أثارت دراسة نشرت في 5 حزيران/ يونيو الحالي في دورية “The New England Journal of Medicine” الأمل في نفوس ملايين الناس الذين يصابون بمرض السرطان سنويا.
الدراسة انتهت إلى أن استخدام عقار “دوستارليماب” (Dostarlimab) على مرضى “سرطان المستقيم الغُدّي” أدى إلى نسبة شفاء 100% لكل العينات الخاضعة للتجربة، في نتيجة غير مسبوقة ولم تحدث من قبل في تاريخ دراسات مرض السرطان.
أُجريت الدراسة على مجموعة صغيرة من مرضى سرطان المستقيم في المرحلة الثانية أو الثالثة، الذين يعانون نقصا في جين “إصلاح عدم التطابق” المتسبب في حدوث الورم، على أن يتناولوا جرعة كل 3 أسابيع لمدة 6 أشهر، تُتبع بجرعات من العلاج الكيماوي أو الإشعاعي أو الجراحي إذا دعت الحاجة.
تُمثِّل حالات نقص جين “إصلاح عدم التطابق” 5-10% من حالات سرطان المستقيم، وهذا النوع تحديدا لا يستجيب جيدا للعلاج الإشعاعي أو الكيماوي، ما يضطر الكثير من المرضى إلى الخضوع للحل الجراحي، باستئصال الورم والأنسجة المحيطة به، وما يترتب على ذلك من فقدان التحكم في عملية الإخراج والإضرار بالأعصاب المارة في المنطقة.
لذلك كان هذا العقار الجديد نسبيا طوق النجاة لهذه الفئة من المرضى، خاصة في المرحلة الثانية والثالثة، حين ينتشر الورم إلى الأنسجة المحيطة بالمستقيم، وقبل أن يبدأ انتشاره إلى أعضاء بعيدة في الجسم.
وكانت منظمة الغذاء والدواء (FDA) قد أعطت موافقة مستعجلة لشركة غلاسكو الدوائية لاستخدام عقار “دوستارليماب” لعلاج حالات الأورام السرطانية الصلبة المتقدمة، وذلك في آب/ أغسطس عام 2021. وطُرح العقار تحت اسم “جمبرلي” (Jemperli) على هيئة سائل شفاف يُحقن في الوريد، ويخضع لدراسات مستمرة لمراقبة تأثيره على أنواع السرطانات المختلفة، مثل سرطان بطانة الرحم، وسرطان الرئتين، وسرطانات الجهاز الهضمي، وفق تقرير لـ”الجزيرة نت”.
ويتكوَّن عقار “دوستارليماب” من أجسام مضادة لبروتين يسمى “الموت المبرمج 1” (Programmed death 1) ويُختصر إلى (PD-1). في الحالات العادية، يعمل هذا البروتين على تثبيط نوع من “الخلايا التائية” لحماية الجسم من أمراض المناعة الذاتية، أي إنه يمنع أن يهاجم الجسم نفسه. ولكن في حالات الأورام السرطانية، يستخدم الورم هذا البروتين للتخفي من الجهاز المناعي وحماية نفسه من هجوم الجهاز المناعي، فتتكاثر الخلايا الخبيثة وتنمو في أمان. لذلك، فإن تعطيل هذا البروتين باستخدام العقار يجعل الخلايا السرطانية مكشوفة للجهاز المناعي مرة أخرى، على وجه الخصوص تلك الخلايا التي تفتقد جين “إصلاح عدم التطابق”.
وتوبعت عينة الدراسة المكوَّنة من 12 شخصا لمدة 6 أشهر على الأقل بعد انتهاء جرعات العقار، ولم يجد الباحثون أي أثر للأورام لدى أي من المشاركين، سواء باستخدام الفحص اليدوي، أو الفحص بالمنظار، أو الرنين المغناطيسي، أو المسح الذري، أو حتى بأخذ عينة من مكان الورم.
وأدَّت هذه النتيجة إلى إعفاء جميع المشاركين بلا استثناء من استكمال العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، لأنه لم يعد يوجد أثر للأورام تماما. بالإضافة إلى اختفاء الأورام الأولية، وبعد متابعة تتراوح مدتها من 6 أشهر إلى 25 شهرا، لم تحدث أي انتكاسات أو تطور للمرض في أي من الحالات، وحتى تاريخ نشر الدراسة لم يخضع أي من المشاركين للعلاج الإشعاعي أو الكيماوي أو الجراحي.
وتكمن أهمية الدراسة في أن سرطان القولون والمستقيم يحتل المركز الثالث على مستوى العالم من حيث الانتشار، وهو أيضا ثالث أكثر السرطانات انتشارا في الرجال، وثاني أكثرها انتشارا في النساء بعد سرطان الثدي. وفي عام 2020 فقط، فقد ما يقرب من مليون إنسان حياتهم نتيجة الإصابة بسرطان القولون أو المستقيم، ويُعَدُّ هذا المرض ثاني أكبر سبب للوفاة بين مرضى السرطان.
لكن رغم النتائج الباهرة لدراسة عقار “دوستارليماب”، التي تخطت نتائج كل الدراسات السابقة لها، فإن صغر حجم العينة يجعلها غير كافية لتقرير ما إذا كان هذا الدواء فعالا وآمنا حقا أم لا.. وتحتاج هذه التجربة إلى التكرار مرة أخرى، وعلى عينة أكبر من الحالات حتى تتأكد النتائج، ولكن هذا لا يمنع أن نتائجها مبشرة وتدعو للأمل.