدداً في أجواء التحقيقات، وأكد على استمراره في متابعة الملف بالزخم نفسه وبالروح نفسها. شدّد، حسب ما قال عدد من زوّاره لـ”المدن”، على أنه “مستمرّ بالتحقيق حتى النهاية وفق كل الأطر القانونية ولديّ أدوات قانونية لاستجواب المدعى عليهم”. قال إنّ سلطته كقاضٍ أقوى من سلطة مدعى عليهم في الملف، وشدّد على ما معناه أنّ كل أعذار التأجيل والدفوع الشكلية ساهمت في تأخير التحقيق لكنها لن تجهضه. مضيفاً أيضاً أنّ الخطوات اللاحقة أهم من الخطوات التي سبقت.
وعلمت “المدن” أنّ الفرق التقنية باشرت عملية محاكاة ورشة التحليم في العنبر الذي أعيد بناؤه في مرفأ بيروت. وتشير المعلومات في هذا الإطار إلى أنّ “التجارب مصوّرة مع تقنيات علمية دقيقة منها موضوع الحرارة وقياس الضغط وغيرها”. وفي هذا الإطار، لا يزال القاضي البيطار يشدّد على أنّ كل الفرضيات لا تزال قائمة، بينما يستمرّ بالتحقيقات وحتى باستجواب أشخاص جدد.
اليوم، أعاد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بعضاً من النفَس والروح إلى أهالي ضحايا انفجار المرفأ وعموم اللبنانيين الباحثين عن العدالة. المذكرة التي أصدرها بحق دياب، جاءت بمثابة رسالة مواجهة وتحدٍ للسلطة المعرقلة. أعاد الكرة إلى ملعب السياسيين ومعرقلي التحقيق. أكد بشكل أو بآخر، على أنّ التحقيق لم ينته ولن ينتهي. ففي جعبته بعض الأوراق التي من شأنها تزخيم القتال من أجل الحقيقة.
المصدر: المدن