كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
يبحث لبنان عدة خيارات للتحرك على أساسها في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وذلك قبل أيام من وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت. تشمل تشكيل وفد تقني للتفاوض الذي يتوقع أن يستأنف بعد التأزم الأخير، وبالموازاة افتتاح دورة تراخيص ثانية لرقع بحرية لم يتم تلزيمها، وسط استبعاد لفرضية إيداع الأمم المتحدة مرسوماً بتعديل النقطة الحدودية رقم «29»، تحاشياً لتصعيد إضافي يحرم لبنان من التنقيب عن الطاقة في مياهه الإقليمية.
وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون أن «معالجة ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية تنطلق من المحافظة على مصلحة لبنان، وعلى حقوقه في مياهه وأرضه، وأن هذا الملف الذي يندرج في إطار المفاوضات الدولية هو من صلب مسؤوليات رئيس الجمهورية استناداً إلى المادة 52 من الدستور». وقال: «سنطلب من هوكشتاين استئناف مساعيه لإعادة تحريك المفاوضات غير المباشرة، خصوصاً أن لبنان يريد من خلال هذه المفاوضات أن يتمكن من استثمار ثروته النفطية والغازية في المياه اللبنانية، وأن يحافظ على الاستقرار والأمن في المنطقة الحدودية».
واشتعل نقاش داخلي منذ رسو سفينة للبحث عن الغاز في المياه الإقليمية الإسرائيلية يوم السبت الماضي، حول إيداع لبنان الأمم المتحدة مرسوماً معدلاً للنقطة الحدودية البحرية التي يعتبرها حقه، المعروفة باسم «النقطة 29»، بعدما كان أودع الأمم المتحدة في العام 2010 النقطة الحدودية «رقم 23»، ما يعني رفع مساحة النزاع من 860 كيلومتراً إلى 2290 كيلومتراً. ويرفض الرئيس ميشال عون توقيع المرسوم المعدل الذي يحمل الرقم 6433.
ولوّح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بتوقيع المرسوم في حال فشلت المفاوضات المتوقع الاتفاق على استئنافها بعد زيارة هوكشتاين يوم الأحد المقبل. وقال باسيل: «لا يكفي وقوف الباخرة جنوب الخط 29 طالما هي فوق كاريش. ولا يكفي أن تقول إسرائيل إنها ستستخرج الغاز من الجهة غير المتنازع عليها طالما الحقل واحد». وأضاف: «الآن فرصة الحل قبل أن يودع لبنان الخط 29 رسمياً فيتحول من تفاوضي إلى قانوني. والآن الوقت لفرض معادلة؛ لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا»، في إشارة إلى حقل حدودي جنوباً.
وكان لبنان أبلغ الأمم المتحدة أن حدوده تنتهي عند النقطة 23، لكن الوفد المفاوض طرح النقطة 29 كخط تفاوضي، ما يعني أن هناك خطين. وتجنبت إسرائيل التنقيب في المنطقة المتنازع عليها الواقعة بين الخطين «1» و«23»، وكررت مصادر لبنانية تأكيدها أن السفينة «إنرجين» رست جنوب الخط 29 في محاولة لتجنب المواجهة، لكن تقديرات لبنانية تقول إن هناك حقولاً مشتركة على الحدود، ما يهدد بسحب إسرائيل للغاز من المياه اللبنانية.
ويتريث لبنان في توقيع المرسوم المعدل، ما يهدد بتوقيف المفاوضات نهائياً. وقالت مصادر لبنانية متابعة لملف الترسيم منذ العام 2007 إن الخيارات اللبنانية ضيقة، وأضافت: «ثمة مخاوف جدية من تأزم يقضي على فرص التفاوض، ينتهي بأن تصدر إسرائيل الغاز، بينما لا يستطيع لبنان التنقيب»، في إشارة إلى المعوقات التي اعترت التنقيب في البلوك رقم 9 في ظل النزاع، رغم أنه رقعة تم تلزيمها لتحالف من 3 شركات فرنسية وإيطالية وروسية.
وأضافت المصادر: «توقيع المرسوم وتوقف المفاوضات وإصرار إسرائيل على الاستخراج من منطقة يعتبرها لبنان متنازعاً عليها، يهدد بنزاع عسكري يصعب تجنبه».
ويقول «حزب الله» إنه يلتزم بقرار الدولة اللبنانية ويتحرك تحت سقفها، علماً بأنه كان لوّح خلال الشهر الماضي باللجوء إلى خيار عسكري لمنع إسرائيل من استخراج الطاقة في حال مُنع من استخراج الطاقة في مياهه.
ويعوّل لبنان على زيارة هوكشتاين لاستئناف المساعي والتوصل إلى حل يجنب المنطقة أي توتر عسكري. وقالت مصادر لبنانية مواكبة للحراك الأخير إنها تتوقع استئناف المفاوضات وإنجاز اتفاق في النهاية، مشيرة إلى «عدة اقتراحات وُضعت على الطاولة، من بينها تشكيل وفد فني بديل عن الوفد السابق للتفاوض، وسط عدم حسم الجهة التي ستتولى الإشراف على التفاوض وتنسيقه في حال استبدلت آلية التفاوض الأخيرة (الدبلوماسية المكوكية التي قام بها هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل) أو الدينامية السابقة (تفاوض غير مباشر برعاية وإشراف الأمم المتحدة وبوساطة وتسهيل أميركيين)، علماً بأن الترجيحات أن يكون رئيس الجمهورية هو الجهة التي تتولى التفاوض بحكم الدستور اللبناني».
بالموازاة، وضع لبنان خيارات أخرى ينظر إلى ضرورة الانطلاق بها «منعاً لتضييع الوقت الذي تم هدره منذ عامين حتى الآن»، حسب ما تقول المصادر، وتتلخص في افتتاح دورة تراخيص ثانية لطرح رقع بحرية أخرى للاستثمار، منعاً لإهدار الوقت ريثما تنتهي مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. وقالت المصادر: «الأولوية اليوم للمباشرة بالتنقيب واستخراج الطاقة، كما تفعل إسرائيل في حقول أخرى بعيدة عن الحدود اللبنانية، بالتزامن مع التمسك بالحقوق اللبنانية وعدم التفريط بها ضمن آلية اتفاق الإطار المعلن عنه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020».
وطرح لبنان رقعتين بحريتين للاستثمار في العام 2017، وجرى تلزيمهما لتحالف من 3 شركات، هي «توتال» الفرنسية و«آيني» الإيطالية، و«نوفاتيك» الروسية. وجرى التنقيب في ربيع 2020 في الرقعة رقم 4، لكن تبين أن الكميات الموجودة فيها لا تتناسب مع التوجه لاستثمارات ضخمة، فيما لم يتم البدء بالتنقيب في البلوك رقم 9 على الحدود الجنوبية، علماً بأن النقطة التي كان مزمعاً الحفر فيها تبعد 25 كيلومتراً إلى شمال المنطقة الحدودية المتنازع عليها مع إسرائيل.
وترى المصادر أن لبنان ارتكب خطأ استراتيجياً في الدفع نحو الانطلاق بالرقعة رقم 4، وأضافت: «لو أصرّ على الشروع بالتنقيب في الرقعة رقم 9 لكان فرض التنقيب جنوباً كأمر واقع، مثلما قامت إسرائيل في حقل كاريش» المقابل للحدود اللبنانية الجنوبية