كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
انقطع «النفس الأخير» لدى موظفي وزارة الصحة العامة. وبعدما فاقت الظروف القاهرة القدرة على احتمالهم، أعلنوا التوقف «الاضطراري» عن العمل في كل وحدات الوزارة لمدة أسبوعٍ كامل، يبدأ توقيته صباح الإثنين المقبل. 180موظفاً تقريباً وصلوا إلى القرار مدفوعين بسببين أساسيين: أولهما السبب المعيشي والمستمرّ منذ بداية الانهيار المالي، وثانيهما «لامبالاة» الدولة تجاه حقوقهم.
كلفة النقل مرتفعة
في السبب الأول، وصل الموظفون إلى قناعةٍ اليوم بأنه «لم يعد بالإمكان الاستمرار في هذا العمل، فما نتقاضاه من رواتب بالكاد يكفي فقط للذهاب إلى الوزارة والعودة منها، فيما المصاريف الأخرى تسير بالدّيْن»، على ما تقول إحدى الموظفات. هذه الأخيرة واحدة من بين كثيرين يقطنون خارج مدينة بيروت، حيث مركز عملها، وتضطر في كل يوم لقطع عشرات الكيلومترات، ذهاباً وإياباً، من أجل راتبٍ هزيلٍ بالكاد يبلغ أساسه المليون و800 ألف ليرة «هي بدل ثلاث صفائح من البنزين لا تكفيني حتى آخر الشهر».
كثيرون من زملائها يجدون اليوم أنفسهم عاجزين عن الالتزام بدوامات العمل، خصوصاً أنهم في الوزارة، وعلى عكس الوزارات والإدارات الرسمية الأخرى، لم يلتزموا بقرار الحضور المحدّد بيومٍ أو يومين من العمل بل واظبوا على الحضور اليومي، ما ضاعف مشاكلهم، لناحية تأمين مصاريفهم. أضف إلى ذلك أن العمل بات صعباً في ظل الانهيار، وفي بعض الأحيان يسيّرها هؤلاء بما أمكن «وأبسط الأمثلة أننا كنا نحضر معنا مدافئنا من البيت في الشتاء إلى المكتب ثم نعيدها معنا إلى البيت مع انتهاء الدوام، وكذلك الحال في فصل الصيف كنا نحضر معنا المراوح بسبب الحرّ الشديد في المكاتب مع توقّف أجهزة التكييف».
ولا بدل نقل
أما في السبب الثاني، وهو الذي «زاد الطين بلّة»، تقاضي الموظفين رواتبهم أواخر الشهر الماضي من دون بدل التنقّل الذي أقرّته الدولة، حيث لا يزال هؤلاء يتقاضون البدل المحدد بـ24 ألف ليرة. وكانت وزارة الصحة العامة قد تواصلت مع وزارة المال لاستيضاح الأمر. وبحسب المصادر «فقد كان الردّ بأن لديكم موازنة، اصرفوا منها بدل التنقل لكونه غير متوفّر في المالية، وهو ما يستحيل فعله لأنه ببساطة ليس لدينا اعتمادات لنصرف هذه البدلات». يضاف إلى ذلك عدم صرف المساعدة الاجتماعية المقرّة، وهو ما دفع الموظفين إلى تكثيف الاجتماعات بهدف الوصول إلى مخرج، إلا «أن ذلك لم يكن ممكناً»، على ما يقول موظف آخر.
رواتب أممية
وقد شهدت بعض اللقاءات حديثاً ـــــ لم يعد عابراً ـــــ «وهي الرواتب الرديفة التي يتقاضاها عدد من الموظفين من المنظمات الدولية، حيث باتت هذه الظاهرة مقلقة، خصوصاً في ظل الأزمة الحالية حيث هناك موظفون يتقاضون الحد الأدنى، فيما آخرون يتقاضون إلى رواتبهم الأساسية رواتب أخرى أرقامها مضاعفة من الأولى». ورغم أن هذه الظاهرة غير محصورة بوزارة الصحة، وإنما تطاول الكثير من الوزارات والمؤسسات العامة حيث تستغل الكثير من المنظمات الدولية حاجتها إلى العاملين، فتسدّ جزءاً منها من موظفي الدولة، إلا أنها في الصحة «نافرة»، على ما يقول أحد الموظفين، حيث «تنتشر بشكلٍ كبير والمزعج أنها لا تقلق أحداً وكأنها باتت أمراً عادياً».
صيف وشتاء تحت سقفٍ واحد. هذا ما يقوله الموظفون، إذ في الوقت الذي يتقاضى المحظيون رواتب «أممية»، يعيش آخرون بأقلّ الإمكانات الممكنة.
أبيض يتبنّى المطالب
لكل هذه الأسباب، تلا الموظفون مطالبهم في اجتماعهم مع وزير الصحة العامة، فراس أبيض الذي أعلن «تبنيها»، على ما يقول لـ«الأخبار»، باعتبارها «مطالب محقّة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان أن الواقع المعيشي لهم ولكل موظفي القطاع العام مُزرٍ». مع ذلك، اعتبر الوزير أبيض أن قرار التعطيل «سيف ذو حدّين»، لأنه يمسّ المواطنين. من هنا، يشير أبيض إلى أن جزءاً من اجتماعه مع الموظفين «كان لطرح بعض الحلول». ويضيف: «لن يكون هناك حل واحد، وإنما عدة حلول كما يحدث في وزارات أخرى، يعني مثلاً يمكننا في جزء من الحلول العمل على تخفيف تواجد بعض الموظفين ليوم أو يومين مثلاً…».