حرب الجيش ضد المخدرات لن تتوقف: لسنا بحاجة إلى أي غطاء وكل يد تمتد إلى عسكري ستقطع.
سقط ابن بعلبك برصاص آخر من أبناء بعلبك. الأول شهيد الجيش والوطن، شهيد الواجب الوطني والإنساني، الواجب الذي يقضي بالدفاع عن شبابنا وأولادنا ضد آفة المخدرات المدمرة، كما يقضي بوضع حد لتشويه سمعة لبنان وتحويله إلى بؤرة تصدّر الكبتاغون وسواه من السموم، بعد أن كان يصدّر الثقافة والإبداع. والثاني مجرم قاتل وسخ وقح. لكن لكل المجرمين نهاية، ووعد الجيش للبنانيين أنّه كما اقتص من قتلة سابقين سيقتص من سواهم، والحساب آتٍ ولو بعد حين.
سقط ابن بوداي العريف الشهيد زين العابدين شمص برصاص «الزعران» الخارجين على القانون المجرمين المطلوبين للعدالة، والذين يجدون من يحميهم ويغطي جرائمهم بأساليب شتى. وبينما كانت بلدة الشهيد مع أهله وأحبائه ومؤسسته في وداعه، كان رفاق له جرحى في المستشفيات يواجهون إصاباتهم وأوجاعهم، وكان له رفاق يتابعون تنفيذ المهمة.
ليست هذه المواجهة الأولى ولا هي الأخيرة التي يخوضها الجيش ضد الرؤوس الكبيرة في العالم لتصنيع المخدرات والاتجار بها، ولطالما سقط خيرة من رجاله شهداء وجرحى برصاص المجرمين وكمائنهم. لكنه يقوم بواجبه، ويواصل باللحم الحي تنفيذ مهمته الشريفة في حماية أهله من شرور المجرمين على اختلاف أنواعهم وتعدد مصادر حمايتهم.
دماؤهم لن تذهب سدى
اليوم «أبو سلة»، بالأمس آخرون، وغدًا أيضًا آخرون… المعركة طويلة وصعبة، لكنّ الجيش لن يتراجع. فالمسألة بالنسبة إليه ترتبط بالأمن القومي ولا مجال للتهاون فيها. وهو لن يسمح بأن تذهب سدى دماء رجاله الشرفاء الذين كلما سقط منهم شهيد ازدادوا عزمًا وتصميمًا على القيام بواجبهم، فدم كل شهيد وجريح أمانة غالية وأيقونة في أعناق الرفاق. هذا ما أكّدوه طوال مسيرتهم المعجونة بخميرة الشرف والوفاء والتضحية، وهذا ما يؤكّدونه اليوم من جديد، وسيؤكّدونه غدًا.
الواقع الصعب والقرار
ثمة واقع قائم في المناطق النائية أبرز معالمه غياب الدولة وانعدام الإنماء وفرص العيش الكريم، وفي المقابل تَجَذُّر سلطة العشائر ووجود اقتصاد يقوم على إنتاج المخدرات والإتجار بها والتهريب. في ظل هذا الواقع كيف يقوم الجيش بدوره في مكافحة المخدرات وسوى ذلك من أعمال غير مشروعة؟ وإلى متى يظل الجيش قادرًا على القيام بهذه المهمة التي كثيرًا ما تصطدم بمعوقات من بينها تغطية بعض أصحاب النفوذ لعمل تجار الموت؟
يؤكّد الجيش أمرين أساسيين: الأول تصميمه الثابت والأكيد على المضي في حربه ضد المخدرات والجريمة المنظمة، والثاني رفضه التدليل على منطقة بذاتها على أنّها بيئة حاضنة لتجار المخدرات. بل أنّه يُثمن احتضان المواطنين له وتقديرهم لجهوده الجبارة في هذا المجال، ففي المناطق التي يرتبط ذكرها تلقائيًا بقضية المخدرات، يجد الجيش بيئة تدعمه وتزوده خيرة رجالها الذين ينضوون في صفوفه.
لا هدنة مع عصابات الجريمة
بالنسبة إلى الجيش من الخطأ لا بل الخطيئة حصر قضية محاربة آفة المخدرات، تصنيعًا وإتجارًا وتسويقًا وصولًا إلى التعاطي المدمّر للبيئة المجتمعية، في منطقة أو مناطق بعينها، إنما هي تجتاح كل لبنان وتحولت إلى وباء فتّاك يدمّر المجتمع لا سيما جيل الشباب. عمل الجيش في مواجهة هذه الآفة هو عمل تراكمي مستمر لا يتوقف، ولا مجال فيه لالتقاط الأنفاس، لأنّ لا هدنة مع عصابات الجريمة المنظمة التي تنشط على مدار الساعة في الداخل وفي الخارج عبر محاولاتها المتكررة لتهريب المخدرات على أنواعها إلى دول شقيقة وصديقة.
والأمر لا يقتصر على الجهد الداخلي والتنسيق بين الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، إنما يتعداه إلى البعد الخارجي كون هذه القضية تحولت منذ زمن إلى قضية عالمية، وهناك تعاون وتنسيق بين الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية ومثيلاتها في الخارج، فالمعركة شرسة وتحتاج إلى صبر واعتماد النفس الطويل.
قرار الجيش في الحرب على المخدرات لا يرتبط بقدرته أو عدم قدرته، إنما هو عمل مستمر لا هوادة فيه وغير مرتبط بأي ظروف اقتصادية أو إمكانات لوجستية، لأنّ أي تهاون يعني تضييع المنجزات وعودة عصابات الجريمة المنظمة لمسك زمام المبادرة، والجيش لن يتوقف عن المواجهة وإنهاء هذه الآفة.
مهمة وطنية متواصلة
يُعدّ المطلوب علي منذر زعيتر واحدًا من أخطر الرؤوس الكبيرة في عالم المخدرات والجريمة المنظمة، وتوجد في حقه مئات مذكرات التوقيف بتهم الإتجار بالمخدرات والسرقة والخطف وسواها من عمليات خارجة عن القانون. وقد جاء قرار مداهمته بالاستناد إلى ما توافر لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني من معلومات نتيجة عملية رصد دقيقة ومعقدة شملت المجموعات المتعاملة معه وصولًا إلى الحلقة الضيقة المحيطة به. وفي حين ظهرت بعض التحليلات حول توقيت العملية وأهدافها، فالواضح أنّ المسألة بالنسبة للجيش ليست بالتوقيت، ولا بربط العملية باعتبارات واستحقاقات. فالحرب على المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة مهمة وطنية متواصلة، وكلما توافرت عناصر حاسمة حول أحد الرؤوس الخطيرة تتم دراسة المهمة من مختلف جوانبها ويصار إلى تنفيذ العملية لإلقاء القبض على هذا الرأس الخطير أو ذاك، وهذا الأمر ينطبق على المطلوب للعدالة الملقب بـ«أبو سلة»، بعدما توافرت عناصر دامغة عن وجوده حيث جرت المداهمة.
كان الجيش على قاب قوسين أو أدنى من الإمساك بـ«أبو سلة» وقد وصل إلى عقر وكره، ولكن… ثمة أكثر من «بحصة» قد تخرج من عقال الصمت يومًا. يكفي القول أنّ الجيش يختار دومًا التضحية برجاله على تعريض سلامة المدنيين للخطر، هذا ما حصل في الشراونة كما في أماكن كثيرة من قبل، مع ذلك خرج من يتهم الجيش بالإفراط في استخدام القوة. في هذا السياق لا بد من التذكير بأنّ الجيش يعرف ماذا يريد كما يعرف حجم القوة المطلوب استخدامها في تنفيذ مهماته، وهو يتكبّد الخسائر البشرية والمادية ويرتقي منه شهداء ويسقط جرحى، بسبب حرصه الشديد على احترام المعايير الإنسانية في أي عملية ينفذها، ولو أراد الإفراط في استخدام القوة لما تكبد خسائر في الأرواح، ولما استطاع «أبو سلة» الفرار.
رسالة
ماذا عن هدم ما يُعرف بالـ«ربعات» التابعة لمنازل «أبو سلة» ومساعديه؟ لقد عمل الجيش على هدمها ليقول بوضوح إنّه مصمم على تدمير الأوكار التي يستخدمها المجرمون لإدارة عملياتهم الوسخة، كما يُدمر مصانعهم التي تنتج السموم، ويلاحق عصاباتهم التي تتولى الإتجار بها وترويجها. وحربه على المخدرات هي حرب على أخطر ما يهدد المجتمع، كون آفة المخدرات تدمّر المجتمع من داخله، وبالنسبة إلى الجيش محاربة عدو ظاهر أسهل من محاربة عدو مستتر يعبث بكل مقومات السلام المجتمعي الداخلي، ويدمر سمعة لبنان.
تكامل الجهود
يُشكل العمل الاستخباراتي الأساس الصلب في حرب الجيش ضد المخدرات، وهو يتكامل مع العمل الميداني الذي تشارك فيه إلى جانب المخابرات القطع المنتشرة على الأرض وفق قطاع مسؤوليتها. وفي هذا السياق يمكن اعتبار عمل اللواء السادس نموذجًا لجهود الجيش في تدمير مصانع الكبتاغون وسواها من أنواع المخدرات، وفي إلقاء القبض على المصنعين والتجار. ينتشر هذا اللواء في منطقة بعلبك الممتدة من السفري، إلى شعت واليمونة وبريتال وحورتعلا والكنيسة، وصولًا إلى دار الواسعة والشراونة، ومن ضمن مهماته محاربة الجرائم المنظمة. تجوب دوريات هذا اللواء شوارع المنطقة وطرقاتها كما تنتشر حواجزه الثابتة والظرفية لحفظ الأمن وتوقيف المطلوبين والمخالفين. أما المداهمات التي يقوم بها في سياق محاربة المخدرات والجريمة المنظمة بشكل عام فهي تكاد تكون يومية. وأسفرت جهوده عن تدمير عدد كبير من معامل الكبتاغون وسواها من المواد المخدرة، ومصادرة كميات هائلة من هذه المواد فضلًا عن توقيف المئات من الضالعين في العمليات غير المشروعة. بالنسبة للواء السادس لا خطوط حمر تقف في وجه عملياته، فهو يداهم أي مكان يشكّل وكرًا من أوكار الضالعين في قضايا المخدرات تصنيعًا وإتجارًا، وهو يميّز بوضوح بين أبناء المنطقة التي ينتشر فيها والذين يتعاطفون مع الجيش، وبين المطلوبين للعدالـة الذيـن يلاحقهـم من دون هوادة.
كثيرًا ما تتعرض قوى اللواء السادس كما سواه من القطع، لإطلاق النار خلال المداهمات، وهذا ما يُكلفه تضحيات غالية في صفوف عسكرييه، لكنّه يتابع عمله بتفانٍ مزوَّدًا توجيهات واضحة من القيادة التي تعتبر مسألة المخدرات مسألة أمن قومي، والواجب الوطني يقضي بعدم التهاون فيها.
خلال السنوات الأخيرة ازدادت وتيرة المهمات الأمنية التي ينفّذها اللواء السادس بسبب ارتفاع نسبة الجرائم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة. وقد شاركت وحداته في العملية الأخيرة التي نفّذتها مديرية المخابرات في 3 حزيران 2022 لإلقاء القبض على المطلوب علي منذر زعيتر في الشروانة. فعلى أثر تعرّضها أثناء العملية لإطلاق نار كثيف، طلبت دورية المخابرات من اللواء السادس مؤازرتها. وعلى الفور نفّذ اللواء عملية دهم واسعة. وبعد يومين توسّعت العملية وطُلب من فوجي المغاوير والتدخل السادس المؤازرة في تنفيذ العملية التي أسفرت عن ضبط كميات كبيرة من الأسلحة الحربية، ومن المخدرات إضافة إلى السيارات المسروقة، فضلًا عن توقيف العديد من المطلوبين ومن بينهم الشخص الذي قدّم المساعدة الطبية للمطلوب «أبو سلّة» ولأربعة من مساعديه بينهم إثنان من أخطر المطلوبين.
من أكبر العمليات التي شنّها الجيش مستهدفًا الرؤوس الكبيرة في قضية المخدرات ومصانع الكبتاغون، تلك التي قامت بها مديرية المخابرات في 31 تموز من العام الماضي، حصلت العملية في حور تعلا ونتج عنها توقيف 31 مشتبهًا به ومقتل أحد المطلوبين الخطيرين ومصادرة كمية كبيرة جدًا من المخدرات والأسلحة والذخائر وتدمير 4 مصانع مخدرات. استمرت تلك العملية التي كانت غرفة عمليات القيادة تتابعها لحظة بلحظة 4 ساعات، وأصيب خلالها أحد العسكريين.
الموقوفون بالعشرات
أعداد الموقوفين خلال مداهمات الجيش الأخيرة ولغاية 7 حزيران كانت بالعشرات، وهؤلاء يحالون مع الملف على القضاء المختص تباعًا بعد إنجاز التحقيق معهم. أما ما أفضت إليه التحقيقات فيبقى طي الكتمان حفاظًا على سلامة التحقيق من جهة، وحرصًا على عدم تعريض عمليات الحرب على المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة للضعف والخطر.
ماذا يعني ذلك؟
صادر الجيش خلال المداهمات ذخائر عليها كتابات بالعبرية، فماذا يعني ذلك؟ هذا لا يعني بالضرورة ارتباط من وجدت عندهم هذه الذخائر بالعدو الإسرائيلي، فعصابات الجريمة المنظمة من تجار المخدرات وسواهم تشتري الأسلحة والذخائر من السوق السوداء أيًا كان مصدرها ونوعها، ومن دون التدقيق في مصدرها معظم الأحيان. إلا أنّ هذا الأمر لم ولن يهمل، وهو محل متابعة وجزء أساسـي من التحقيقـات ركّـزت على هذا الجانـب لمعرفـة المصـدر.
نحن في تصرّف الجيش
تزامنًا مع عمليات الدهم التي نفّذها الجيش لتوقيف مطلوبين في تهمة الإتجار بالمخدرات في منطقة الشراونة – بعلبك، أصدرت عائلات البقاع بيانًا شدّدت فيه على التعاون الكامل مع الجيش مؤكدة أنّها مستعدة لمؤازرته في عملياته ضدّ الخارجين عن القانون وتجّار المخدرات.
وجاء في البيان: «نحن عائلات بعلبك الهرمل ولمؤازرة جيشنا الوطني نضع كل إمكاناتنا بتصرف قيادة الجيش ومديرية المخابرات للاقتصاص من هؤلاء القتلة المجرمين الذين لا يراعون حرمة أهالي المنطقة ويسلبون الناس أموالهم على أعين الملأ». واعتبرت العائلات أنّ العريف الشهيد زين العابدين شمص «هو شهيد الدفاع عن الناس المظلومين الذين لم يحترم هؤلاء المجرمون لهم حرمة ولا مالًا ولم تنل منطقتنا منهم إلا الأذية والرذائل».
الأرض أرضنا والشعب شعبنا