أمّ شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، صلاة صبيحة عيد الفطر في مقام الأمير السيد عبدالله جمال الدين التنوخي، في عبيه، بمشاركة وفود من المشايخ والفاعليات الروحية والاجتماعية.
وبعد الصلاة، ألقى شيخ العقل خطبة العيد قال فيها: “الحمد لله في كل بدء وختام، الحمد لله مع بداية رمضان المبارك، والحمد لله مع ختام شهر الصيام والبركة، والحمد لله على ما من علينا من قدرة على تطهير النفوس وتزكيتها، وعلى السعي الدؤوب في رحاب الفريضة الإسلامية لكسب الأجر والارتقاء بتعاليم الدين وفرائضه نحو تحقيق الغاية الأسمى، والتي هي بمثابة الجوهر من المظهر”.
أضاف: “أيها المصلون الراجون عفو الله ورضاه، والفرحون ببلوغ الفطر ومعناه، لكم منا أطيب التهاني بحلول العيد السعيد، سائلين الله أن يتقبل صلاتكم وفطركم كما تقبل صيامكم وذكركم، وأن يكون دعاؤنا ودعاؤكم مقبولا، وهو تعالى السميع المجيب لمن توجه إليه بقلب خالص ونية سليمة وإرادة ثابتة للتوبة والاستغفار وعمل الخير والإصلاح. لقد بلغنا بحول الله غرة شهر شوال فعسى أن نكون وإياكم ممن حققوا غاية الصوم في التزامهم وسلوكهم واعتقادهم وطاعتهم وتقواهم، وفي تيقنهم أن الصبر ما هو إلا سبيل لتهذيب النفس وتزكيتها وتحقيق سعادتها المأمولة في رحاب الحق، وبانقضاء رمضان الذي يحمل معنى الصبر على الجوع والظمأ، ومعنى الحمد والشكر على النعمة، ومعنى الرضا والقبول والاستجابة، ومعنى الإقرار بما أنزل في هذا الشهر المبارك من آيات محكمات وما أنعم به الله على عباده من هدى وبينات، لقوله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”، بانقضاء رمضان يتجدد الوعد الصادق من الانسان المؤمن، وينعقد العزم الراسخ في قلوب أهل الخير للسعي الدائم والعمل الدؤوب من أجل تحقيق الأفضل، وذلك بعد التزود من فضائل الشهر المنصرم وبركاته، وكأن ما بعد رمضان يمثل ولادة جديدة للخير”.
وتابع: “وإذا كان الصيام فريضة ترفع الصائم إلى مرتبة أعلى، فإن في الفطر واجب حفظ النعمة، وحفظها يكون بالعمل المخلص في سبيل الله، كما أن فيه احتفاء بكرم الله وفضله، والاحتفاء به يكون بالاقرار بعدل الله، وبالاستشعار بكنه التوحيد الذي هو حقيقة العيد وغايته، وبالوفاء بالعهد والميثاق والمثابرة في ميدان العلم والعمل الصالحين والمسافرة في درجات التعاليم ومراقي الفضل والمعروف. قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، فالتقوى هي ميزان المؤمن الحقيقي، والصيام، كما جاء في نص الآية المكرمة، مقرون بالتقوى، والتقوى هي ثمرة أعمال الطاعة، والطاعة هي اساس العبادة والدين، فمن لم يكن طائعا صادقا فهو بالقلب أكثر نفاقا ورياء، وهو بالفعل أقرب إلى العصيان والمعاندة، والدين منه براء.
الدين عماده التقوى، وهو سبيل لإصلاح النفس وإصلاح المجتمع، ولا قيام لأمة مع انعدام التقوى والخروج على قيم الدين، ولا حياة لمجتمع يعيش التناقض بين قواعد الإيمان القلبي وبين الممارسة الاجتماعية على أرض الواقع وفي ساحة الأحداث. وامتثال الغاية السامية من الإيمان متصل بتحقيق الأفعال الصالحة وصدق المعاملة والتزام مبدأ الخير والصلاح التزاما إنسانيا دستوريا مرتبطا بروح القوانين، أي بالعدل والمساواة وحفظ الحقوق واحترام الواجبات وصون الحريات، بما يعنيه ذلك من تمييز حازم بين ما هو كرامة الحياة وما هو انزلاق قاتل إلى الفوضى والابتذال”.
وأردف أبي المنى: “ومهما يكن من أمر تلك الحالة العالمية الشاذة والمستعصية على التقويم التام، فإننا متمسكون بثوابت الإيمان والمسلك القويم، ومتمسكون بالقيم الإنسانية المثلى التي يعلمنا إياها إيماننا التوحيدي، والتي تبقى نبراسا يضيء لنا البصائر في دروب الخير ويوقي العقول والقلوب من الوقوع في عتمات الشر ومهاوي الفساد والإفساد ومهالك الضياع.
من هذه القيم الإنسانية الغنية التي تشترك الأديان جميعها في حملها وتعليمها، والتي هي روح التوحيد وجوهره العملي، ننطلق في كل مسعى، ونسعى مع كل انطلاقة لإحياء الأمل في النفوس، ولا نتوقف عن دعوة المسؤولين في بلادنا للعودة إلى تلك القيم السامية وتلك المنابع الروحية والإنسانية الصافية، لعلهم يتفكرون بمعنى الأمانة التي ألقيت على عواتقهم، وهي أمانة رعاية الشعب، عوضا عن المعاندة والمكابرة والمتاجرة بكرامات الناس وحقوقهم ومشاعرهم، وعن الإمعان في تيئيس الشباب وتهجيرهم ،وعن التباكي على الأطلال والهروب من تحمل مسؤولية انهيار الدولة وتخريب البيوت والمؤسسات”.
وقال: “صوموا أيها المسؤولون تصحوا، صوموا عن الأنانية والطائفية والفئوية وافطروا على المواطنة الجامعة والحاضنة للتنوع، صوموا عن الأحقاد والمناكفات والخصومات وافطروا على المحبة والرحمة والأخوة، صوموا عن المنافسة السلبية والاستقواء بالخارج والمقامرة بالصيغة الوطنية وافطروا على الحوار والتفاهم والعيش معا، وإياكم ثم إياكم أن تجعلوا الاستحقاقات الدستورية فرصة للانقضاض على قيم التاريخ والتراث والتوازن الوطني تحت أية ذريعة وبقوة أي سلاح، فلا ذريعة إلا بنهضة الدولة وانتصار القانون والتغيير المحمود والإصلاح الحقيقي، ولا سلاح إلا سلاح الحق والشراكة والانتماء للوطن. ومن على منبر عيد الفطر السعيد، ومن مقام الأمير السيد التنوخي في عبيه عاصمة التنوخيين، وما يعنيه هذا المكان من إشارة إلى التجذر التاريخي بالتوحيد والإسلام والعروبة والوطنية، من هذا الموقع ومن هذا المكان نؤكد على رسالتنا التي حملناها منذ أن تولينا مهمة الرعاية الروحية والاجتماعية في طائفتنا التوحيدية المعروفية، ومهمة التضامن الروحي والوطني بين عائلاتنا ومؤسساتنا الدينية”.
وأضاف: “ومن هذا الموقع ومن هذا المكان نطلق النداء والصرخة في وجه أصحاب القرار بألا يتقاعسوا في مهماتهم وألا يستهتروا بهموم الناس ولا يتاجروا بمصلحة الوطن من أجل مصالحهم السياسية أو الانتخابية أو الخارجية، فجدران الوطن باتت تتداعى ومؤسساته تتهاوى واحدة تلو الأخرى، وقد بتنا على أبواب الانفجار الاجتماعي الشامل وعلى مقربة من ثورة بركان الجوع واستعادة الكرامة.
ومن هذا الموقع ومن هذا المكان ندعو اللبنانيين بكل فئاتهم ومذاهبهم لينهضوا بوطنهم لكي ينهض العالم معهم، وألا يقبلوا باستمرار حالة التشرذم والارتهان والهروب إلى عصبيات الطوائف واحتقار خيارات الشعب وتجاهل تداعيات الأزمات المتلاحقة والمتراكمة والمزمنة، وأن يثقوا بلبنانهم المنتصر على اليأس، بعون الله تعالى، وبنوايا المخلصين من أبنائه، وبإرادة رجاله الأوفياء الأشداء، وبرؤية القادة والمفكرين الشرفاء منهم، وبدعم الأشقاء والأصدقاء الذين ينتظرون إصلاح الدولة من الداخل لكي يصلحوا الوطن من الخارج، على قاعدة القول المأثور: “إن لله رجالا إذا أرادوا أراد”.
وختم أبي المنى: “ومن على منبر التوحيد وأهله كذلك، نوجه كلمة مفعمة بالمحبة والشكر إلى أشقائنا العرب لكي يثقوا بلبنان العائد معهم وبمساعدتهم إلى حقيقته ودوره، وألا يتخلوا عنه في مرضه ومعاناته، ولا يتركوه فريسة للطامعين ومخططاتهم، ولا يقفوا عند بعض الإساءات الآنية العابرة، فالعروبة في قلب لبنان، ولبنان في قلب العروبة، ومعا نواجه التحديات ونواصل الكفاح من أجل حرية أوطاننا وكرامة شعوبنا وقضايا أمتنا المحقة. نسأل الله تعالى أن يمن علينا بكرمه ورحمته وجزيل نعمته، وأن يبارك صيامنا وفطرنا بالقبول والمغفرة، وأن يعين بلطفه كل ذي ضيق وقلة وعوز، وأن يمنح الجميع، مقيمين ومغتربين، القوة على البذل والصمود والتعاضد، ويلهم المسؤولين اليقظة من سبات اليأس والغفلة، والقدرة على القيام بالواجب. نسأله تعالى أن يعيده على المسلمين جميعا وعلى اللبنانيين عموما بردا وسلاما، وأن يفتح باب كرمه على خلقه، وأن يرفع عن شعوبنا كل عسرة وحسرة، إنه هو العلي القدير، لا إله إلا هو ولا معبود سواه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
وبعد الانتهاء من خطبة العيد زار الشيخ أبي المنى مهنئا كلا من: الشيخ ابو محمود سعيد فرج في عبيه، الشيخ نعيم حسن في البنيه، ثم قصد بلدة بعلشميه لزيارة المرجع الروحي الشيخ أبو صالح محمد العنداري للتهنئة والوقوف على خاطره والتشاور معه في بعض القضايا الداخلية.
وأجرى الشيخ أبي المنى اتصالا هاتفيا بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والسفير السعودي وليد البخاري، مهنئا بحلول العيد.
وأعلن شيخ العقل الاعتذار عن عدم استقبال المهنئين بالعيد نظرا للظروف الراهنة