كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
في بلاد الطوابير، تعيش مناطق الشمال يومياتها، فهي الأكثر تأثراً بهذه الظواهر بين المناطق. وأضيف إلى رزمة الطوابير هذه المرة، طابور الأفران، وتوزعت أفران الشمال بين مقفلة لعدم توفّر مادة الطحين كما كُتب على أبوابها، أو غارقة بطابور يُعرف أين يبدأ ولا يعرف أين ينتهي.
في غمرة هذا الوضع المحموم، كلّف أمس ابن طرابلس عاصمة الشمال نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، ستكون هي الرابعة له في حال تشكّلت،حيث خرج النواب الذين سمّوه إلى المنصة في بهو قصر بعبدا، لتبدأ التصريحات والتبريرات بأن ميقاتي هو الأجدر ليستكمل جهود الإنقاذ ويمضي في خطة التعافي.
هذا هو الوضع في بعبدا، أما في مدينة المكلَّف وضواحيها، فإن الناس يبحثون عن ربطة خبز وينتظرون لساعات بالطوابير ومنهم من يصل الليل بالنهار، ويداوم أمام الأفران حسب دواماتها. وكما التكليف السابق قابلت طرابلس التكليف الجديد لميقاتي ببرودة تامة، لأن الهموم المعيشية المتفاقمة أخذت من الناس جل وقتهم وبات أبناء الشمال الباحثون عن رغيف الخبز لا تعنيهم الحكومات ومن سيشكّلها، لأن الحكومة القابعة في تصريف الأعمال لم تفعل شيئاً لإنقاذ البلد بقدر ما زادت على الناس الضرائب وفاتورة المعيشة، وحالها في ذلك حال كل الحكومات السابقة بما فيها حكومات ابن المدينة نجيب ميقاتي.
وبالعودة إلى طوابير الخبز التي تتحكّم بالشمال منذ أيام فلا يبدو أي حل لها في الأفق، بعدما نفض وزير الإقتصاد يده من الأزمة وقفز فوقها مرشّحاً نفسه لرئاسة الحكومة بعد «النجاح الباهر» الذي حققه في إعادة سعر ربطة الخبز إلى الألف ليرة. وعلى سيرة الأسعار، فإنه وعلى هامش طوابير الخبز التي لا تنتهي فصولها، وأعداد النازحين الكبيرة فيها، ظهرت بسطات لبيع الخبز في أكثر من منطقة الأمر الذي أعاد إلى الأذهان زمن بسطات البنزين، لتباع ربطة الخبز الواحدة في البسطة بأكثر من 40 ألف ليرة، أي 4 أضعاف سعرها الرسمي، على أن هذه البسطات يديرها نازحون سوريون وثمة من يقول إن أصحاب الأفران يلجأون إلى هذا الأسلوب لاستغلال الأزمة وتحقيق أكبر قدر من الربح المادي في أسعار الخبز.
وفي وقت لم تخلُ هذه الطوابير من بعض الإشكالات، ثمة مخاوف من حصول إشكالات أكبر وربما تؤدي إلى سقوط ضحايا كما كان يحصل إبان أزمة البنزين والمازوت. بالمقابل وفي وقت يختفي الخبز العربي بنوعيه الأبيض والأسمر من المحلات والسوبرماركت هي الأخرى، فإن أنواع الخبز الإفرنجي وخبز النخالة والشوفان تملأ الرفوف وقد تضاعفت أسعارها بفعل الأزمة. ويلجأ البعض ممن لا يودّون الوقوف بالطوابير إلى شرائها، ويشتكون من أسعارها التي زادت بشكل كبير، وسط تساؤل المواطنين عن السر في اختفاء الطحين الذي يصنع منه الخبز العربي كما تدعي الأفران ووجود الخبز الإفرنجي بهذه الكثرة، ليخلص المواطن إلى أن أزمة الخبز مفتعلة مثلها مثل كل الأزمات التي لا تنفك تنهال عليه منذ أكثر من 3 سنوات، لاعتقاد السلطة الحاكمة، أنه كلما زاد الضغط على المواطن وزادت أزماته، رضخ للواقع واستسهل رفع الأسعار، لأنه يبقى بالنسبة إليه أفضل من الوقوف في طوابير الذل ومن مشقاتها.
كما أن أزمة الخبز في طرابلس والشمال جعلت أبناء المنطقة يبحثون عن الرغيف في المناطق المجاورة جنوباً وصولاً إلى شكا والبترون حيث حصل ازدحام أيضاً أمام الأفران وحكي عن حصول إشكالات لأن تلك الأفران لم تستطع أن تؤمن الخبز حتى لأبناء المنطقة نتيجة التهافت غير الطبيعي الذي حصل عليها.