أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، انه لن يترك موقعه “الا وأكون قد كشفت عن كل فاسد”، معتبرا ان “مسؤولية إعادة النهوض بالبلاد تقع على من سيخلفني”، داعيا الى “تشجيع الاوادم والشجعان على استلام مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايتي”.
وعن اتهامه بانه سعى الى تطبيق النظام الرئاسي، قال: “ما بدي اعمل نظام رئاسي بدي اعمل رئيس”، وأكد انه “كما فرضت إقرار التدقيق الجنائي في الحكومة أجاهد حاليا في ما يتعلق بالكابيتال كونترول”، ودعا المواطنين لأن “يقترعوا للخيار الصحيح في الانتخابات النيابية المقبلة”، وشدد على “ضرورة اصلاح القضاء وسائر المؤسسات في الدولة”، معتبرا انه “لا يمكن ان يكون هناك اصلاح طالما المؤسسات ممسوكة”.
مواقف الرئيس عون جاءت خلال استقباله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، المجلس التنفيذي الجديد للرابطة المارونية برئاسة السفير الدكتور خليل كرم، وضم، نائب الرئيس جو عيسى الخوري، والأعضاء رفول بستاني، طانيوس نجيم، جهينة منير، كريم طربيه، يوسف عماد، أنطوان عماطوري، ناتالي خوري، ربيكا ابي ناضر، منير عقيقي، بشارة قرقفي، ايلي مخايل، لحود لحود وطانيوس منعم.
في مستهل اللقاء، تحدث السفير كرم، فقال: “نزوركم في القصر الجمهوري الذي يرمز إلى وحدة لبنان، شعبا وارضا ومؤسسات. ويبقى المرجع والملاذ ساعة الخيارات الكبرى والقرارات المصيرية التي تتصل بمستقبل وجوده، وطنا معافى تتوافر فيه مواصفات الأوطان المنيعة، الممتنعة على كل من يريد اسقاطها أو حذفها من خارطة الحضور المميز الذي كان سمة وطن الارز. باعث الحضارة الانسانية بابجديته، مقربا المسافات، واصلا الجسور باشرعته والاحرف التي قامت عليها لغة التخاطب بين شعوب العالم القديم”.
أضاف: “فخامة الرئيس، إن رئاسة الجمهورية في لبنان هي مقام دستوري. بل المقام الدستوري الأول. وشاغل موقعها هو رئيس اللبنانيين جميعهم. من هنا نرى أن رئيس الجمهورية هو المرجع الاول، ولو أتى مقص الإصلاحات في الطائف على صلاحيات نرى انه كان من الواجب الحفاظ عليها لتتوازن السلطات ويستقيم الحكم. نزوركم اليوم، يا فخامة الرئيس، بعد الانتخابات الاخيرة التي جرت في الرابطة المارونية، والتي حملت إلى المجلس التنفيذي رئيسا واعضاء تعاهدوا على العمل معا، فريقا متجانسا لمصلحة لبنان والطائفة المارونية. ولولا مساعي بكركي واحبارها، وكبار رجالات الطائفة ونخبها ما كان لدولة لبنان الكبير ان تبصر النور”.
وتابع: “فخامة الرئيس، ندرك حجم معاناتكم، وما يعتمل في نفسكم من الم، ويستبد بكم من حزن على الأوضاع المأساوية التي حلت وتحل بوطننا الحبيب. ونتابع ما تقومون به من خطوات للخروج من عمق الزجاجة التي تطبق بشدة على عنق لبنان. كما المبادرات التي تطرحون. ولكن للأسف، فإن حجم التحديات والمشكلات يتجاوز النيات والمبادرات، لطرح أسئلة خطيرة حول الغد، وما يمكن أن يحمل في طياته من مفاجآت”.
واردف: “صاحب الفخامة، إن الرابطة المارونية تدافع من موقعها عن لبنان، كل لبنان، وتعتبر أن هذا الوطن هو مساحة تفاعل حضاري بين الاديان، والمكان الامثل للحوار بين المسيحية والاسلام، والمختبر النوعي للعيش معا في بيئة تتميز بالتعددية الحضارية، وتتمايز بالتنوع. ولكن في الوقت نفسه ترفض، ومن منطلقات ميثاقية، اي مساس بحقوق المسيحيين، ولا سيما الموارنة، في الدولة والمجتمع. وهي ذات صفة ومصلحة وصلاحية بملاحقة، ومقاومة اي اجحاف بحقوق هؤلاء وجميع اللبنانيين بكل الوسائل القانونية، من منطلق رفضها المطلق لتغيير الديموغرافيا وهوية الارض، من خلال التوطين والتجنيس وتملك الأجانب والخلل في الإدارة، والكيل بمكيالين في موضوع الإنماء المتوازن”.
واوضح كرم أن الرابطة المارونية “تدعو إلى قيام دولة المؤسسات فعلا لا شعارا والى سيادة منطقها في الأمن والادارة، وتؤكد التزامها الوقوف إلى جانب كل المبادرات الإنقاذية غير المشروطة بتعهدات لا تصب في توطيد ركائز الوحدة الوطنية. وهي وحدة تحرص عليها وتسعى إلى تعميقها من خلال العمل على استكمال وثيقة الوفاق الوطني التي شاب تطبيقها الكثير من التحريف والاجتهادات والممارسات التي اوقعت طلاقا بالثلاث بين نصها وروحها وهذا الأمر كاف لقيام حوار بناء لمعالجة الخلل وتدارك الأسوأ”.
وختم: “فخامة الرئيس، نشكر لكم سعة الصدر وحسن الاستقبال، ونعاهدكم بأن نبقى سيوفا للبنان لا عليه. والضمير اليقظ لرابطة مؤتمنة على إرث مارون وتراث وطن الارز الذي لن يترنح ويسقط أمام عاديات الزمن مهما قست”.
ورد الرئيس عون مرحبا بالوفد، متمنيا لرئيس الرابطة وأعضاء المجلس التنفيذي “التوفيق والنجاح في ولايتهم الجديدة”، مؤكدا “الدور الوطني الذي تضطلع به الرابطة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة التراكمات المتعددة، فضلا عن الحرب على سوريا وأزمة النزوح مرورا بالمظاهرات وجائحة كورونا وصولا الى انفجار مرفأ بيروت”، وقال: “لو قدر للبنان امتلاكه المقدرات المالية الكافية لكان استطاع مساعدة مواطنيه على تجاوز تلك الظروف، الا ان ديونه بلغت 168 مليار دولار وسط توقف الاعمار وغياب التدقيق والمحاسبة”.
وجدد الرئيس عون الإشارة الى انه جاهد “للتوصل الى إقرار التدقيق الجنائي في مجلس الوزراء لتحديد المسؤولية عما وصلت اليه البلاد، لا سيما وان المسؤول عن الحفاظ على النقد وقيمته هو المصرف المركزي، كما ان المسؤول عن صناديق المصرف المركزي هو حاكم المصرف”.
وإذ ذكر الرئيس عون ان “مجلس الوزراء اقر التدقيق الجنائي في 26 آذار 2020 بعد حرب ضروس يذكر تفاصيلها الجميع”، لفت الى ان “العراقيل لا تزال تذلل تباعا لوضعه على سكة التنفيذ”.
كما ذكر رئيس الجمهورية بمواقفه السابقة منذ كان في فرنسا والتي طالب فيها بـ”وقف دعم الليرة، وذلك لعدم جواز دعمها بالدين بل بالإنتاج والتوازن بين الصادرات والواردات فوصلنا الى عجز في الاستيراد قدر بـ17 مليار دولار فضلا عن عجز في الموازنة قدر بـ8 مليارات، وزادت نسبة البطالة لتبلغ 25 بالمئة وكذلك بلغ النمو صفرا وهكذا دواليك”.
وكشف الرئيس عون أن العراقيل والضغوط التي واجهها في سعيه لاقرار التدقيق الجنائي مورست أيضا في وجهه “لعدم إقرار الكابيتال كونترول من قبل البعض فطارت ودائع المودعين وهرِبت رؤوس الأموال الى الخارج” لافتا الى ان” الواقع الذي نعيشه اليوم هو بفعل تراكم الممارسات من قبل هذا البعض طيلة سنوات سابقة سعى في خلالها الى عدم تطبيق الدستور. وعندما حاولت انا تطبيق الدستور اتهموني بتطبيق النظام الرئاسي، فيما هم يعملون على افلاس لبنان بدلا من اصلاح الوضع فيه وإعادة استنهاض اقتصاده. “ما بدي اعمل نظام رئاسي، بدي اعمل رئيس”.
وشدد الرئيس عون على انه لن يترك موقعه الا ويكون قد كشف عن كل فاسد، معتبرا ان “مسؤولية إعادة النهوض بالبلاد ستقع على من سيخلفي”، داعيا الى “تشجيع الاوادم والشجعان على استلام مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايته”.
وأوضح انه “سيتم انجاز خطة اقتصادية قريبا لتكون بداية التعافي الاقتصادي”، متمنيا ان “يتم تحصيل اكبر نسبة من ودائع المودعين والمباشرة في مسيرة النهوض من جديد”.
ثم دار حوار بين الرئيس عون وأعضاء الوفد، فجدد رئيس الجمهورية موقفه من “قضية النازحين وضرورة مساعدة المجتمع الدولي على إعادتهم الى بلادهم”، مؤكدا ان “لبنان لا يتلقى الا الجزء اليسير من المساعدات، فيما هو يتكبد سنويا بين 3 و4 مليارات دولار رغم صعوبة أوضاعه الاقتصادية والمالية وذلك وفق تقدير صندوق النقد الدولي”. وكشف عن مطالبته المسؤولين الاممين المتكررة “بزيادة المساعدات للبنان لا سيما وان المساعدات التي ترصدها المؤسسات الدولية لعدد من البلدان التي تستضيف النازحين تفوق تلك التي يتلقاها لبنان”.
وعما نشهده من سجالات، انتقد الرئيس عون “ما بات عليه الوضع بعدما اصبح البعض يدافع عن الشتيمة باعتبارها رأيا حرا”، مشددا على “ضرورة اصلاح القضاء كما المؤسسات الأخرى”، وقال: “لا اصلاح طالما المؤسسات ممسوكة بل ستكون الغلبة للفساد وللعودة بالبلاد الى الوراء”.
ولفت الى أن “لبنان مقبل على انتخابات نيابية وعلى الناس ان تعرف من تنتخب وان تقترع للخيار الصحيح لتتمكن من إيصال اكبر عدد ممكن من الاوادم علهم يتمكنون من تغيير الصورة القائمة لما فيه مصلحة البلد”، مشيرا الى وجود أسماء جديدة مرشحة لهذه الانتخابات “قد يجد البعض فيها إمكانية للتغيير”.
وردا على سؤال، أوضح الرئيس عون ان “النظام السياسي التوافقي في لبنان بثلاثة رؤوس بحيث انه اذا خالف احد الرؤساء لا يتخذ أي قرار”، وقال: “بهذه الطريقة لا يمكن ان يحكم بلد، لذلك طرحت اللامركزية الموسعة والمالية، الا ان اللجنة النيابية التي كان عليها انجاز دراستها لم تنجز شيئا في السياق ذي الصلة”.
وعن إقرار الكابيتال كونترول بشكل متأخر، واذا ما كان هناك خطة لاسترداد الأموال المهربة الى الخارج بشكل مخالف لمبدأ المساواة، اعاد الرئيس عون التأكيد انه “كما فرضت إقرار التدقيق الجنائي في الحكومة وإقرت المبالغ اللازمة لذلك، أجاهد حاليا في ما يتعلق بالكابيتال كونترول الذي تم رده مرات عدة في المجلس النيابي، واقره مجلس الوزراء بالأمس بعد ادخال بعض التعديلات عليه”، مؤكدا انه “لو اقر القراران في وقتهما كما كنت أرغب لكانا وفرا على لبنان واللبنانيين الكثير من المعاناة”، مشيرا الى ان “عددا من البلدان التي تتمتع بالانظمة الاقتصادية الحرة اقرت الكابيتال كونترول لوجود ضرورات لاقراره”.
واستقبل الرئيس عون النائب السابق اميل رحمة وعرض معه للأوضاع العامة والتطورات السياسية.
وقال رحمة بعد اللقاء: “زرت رئيس الجمهورية واطلعت منه على نتائج زيارته إلى حاضرة الفاتيكان ولقائه قداسة البابا فرنسيس، وأكد لي الرئيس انها كانت زيارة ناجحة بكل المقاييس وتصب في مصلحة لبنان وتعكس اهتمام الكرسي الرسولي باوضاع بلادنا وحرصه على تجاوز محنته وتقديم اي مساعدة ممكنة في هذا السياق”.
اضاف: “لقد أكد لي الرئيس ميشال عون أن الانتخابات النيابية سوف تجري في موعدها المحدد، وأن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تسلك طريقها بايجابية. كما أن قانون الكابيتال كونترول يجب أن يقر بعد أن يجيب على هواجس المواطنين والهيئات المعنية وطمأنة المودعين على أن حقوقهم محفوظة”.
وجدد الرئيس عون عزمه على “العمل حتى النهاية من أجل تحقيق ما يخدم مصلحة الناس في كل المجالات غير عابء بحملات التجني والافتراء التي تستهدفي”.
كما استقبل الرئيس عون الرئيس العام للرهبانية الكبوشية في لبنان الاب عبد الله النفيلي يرافقه عدد من الآباء الذين وجهوا دعوة لرئيس الجمهورية للمشاركة في القداس الاحتفالي لتطويب المكرمين الشهيدين الاب ليونار عويس ملكي والأب توما صالح الكبوشيين الذي سيقام يوم السبت في 4 حزيران المقبل الساعة السادسة والنصف مساء في دير الصليب في جل الديب. ويرأس الذبيحة الإلهية رئيس مجمع دعاوى القديسين الكاردينال مار تشيلو سيميرارو.
وقد هنأ الرئيس عون الرهبنة الكبوشية بالتطويب، منوها بالنشاطات الروحية والدينية والاجتماعية التي يقوم بها الآباء الكبوشيون في لبنان والعالم.
وفي قصر بعبدا، سفير لبنان في أوكرانيا علي ضاهر الذي اطلع الرئيس عون على الأوضاع في أوكرانيا والإجراءات التي اتخذتها السفارة وامنت اجلاء اللبنانيين الذين رغبوا في مغادرتها، بالإضافة الى أوضاع من تبقى من أبناء الجالية اللبنانية الذين فضلوا البقاء هناك لاعتبارات مختلفة، بعضها عائلي والبعض الاخر يتصل بمصالحهم ومؤسساتهم وغيرها من الأسباب.
وشدد الرئيس عون على “ضرورة استمرار التواصل مع اللبنانيين الموجودين في أوكرانيا والاطمئنان عنهم دوريا ومساعدتهم”.
على صعيد اخر، تلقى الرئيس عون برقية من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، هنأه فيها بحلول شهر رمضان المبارك. وجاء في البرقية:
“يطيب لي ان اغتنم مناسبة احتفالات الامتين العربية والإسلامية بحلول شهر رمضان المبارك، لابعث الى فخامة اخي العزيز باسمي وباسم شعب المملكة الأردنية الهاشمية وحكومتها باحر التهاني واطيب التبريكات، سائلا المولى العلي القدير، ان يعيد هذه المناسبة العطرة عليكم بدوام الصحة والعافية وعلى شعبكم الشقيق بالمزيد من التقدم والازدهار وعلى الامتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات”.