توفي داخل سجن رومية منتظراً تأمين المبلغ لإجراء عملية قلب مفتوح…

من إعداد: ليلي جرجس وجاد فيّاض

8 وفيات لسجناء داخل سجن رومية خلال شهرين، هذا الرقم قابل للارتفاع نتيجة عدم قدرة ذويهم على تأمين كلفة الجراحات الطارئة لمن هم بحاجة إليها خصوصاً مرضى القلب، بالإضافة إلى الخوف الأكبر من نفاد أدوية الأمراض المزمنة داخل صيدلية السجن في منتصف شهر نيسان.

توفي نعيم حسن وهو رجل أربعيني حكم عليه بالسجن المؤبد في تشرين الثاني2021. يروي أحد السجناء لـ”النهار” أن “نعيم دخل إلى سجن رومية منذ 2007 ولديه 3 أبناء كبروا من دونه، كان يعيش في ضغوط نفسيه تجاه أسرته التي تمزقت وأصيب بذبحة قلبية. لم تستطع سيارة الإسعاف من إيصاله إلى المستشفى نتيجة التأخر، فتوفي وهو في طريقه إلى المستشفى”.

أما غسان صليبي (خمسيني) فكان يعاني من أمراض عدة واحتاج في نهاية المطاف إلى عملية جراحية في القلب. وبما أن الادارة لم تعد تؤمن كلفة علاج السجناء، طُلب منه تأمين مبلغ 7500 دولار لإجراء الجراحة. استغرق الأمر حوالى 4 أشهر حتى يؤمن المبلغ ناقصاً 800 دولار إلا أن الموت سبقه داخل غرفة العمليات في شباط 2022″.

ويؤكد السجين أنه “في المبنى الذي ينزل فيه في سجن رومية سُجلت حالتا وفاة، في حين سجلت الحالات الأخرى في المباني الأخرى. هذا الواقع المزري يزداد صعوبة، لاسيما أن غالبية الأدوية أصبحت على حساب السجين باستثناء بعض أدوية الأمراض المزمنة. على سبيل المثال هناك سجين يحتاج إلى دواء شهري للعظم تبلغ كلفته مليون ونصف المليون ليرة لبنانية”.

وأمام هذه الصورة المظلمة، يوضح مصدر أمني لـ”النهار” أن “الوفيات التي حصلت داخل سجن رومية لم تكن نتيجة تقصير، وما نشهده داخل السجن يُشبه معاناة الناس خارجه من ناحية القدرة على الاستشفاء والفروقات الكبيرة التي يتوجب على المواطن دفعها في المستشفى”.

وأضاف أن “نسبة الوفيات داخل السجون في لبنان أقل بكثير من نسبة الوفيات الطبيعية خارجه، حتى عند تفشي فيروس كورونا كانت الحالات الايجابية أقل من الحالات خارج السجن. ولكن هذه الحقيقة لا تلغي أهمية إيلاء الأولوية لتأمين حقوق السجين، وهذا ما نعمل عليه بامكانياتنا وقدراتنا”.

وأشار المصدر إلى أن “الأولوية اليوم هي للسجناء لأن حريتهم محجوزة قبل عناصر قوى الأمن، حتى إننا نرسل أدوية من صيدلية قوى الأمن إلى صيدلية السجن لضمان الحفاظ على صحتهم. ويستحيل أن يكون هناك تقصير أو تأخر في المساعدة للحالات الخطيرة، ولم نتأخر عن أي حالة طارئة، لكن في حالات الجراحة وغيرها نطلب مساعدة الأهل في تأمين المبلغ حتى يتلقى المريض العلاج، لأن ميزانية قوى الأمن انخفضت 90% والفروقات المالية تفوق قدرتنا”.

بعد وفاة سجين آخر إثر عدم تقديم الخدمة الاستشفائية اللازمة، أوضحت رئيسة جمعية “نضال لأجل الإنسان” ريما صليبا لـ”النهار” أن سجينين مريضين مهدّدان بالواقع نفسه، وهما يحتاجان إلى عملية جراحية في أسرع وقت، فيما الأطبّاء يفيدون بأن مضاعفات خطيرة قد تؤدّي إلى وفاتهما التي قد تحصل في أيّ وقت.

لا يستثني الواقع الصعب الذي يلقي بثقله على اللبنانيين، السجناء والموقوفين في السجون اللبنانية. منذ انتشار فيروس كورونا، مروراً بأزمة شحّ المواد الغذائية، وصولاً إلى تراجع الاهتمام الاستشفائي، يعيش السجناء في قلق دائم على أحوالهم الصحّية، وهاجس المرض.

ما نشهده خارج السجن مشابه لما يجري داخل القضبان، الحالة مزرية وشح الأدوية والخوف من عدم تأمين حبة الدواء والعلاج يكبر يومياً. الهواجس يصعب تبديدها خصوصاً عند السجناء الذين شاهدوا رفقاءهم يموتون لأسباب طبية كثيرة (منها السرطان والسل والسكتة القلبية والتأخر في اجراء جراحة قلب مفتوح). وآخر فصول هذه المعاناة، وفاة سجين آخر بعد تعذر تأمين المبلغ المتبقي 800 دولار من أصل 7500 دولار، وهذه النهاية المأسوية أيقظت مخاوف من الأيام المقبلة وماذا ينتظر السجناء من تحديات جديدة.

وأكدت صليبا أن “أحد السجناء تُوفي قبل فترة بسبب التخلّف عن إجراء عملية طبّية، فيما سجينان آخران مهدّدان بالموت أيضاً. وبهدف تفادي الواقع المأسوي، نطلق حملة تبرّعات لعلّها تجمع الأموال اللازمة وتحفظ حياة السجينين، علماً بأن كلفة العملية الواحدة تبلغ 7,000 دولار ولم يتم تأمين سوى مبلغ 1,500 دولار من متبرّع واحد، وعدم جمع الأموال يُنذر بالأسوأ”.
وكشفت صليبا أن “عدد المساجين المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ومستعصية في سجن رومية يبلغ 700 من أصل 4000 سجين، في ظلّ غياب كمّيات من الأدوية عن لبنان عموماً والسجون خصوصاً، علماً بأن الكمّيات الحالية الموجودة شارفت على النفاد، وذلك يزيد الأمر سوءاً بالنسبة للواقع داخل السجون”.

كما أن معظم السجناء يعانون وأهاليهم ظروفاً اقتصاديةً صعبة، وبالكاد يستطيعون تأمين مبالغ متواضعة لشراء حاجياتهم الأساسية من الحانوت (مكان مخصّص لبيع المنتجات داخل السجن)، وبالتالي، فإن ذويهم غير قادرين على تأمين تكاليف العمليات الجراحية.
وفق صليبا “وصلت الحال بالمساجين لجمع الأموال من بعضهم اليعض لتأمين تكلفة علاج مريض، لكن حالةً من الخوف تسود صفوفهم خوفاً من مواجهة مصير مماثل، خصوصاً أن المرضى يعانون ويموتون أمام زملائهم في الزنازين”.
كما شددت على أن “قيمة ميزانية قوى الأمن الداخلي تراجعت نسبةً لتراجع سعر الصرف، وبالتالي تضاءلت قدرة المديرية على الدفع، علماً بأنها تعطي أولوية للمرضى المساجين على المرضى العناصر، حتى وصل بها الأمر إلى إبقاء السجين المريض أمام باب المستشفى لوضع إدارته تحت الأمر الواقع لاستقباله، في حين ترفض المستشفيات اجراء العمليات الجراحية، بسبب الامكانيات المادية الضئيلة لدى قوى الأمن”.

وأضافت صليبا: “إن المساعدات الغذائية موجودة، إذ يتبرّع بعض الخيّرين بكمّيات من المواد الغذائية للسجون (في ظل عدم قدرة قوى الأمن على تأمين كميات كافية من الغذاء للمساجين ما يؤدّي إلى تضرّر أنظمة المناعة والتسبّب بأمراض)، لكن المساعدات الطبّية غائبة، وتقتصر على بعض الجمعيات ومنظمة الصحّة العالمية، وهذه الكمّيات قليلة وليست كافية”.

وبسبب الظروف، لجأت إدارة السجون إلى التقليل من كميات الطعام المقدّمة للسجناء، فبدل تقديم 3 وجبات يومية بزنة 200 غرام للوجبة، يقتصر الغذاء اليوم على وجبتين، بزنة 100 غرام للوجبة الواحدة.
وختمت صليبا حديثها مناشدةً الجميعات والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماً من الخارج مساعدة المساجين، مقترحةً حلاً يؤمّن التمويل اللازم لتوفير الأدوية للمساجين والخدمات الاستشفائية، وذلك عبر الاستفادة من قروض البنك الدولي للمشاريع المتوقفة في لبنان، كمشروع سدّ بسري، وهي مبالغ بالدولار”.

المصدر : النهار

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …