رغم مرور أكثر من أسبوع على وصول المشتقات النفطية من إيران والوعود بالحلحلة السريعة لمشكلة توزيع البنزين وغيره من المشتقات، إلا أنّ الحقيقة أنّ أزمة الوقود بقيت على ما هي عليه، وإن لم نقل إنّها ازدادت سوءاً، فهي على الأقل على ما هي عليه كما كانت خلال الأسابيع الماضية، فرسائل البنزين المدعوم التي كان من المفترض أن تصل بحسب الإعلان الحكومي مرة كل عشرة أيام وبواقع 25 ليتراً للتعبئة الواحدة، باتت تصل في مدة زمنية تتراوح بين 14 و19 يوماً.
وكانت الحكومة السورية قد خفضت حصة المواطن مالك السيارة من البنزين المدعوم من مئة ليتر إلى 75 ليتراً شهرياً، على أن تصله الرسالة كل عشرة أيام، إلا أنّ الرسائل تتأخر في حقيقة الأمر، ما يجعل المواطن لا يحصل إلا على تعبئتين مدعومتين شهرياً بسعر 1100 ليرة لليتر (50 ليتراً)، وفي المقابل مئة ليتر غير مدعوم بشكل منتظم بمعدل عشرين ليتراً أسبوعياً بسعر 3500 ليرة لليتر العادي، ومثلها من البنزين العالي الجودة (أوكتان 95) ولكن بسعر أربعة آلاف لليتر الواحد.
المشكلة هنا تكمن في توافر المادة عينها، فالكازيات التي تبيع بالسعر الحر (3500 ليرة) هي محدودة، وكذلك كازيات البنزين العالي الجودة، ما يجعل المواطن هذه الأيام ينتظر دوره للتعبئة في محطة الوقود لساعات طويلة، قد تتجاوز أحياناً نصف يوم بحاله.
ورفع السوريون سقف آمالهم خلال الأسبوع الفائت بحل أزمة الوقود، معولين على التصريحات والمصادر التي أكدت بدء انفراج الأزمة تزامناً مع وصول ناقلتي النفط الإيرانيتين إلى سواحل بانياس والبدء بتكرير النفط في مصفاة بانياس وضخه إلى الداخل السوري، إلا أنّ الواقع حتى اللحظة لا يشير إلى انفراجات في توزيع المادة، مع الأخذ في الاعتبار إمكان تبدل الحال بين لحظة وأخرى، لا سيما في ظل وعود رسمية، كان “النهار العربي” ذكرها سابقاً بأنّ توالي وصول شحنات النفط من إيران سيكون منتظماً في الفترة القادمة في ظل افتتاح الخط الائتماني الجديد بين دمشق وطهران.
اللافت في الأمر أنّ محطات وقود الرسائل المدعومة ليس هناك أي نوع من الازدحام عليها، ما يطرح سؤالاً لما لا يتم تنظيم محطات البيع الحر والأوكتان العالي على الرسائل، وبالتالي تلافي مظاهر الطوابير الممتدة لكيلومترات طويلة.
في الانتظار
“انتظرت يوم أمس الأول أكثر من 12 ساعة في دور أمام كازية الجلاء أوكتان 95 في دمشق ومن ثم انتهى البنزين قبل أن أتمكن من التعبئة، عاودت الكرة يوم أمس، وتمكنت بعد جهد جهيد وانتظار مرير من التعبئة، ولكن هل هذا منطق؟، هل هكذا سنمضي أيامنا؟، ضيعت يومين بحالهما على محطة الوقود، وأخشى أن تستمر هذه الحالة كل أسبوع”، يقول المهندس نبيل فريج لـ “النهار العربي”.
مواطنون ينتظرون في دور أمام محطة “حبيشي” في نهر عيشة في دمشق أفادوا بأن الطابور أطول من المعتاد بكثير رغم عدم وجود بنزين في المحطة، “ننتظر قدوم الصهريج، عسى يحالفنا الحظ ونعبئ اليوم”، يقول ماهر. ويعلق محمود: “أنا أبعد مسافة ليست طويلة نسبياً عن المحطة، أتوقع أن أتمكن من التعبئة بعد وصول الصهريج”.
وما يزيد الطين بلّة، هو دور المتنفذين في محطات الوقود، وهذا الدور تجاوز في مكانه “الخط العسكري” أو “خط الطوارئ” بل صار حكراً على من يدفع أكثر ليدخل بشكل مخالف إلى المحطة، أصحاب السيارات يشتكون بكثرة من هذه الظاهرة متسائلين أين الدور الرقابي للمعنيين بتنظيم الدور من الشرطة أو غيرها؟.
يسأل الحقوقي جوني يازجي خلال حديثه مع “النهار العربي” إن كانت هذه الظاهرة مرتبطة فقط بسوريا، “لم نسمع أنّ لبنان بعز أزمته الحالية كانت فيه هذه الممارسات غير المقبولة، علماً أنّه يعاني مثلنا في تأمين موارده، أهل يعقل أنّه ما من أحد قادر على التدخل لوقف هذه الممارسات على دور محطات الوقود ومساواة الناس ببعضهم بعضاً، أين وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك؟”.
البدائل
بدأ الكثير من السوريين يلجأون لاستخدام الدراجات النارية بديلاً من السيارات في ظل أزمة الوقود الخانقة ما أدى لانتشار هذه الدراجات في الشوارع بشكل غير مسبوق، رغم كل ما تسببه من إزعاجات وحوادث.
الجهات المعنية في الحكومة السورية بدأت أخيراً بحملة غير مسبوقة لمصادرة هذه الدراجات غير المرخصة، مصادر أفادت “النهار العربي” عن إيقاف الشرطة لأكثر من مئتي دراجة نارية حتى الآن خلال الشهر الجاري في دمشق فقط.
الجديد في الأمر هو ظاهرة “التكسي دراجة نارية” وهي دراجات كان يستخدمها أصحابها كتاكسي لنقل المواطنين مقابل أجور مادية كبديل من وسائل النقل التقليدية التي صارت قليلة أو مرتفعة الثمن في حال التاكسي.
ظاهرة التكسي دراجة نارية أمر يستحق الوقوف عنده بعد أن صارت ظاهرة فعلية بكل ما تحمله من مخاطر ومخالفات قانونية، مخاطر تتعلق بعدم جاهزيتها لحمل عدد كبير من الأفراد وعدم ارتداء معدات الحماية المعروفة وتحمل ما تحمله من مخالفات على أساس أنّ الدراجة النارية لم تصمم لتكون بديلاً من تكاسي الأجرة. وكذلك عدم حمل سائقي هذه الدراجات رخص قيادة نظامية، فأحياناً يمكن ملاحظة ركوب ثلاثة أو أربعة أشخاص وقد يكون بينهم أطفال على الدراجة الواحدة.
وفي حال لحظ المخالفة يتم توقيف الدراجة وصاحبها لمدة عشرة أيام من قبل شرطة المرور وتغريمه مبلغ 25 ألف ليرة سورية للمرة الأولى وتشدد العقوبة للمرة الثانية.
مصدر مطلع أفاد “النهار العربي” أنّه قريباً قد يتم اتخاذ إجراءات تمنع دخول السيارات إلى أحياء دمشق القديمة وقد يكون البديل منها الدراجات النارية والهوائية المرخصة والمسموح لها بالسير في الشوارع، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف تتم دراسة استبدال الدراجات بالسيارات في الأحياء القديمة؟، أهل هو تخبط إداري وتنظيمي جديد في دمشق؟. فكيف يكون أمر ما مسموحاً وممنوعاً معاً في ذات الوقت؟، نعم، يحصل هذا في سوريا.
وسيلة الغلابة
وحول قانون إعادة ترسيم المركبات النارية يقول المواطن فايز حمدو وهو سائق دراجة نارية: “يجب أن يكون هناك عدل في قانون ترسيم الدراجات النارية المخالفة، فبدلاً من تحصيل المخالفات لسبع سنوات ماضية، وكل سنة بستة آلاف، أي 42 ألف ليرة حتى الآن، لما لم يبلغونا في حينه أنّه يتوجب علينا الدفع سنوياً؟، يجب أن يتم العفو عمّا مضى، والبدء بالدفع من هذه السنة، وهذا يكون عادلاً”.
أما أحمد محمود وهو سائق سيارة عمومية فيؤكد أن الدراجات النارية أمر خطير للغاية: “فسائقوها لا يتقيدون بإشارات المرور، ويسيرون بعكس الطريق، وفي منتصف الطرقات الرئيسية والمركزية، منذ فترة قليلة انقلبت سيارة في نفق العباسيين بسبب دراجة نارية، يجب حتى منع الدراجات من المرور تحت الأنفاق، صحيح وضع البلد صعب، وهذا مبرر لاستمرار وجود الدراجات النارية، ولكن يجب الزامهم بقوانين السير وبصورة صارمة وإلا فالسجن نتيجة ما قد يسببونه من مخاطر وحوادث، ونحن نسمع يومياً عن وفيات بسبب الدراجات النارية”.
ورغم أنّ بعض الدراجات النارية “نوع بارت – ماركة شعبية” سعره جديداً نحو أربعة ملايين ليرة ومستعملاً بين مليون ومليوني ليرة، إلا أنّه يظل وسيلة نقل الغلابة، الغلابة الذين يستدينون لشرائه، والذين لا طاقة لهم على أجور “التكاسي”، بيد أنّ أكثر ما يسيء الى هذه الوسيلة هو استخدامها من مراهقين يقودونها برعونة جعلت من السهل وسم كل راكبيها بالتهور.
النهار