كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
ألقت قضية ملاحقة النائب البطريركي الماروني على القدس والأراضي الفلسطينية وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج، بشبهة ارتكاب جرم «مخالفة قانون مقاطعة إسرائيل، ومساعدة عملاء لبنانيين مقيمين في الدولة العبرية»، بثقلها على الواقع السياسي اللبناني المتأزم أصلاً، خصوصاً بعد السقف العالي لبيان المطارنة الموارنة، الذي طالب بإقالة مفوض الحكومة لدى المحاكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي يدير ملف التحقيق مع المطران الحاج، وقد يتجه للادعاء عليه بالجرم المشار إليه، بالإضافة إلى «التدخل بجرم تبييض الأموال وإدخال أموال ومنتجات إسرائيلية إلى لبنان».
وتسارعت أمس وتيرة اللقاءات والاتصالات لتطويق ذيول ما حصل، عبر اجتماع عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع وزير العدل القاضي هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، تم خلاله البحث في آلية معالجة الحادثة وتدارك تداعياتها، فيما طلب وزير العدل من المراجع القضائية المعنية «إفادته فوراً وخطياً بالتطورات التي حصلت في اليومين الماضيين، فيما يتعلق بالتحقيق مع المطران موسى الحاج، ومداهمة مصرف لبنان لإجراء المقتضى».
وفيما وضع تحرك وزير العدل المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، في خانة الاستثمار السياسي حتى لا يدفع الأخير أثمانها في الشارع المسيحي، أوضحت مصادر وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزير خوري «أراد عبر هذا الموقف الإحاطة بكل المعطيات القضائية لملف المطران». وأكدت أن وزير العدل «لا يزال يمارس دوره كوزير مهني أكثر مما هو وزير سياسي، ويعمل بروحية القاضي الذي يبحث عن الحقيقة في أي قضية تعرض عليه». وعما إذا كان طلب الوزير تسليمه جواباً خطياً على ما حصل مرتبطاً بزيارة سيقوم بها إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي، لشرح حقيقة ما حصل مع المطران، قالت مصادر وزارة العدل: «يجب أن يكون الوزير مطلعاً على المعطيات ليكون حديثه مع غبطة البطريرك واضحاً، ولديه أجوبة عن كل الأسئلة والاستفسارات».
وما إن غادر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات السراي الحكومي عائداً إلى مكتبه في قصر العدل، حتى اجتمع بمفوض الحكومة القاضي فادي عقيقي وبحثا في آخر تطورات هذا الملف. وفي إشارة واضحة إلى توفير الغطاء القانوني لإجراءات عقيقي، أشار القاضي عويدات إلى أن «القضاء العسكري لم يوقف المطران الحاج لما كما يروج عبر وسائل الإعلام، ولم يتعرض أحد لكرامته ومكانته الدينية والإنسانية». وقال عويدات في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا خلفية سياسية للإجراءات التي رافقت عودة المطران موسى الحاج إلى لبنان. مفوض الحكومة طبق القانون بما يخص الأموال والأدوية والمنتجات التي ضبطت مع المطران، بغض النظر عن خلفياتها الإنسانية»، مذكراً بأن القانون «يحظر إدخال منتجات إسرائيلية كالتي ضبطت، ومدون عليها كلام باللغة العبرية». وتوجه عويدات إلى السياسيين الذين ينتقدون الإجراءات المتبعة قائلاً: «لا تهاجموا القضاء الذي يطبق قانوناً أنتم من وضعه، وإذا أردتم عكس ذلك فعدلوا القانون».
وعن التناقض بين الإصرار على ملاحقة المطران الحاج حالياً، والقرار الظني الصادر قبل شهرين عن قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان الذي يمنع المحاكمة عن المطران نفسه بتهمة التعامل مع عملاء إسرائيليين، أوضح عويدات أن قرار القاضي صوان «استند إلى مادة في القانون الكنسي، التي لا تنطبق على القانون الجزائي في لبنان». وكشف عويدات أنه طلب من مفوض الحكومة إيداعه تقريراً مفصلاً بما حصل لرفعه إلى وزير العدل هنري خوري.
وتضاربت المعلومات حول حقيقة الاتصال الذي أجراه عقيقي بالبطريرك بشارة الراعي وطلب تحديد موعد من الأخير لزيارته، ورفض البطريرك استقباله قبل إعادة الأموال التي صادرها ووقف إجراءات ملاحقة المطران. واعتبرت مصادر مقربة من عقيقي أن هذه المعلومات غير صحيحة، وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأموال المصادرة لا تعود للمطران الحاج، لأنها أموال عملاء يقيمون في الأراضي المحتلة وليست أموال الكنيسة»، لافتاً إلى أن إدخال الأموال والمنتجات الإسرائيلية إلى لبنان «يخضع لقانون مقاطعة إسرائيل الذي يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات».
وأشارت المصادر إلى أن عقيقي «أطلع القاضي عويدات على المعايير المعتمدة للتفتيش على المعابر الحدودية خصوصاً مع فلسطين المحتلة، والتي يخضع لها الجميع بما فيها الدوريات التابعة للأمم المتحدة». وشددت على أن «كل الإجراءات التي اتبعها مفوض الحكومة كانت تحصل بالتنسيق المباشر مع النائب العام التمييزي».
من جهتها، دحضت المديرية العامة للأمن العام، المعلومات التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام، وزعمت فيها أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم اتصل بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، على أثر ما حصل مع المطران موسى الحاج في مركز أمن عام الناقورة الحدودي. وأكدت أن «هذا الاتصال لم يحصل، وأن ما ورد في التسريبات المزعومة هو من نسج الخيال». وأوضح بيان الأمن العام أن «ما قامت به عناصر الأمن العام في مركز الناقورة الحدودي مع المطران موسى الحاج، هو إجراء قانوني تنفيذاً لإشارة القضاء من جهة، والتعليمات الخاصة بالعبور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي يخضع لها كل العابرين دون استثناء». وشددت على أن «ما قيل عن سوء معاملة أو ما شابه من قبل عناصر الأمن العام مع المطران الحاج أثناء فترة وجوده في المركز، هو كلام غير صحيح»، مؤكدة أن «التعامل مع المطران كما مع غيره يتم وفقاً للأصول والمعايير القانونية والإنسانية، وفقاً لمدونة قواعد التحقيق والسلوك العسكري».
وبخلاف المواقف السياسية العالية السقف، والتي تهاجم القضاء العسكري حول هذه القضية، قال رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط في تغريدة له عبر «تويتر»: «أياً كانت الملابسات وراء توقيف المطران موسى الحاج إلا أنه من المفيد التنبيه بأن المعالجة الهادئة أفضل من هذا الضجيج، واحترام المؤسسات في هذا الظرف الصعب فوق كل اعتبار». وأكد جنبلاط «رفضه الاستغلال الإسرائيلي لمقام رجال الدين في محاولة تهريب الأموال لمآرب سياسية».