كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
عودة القروض الإسكانية، جملة قصيرة كانت كفيلة بإحداث ضجة كبيرة في متاهة الانهيار اللامتناهية. كيف لا، و»البيت المريح من أعظم مصادر السعادة»، على حد وصف الأميرال البريطاني سيدني سميث. وهو حق بديهي فقده معظم اللبنانيين منذ العام 2017، وفقدوا الأمل بعودته مع بدء الأزمة النقدية. كثرٌ راحوا يعمّرون «قصوراً» في خيالهم، ويبنون على الخبر أعمدة من «مرمر» حاجاتهم، تعلوها «تيجان» قدراتهم المتواضعة. فهل يتحول الحلم إلى حقيقة؟ أم أن الإعلان مجرد «زوبعة في فنجان»؟
يتحضر مصرف الاسكان (شركة مساهمة مختلطة بين القطاعين العام والخاص بمساهمة تبلغ 20 و80 في المئة على التوالي)، للبدء باقراض مبلغ 50 مليون دينار كويتي، (يعادل 3600 مليار ليرة لبنانية على سعر صيرفة). المبلغ جيّر للمصرف من اتفاقية «القرض العربي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، الذي يعرف بالقرض الكويتي». وسيقوم المصرف باقراضه لشراء أو بناء مسكن بسقف حده الاقصى مليار ليرة لبنانية، وبفائدة 5 في المئة، لمدة 30 عاماً. هذا بالاضافة إلى إمكانية استخدام مصرف الاسكان أمواله الخاصة المقدرة بـ 430 مليار ليرة لإعطاء المزيد من الدفع لعملية الإقراض.
عوائق الاقتراض
الخبر السار للمواطنين، يصطدم بعائقين أساسيين، يحولان دون استفادة الطبقة الفقيرة المستهدفة من القرض.
الأول، يتعلق بانخفاض السقف الاعلى للقرض المحدد بمليار ليرة، أو ما يعادل 37 ألف دولار بحسب سعر صرف السوق اليوم. فهذا المبلغ المعرّض للانخفاض أكثر مع ارتفاع سعر الصرف، أعجز عن شراء منزل لائق حتى في القرى أو المناطق البعيدة عن مركز العاصمة.
الثاني، اشتراط تسديد 20 في المئة من قيمة القرض نقداً قبل البدء بالتقسيط، وأن لا يقل دخل الأسرة المستفيدة عن 15 مليون ليرة، خصوصاً إذا أرادت الاستفادة من السقف الاعلى. واذا سلمنا جدلاً أن تأمين نسبة 20 في المئة، أو ما يعادل 200 مليون ليرة ممكنة، فان تأمين دخل لا يقل عن 15 مليون ليرة يعتبر متعثراً. ولا سيما بالنسبة إلى الشريحة الاوسع من موظفي القطاعين العام والخاص التي يتراوح متوسط دخلها بين 2.5 و5 ملايين ليرة. وهو رقم يعادل تقريباً الدفعة الشهرية بالنسبة للسقف الاعلى التي تصل إلى 3 ملايين ليرة.
أما في ما يتعلق بقرض الترميم فالوضع ليس أفضل حالاً. حيث قد تتجاوز القسوطات الشهرية الواجب تسديدها على 10 سنوات فقط مبلغاً حده الأقصى 400 مليون ليرة (15 الف دولار) وبفائدة 5 في المئة، 3.5 ملايين ليرة. وهو ما يفوق قدرة الشريحة الاوسع من المواطنين.
شح العرض
التسليم بحتمية وجود الطلب، المتمثل بشريحة من المواطنين من أصحاب الدخل الذي يفوق 600 دولار، قادرة على تلبية شروط الاقتراض من مصرف الاسكان، يقابله «استحالة تأمين العرض، أي الشقق»، بحسب الخبير العقاري ومدير عام CENTURY 21 أحمد الخطيب. فلا يوجد مطور عقاري عاقل واحد مستعد للمغامرة وبيع ما يملك من شقق بالليرة اللبنانية، حتى لو احتسب ميزانيته على أساس الدولار الواحد يساوي 50 ألف ليرة. والامر نفسه ينسحب على المواطنين من غير التجار». وبحسب الخطيب فان «المخزون العقاري شحيح جداً، ولا يوجد ما يشجع على عمليات التطوير التي تدفع كامل تكاليفها بالدولار النقدي. وعليه فانه من الصعوبة بمكان استخدام دولار واحد من هذا القرض لتسهيل شراء الشقق والمساكن في هذه الظروف من اللاستقرار التي يمر بها لبنان.
توفّر إمكانيات مادية لتمويل عمليات شراء المسكن قد يساعد بعض شرائح المجتمع، إنما «لا يحل أزمة السكن»، بحسب نائب مدير برنامج UN-Habitat في لبنان، والمسؤول عن تخطيط وتنسيق البرامج طارق عسيران. فـ»المشكلة الأساسية تبقى في عدم وجود تخطيط بعيد المدى كفيل بتوفير هذا الحق لكل المواطنين حتى لو تأمن مبلغ من المال. ومن الامور التي يمكن اعتمادها برأيه في ظل ضعف القدرة على التمويل هي:
– التشجيع على استئجار المنازل من خلال زيادة الضرائب على الشقق الفارغة غير المشغولة. فمن شأن هذا الاجراء تحريك السوق وتأمين عدد كبير من الشقق للشباب الباحث عن مسكن في مناطقه أو في المناطق القريبة من العاصمة.
– التنسيق مع المؤسسة العامة للاسكان والجهات المقرضة لتمويل عمليات إعادة تقسيم الشقق الكبيرة التي تفوق مساحتها 350 و400 متر مربع وتحويلها إلى شقق صغيرة، باحجام تبدأ بـ 130 متراً مربعاً، تلبي احتياجات شرائح واسعة من المجتمع.
وضوح الرؤية
لا شك في ان الاستثمار المادي في ظل أزمة السيولة الحادة التي يعاني منها لبنان أمر مرحب به دائماً، «إنما يجب أن لا يقتصر على التمويل العشوائي واعطاء المواطنين الأموال للشراء هنا أو هناك، مع احتمال كبير بالعجز عن التسديد في المستقبل»، بحسب عسيران، ويجب أن يترافق مثل هكذا إجراء مع وضوح في الرؤية». فالحد الاقصى المعطى من خلال هذا القرض على سبيل المثال «يفرض على المقترض إيجاد مسكن في المناطق البعيدة أو النائية، في حين أن المطلوب اليوم توفر السكن في أماكن قريبة من مراكز العمل، نظراً لارتفاع أسعار النقل والمواصلات. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فان الشريحة المستهدفة بالقرض يفترض أن تكون المتوسطة (حديثاً) التي لا يهمها السكن في المناطق الجبلية البعيدة. وهو بالتالي ما يحمل «تناقضاً بارزاً»، بحسب عسيران.
مؤشر للأسعار والأجور
بغض النظر إن وُضع هذا القرض موضع التنفيذ بعد نحو شهر ونصف الشهر من اليوم، أو لم يُوضع، فهو يعطي دلالة بالغة الأهمية لمؤشري أسعار العقارات والأجور. فالقرض المحدد سقفه الاعلى بـ 37 ألف دولار بأسعار اليوم يعترف ضمنياً بتراجع أسعار العقارات بنحو الثلثين، بعد أن كان الحد الاقصى للاسكان 270 مليون ليرة أو 180 الف دولار. فيما المؤشر الاهم هو باعترافه بان الحد الادنى للاجور الذي يكفل مستوى عيش لائق، يجب أن لا يقل عن 15 مليون ليرة. وذلك على النقيض من كل الزيادات التي تعطى للموظفين إضافة إلى رواتبهم مبالغ تتراوح قيمتها بين 1.5 و3 ملايين ليرة.
انعدام القدرة على تأمين المسكن اللائق الذي تكفله مواثيق الامم المتحدة، وشرعة حقوق الانسان، والدستور اللبناني، يحمل نتائج بالغة الخطورة على الأمنين الاقتصادي والاجتماعي. وإن كان «الكسر» الاسكاني الذي أصيب به لبنان لم يشعر به الكثر بعد لسخونته، فان «الألم» سيبدأ بعد أن يبرد من خلال هجرة الشباب، تأخر سن الزواج، وتراجع الانجاب، وما تحمله هذه المؤشرات من نتائج بالغة الخطورة على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء.