كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
تدخل المفاوضات الجارية بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، والنائب طلال أرسلان، والوزير السابق وئام وهاب، لتشكيل لائحة ائتلافية عن دائرة الشوف – عاليه في جبل لبنان (13 مقعداً نيابياً) في مرحلة حاسمة من دون التوصل إلى حد أدنى من التفاهم يدفع باتجاه تذليل العقدة التي تؤخر ولادتها، والمتعلقة باستمرار الخلاف حول جمع النائب فريد البستاني والوزير السابق ناجي البستاني في لائحة واحدة، وهذا ما يضع «أهل البيت» أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاتفاق على جمعهما في اللائحة في مواجهة تحالف حزبي «التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»، وإما الافتراق بتشكيل لائحتين تتوزعان الأصوات؛ مما يحول دون تأمينهما شروط المنازلة الانتخابية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة للمفاوضات المتنقلة بين باسيل وأرسلان، والتي يشارك فيها وهاب، بأن ضيق الوقت بات يحشر أهل البيت الواحد ويشكل إحراجاً لهم؛ «لأنه لم يعد يفصلهم عن المهلة المحددة لتسجيل اللوائح بأسماء المرشحين لدى وزارة الداخلية والبلديات سوى أسبوع، من دون أن يلوح في الأفق احتمال التوافق على تشكيل لائحة ائتلافية تضم اثنين من عائلة البستاني من بلدة دير القمر الشوفية هما فريد وناجي على لائحة واحدة».
وكشفت المصادر المواكبة عن أنه «كان جرى الاتفاق على عقد لقاء في دارة أرسلان في خلدة يضمه مع وهاب وناجي البستاني وباسيل، لكن الأخير اعتذر في اللحظة الأخيرة من عدم الحضور بذريعة أنه طلب إمهاله ريثما يتمكن من إقناع فريد البستاني بأن يسحب اعتراضه على ترشحه وناجي البستاني على لائحة واحدة».
ولفتت إلى أن وهاب استبق الاجتماع الذي عُقد في خلدة بغياب باسيل بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون قبل أن يتوجه إلى روما للقاء البابا فرنسيس في الفاتيكان، ونظيره الإيطالي. وقالت إن «عون، وإن كان لا يحبذ ترشح ناجي البستاني على اللائحة الائتلافية، فإنه في المقابل لا يضع (فيتو) على ترشحه في حال أن المعنيين بالأمر توافقوا على ترشيحه إلى جانب فريد البستاني».
وأكدت أن «باسيل طلب من أرسلان ووهاب تمديد المهلة التي كان طلبها لإقناع فريد البستاني بسحب اعتراضه على التعاون انتخابياً مع ناجي البستاني، رغم أنهما كانا التقيا رئيس (التيار الوطني) على انفراد». وقالت إن «أرسلان عاد والتقى باسيل في دارته في خلدة، وأعقبه لقاء آخر بفريد البستاني، من دون أن يتوصل معهما إلى حد أ دنى من التفاهم».
ورأت أنه لم يعد من جدوى لتمديد المفاوضات، وقالت إن اليومين المقبلين؛ بدءاً من اليوم، يُفترض أن يشكلا آخر مهلة لباسيل لحسم أمره على خلفية أن أرسلان ووهاب ليسا في وارد التخلي عن ناجي البستاني بوصفه الأقوى مارونياً في الشوف وكان حصل في دورة الانتخابات السابقة بترشحه على لائحة حزبي «التقدمي» و«القوات» على نسبة لا يستهان بها من الأصوات التفضيلية، مع أن حليفيه على اللائحة حجبا عنه تأييدهما له كما يجب.
وعدّدت المصادر نفسها أن عون «يدعم ترشح فريد البستاني على اللائحة الائتلافية، فيما لا يعترض باسيل، وإن كان كل ما يهمه تأمين فوز الكاثوليكي الوزير السابق غسان عطا الله، وهذا ما يكمن وراء الفيتو الذي يضعه البستاني (العوني) على البستاني الآخر بذريعة أنه يتقدم عليه انتخابياً وتحديداً في الأصوات التفضيلية؛ لأن بعضها سيصب لمصلحة عطا الله».
وقالت إن فريد البستاني يتخوف من أن يكون في دائرة الخطر إذا ما ترشح البستاني الآخر الذي يتمتع بظروف سياسية أفضل للفوز بالمقعد الماروني إلى جانب فوز مرشح «القوات» النائب جورج عدوان بالمقعد الثاني على أن يذهب المقعد الثالث عن قضاء الشوف لمصلحة الحراك المدني بشخص الدكتورة نجاة صليبا.
ولفتت إلى أن عدم موافقة النائب البستاني على خوض الانتخابات على لائحة واحدة تجمعه وناجي البستاني سيضع الحلفاء أمام خيارين؛ «إما التوافق وإما الافتراق، مع أن حليفي باسيل حاولا إقناعه بتوزيع الأصوات التفضيلية لـ(التيار الوطني) على النائب البستاني وعطا الله شرطاً لتبديد هواجسه، خصوصاً أنه يتحمل الجزء الأكبر من المصاريف الانتخابية للائحة الائتلافية».
ورغم أن ناجي البستاني لم ينقطع عن التواصل مع رئيس «التقدمي» وليد جنبلاط ونجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، اللذين يرغبان في ترشحه على لائحتهما بالتوافق مع «القوات»، فإن «حزب الله» اضطر للتدخل بتكليف مسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا التواصل مع عون وباسيل لإقناعهما بالتدخل لتنعيم موقف فريد البستاني؛ «لأنه لا مصلحة له بأن يتوزع حلفاؤه على لائحتين؛ مما يعوق استعدادهم للدخول في مبارزة انتخابية متوازنة مع تحالف (التقدمي) و(القوات)، وإن كان الحزب يضع إمكاناته بتصرف باسيل وهو تحول إلى كاسحة ألغام لتعبيد الطريق أمامه لتعويم نفسه انتخابياً، إضافة إلى أنه يضع نصب عينيه استهداف (التقدمي)».
لذلك؛ فإن اصطدام تحالف باسيل – أرسلان – وهاب بحائط مسدود سيفتح الباب أمام توزعهم على لائحتين؛ الأولى مدعومة من الثنائي الدرزي بتعاونهما مع ناجي البستاني، والثانية يتزعمها «التيار الوطني»، وهذا ما يشكل إحراجاً للثنائي الشيعي في توزيعه الأصوات الشيعية في بلدات الجية وجون والوردانية في الشوف، وفي بلدتي القماطية وكيفون في عاليه، لما يشكله الصوت الشيعي من رافعة ولا يمكن التقليل من قدرته في تجييره أصوات الناخبين الشيعة.
أما إذا كان هناك من يراهن على أن الاختلاف بداخل البيت الواحد (باسيل – أرسلان – وهاب) سينسحب على حزبي «التقدمي» و«القوات»؛ فسيكتشف أن رهانه ليس في محله؛ لأنهما محكومان بالتحالف، وأن لا غنى لأحدهما عن الآخر، وأن هناك إمكانية لديهما للتغلب على التباين حول المرشح الكاثوليكي على لائحتهما، ويمكن تثبيت ترشيح رئيس «المجلس الاقتصادي الاجتماعي» شارل عربيد على أن تعود لـ«القوات» تسمية الماروني الثالث عن الشوف إلى جانب جورج عدوان وحبوبة عون في حال أن ناجي البستاني اتخذ خياره الانتخابي في مواجهة لائحة «التقدمي» – «القوات».
وعليه؛ فإن «التقدمي» ينصرف حالياً إلى استنهاض الشارع السني في الشوف انطلاقاً من تعزيز الحضور الانتخابي لجمهوره الذي يجمع بين انتمائه الحزبي وبين تأييده تيار «المستقبل»، خصوصاً أنه رشح سعد الدين الخطيب عن المقعد السني الثاني إلى جانب نائبه بلال العبد الله.
ويبقى السؤال: هل يسمح «حزب الله» الطامح للحصول وحلفاؤه على الأكثرية النيابية في البرلمان العتيد بأن يتوزع حلفاؤه في الشوف وعاليه على لائحتين؟ أم إنه سيقول لهم في الوقت المناسب كفى تشرذُماً، ويبادر إلى إعادة ترميم صفوفهم؟ خصوصاً أن استحالة جمعهم في لائحة واحدة ستعبد الطريق أمام تصدع «التيار الوطني» من الداخل في ضوء ما يتردد عن أن النائب الحالي ماريو عون؛ غير المشمول بترشيحات باسيل، يميل إلى الترشح على «لائحة أرسلان – وهاب» في حال تفرق العشاق على لائحتين.